صحافة

القمة الأمريكية - الصينية.. وخطر السباق النووي

محمد السعيد إدريس

المشاركة
القمة الأمريكية - الصينية.. وخطر السباق النووي

بقدر ما جذبت القمة الأمريكية - الصينية الأخيرة، التي جرت بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الصينى شي جين بينغ، والتي عُقدت في مدينة بوسان الكورية الجنوبية، اهتمام المراقبين من منظور، كونها تُعد خطوة مهمة في ضبط الصراع التجاري والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين، خصوصاً بعد نجاح الرئيسين في التوصل إلى نجاحات مهمة ضمن هذا السياق، إلا أنها، رغم ذلك يمكن أن تكون مؤشراً شديد الخطورة لعجز البلدين عن تحقيق اختراق له اعتباره في الصراع الجيوسياسي الذي أخذ يتصاعد ضمن محورين، الأول: أمريكي مدعوم أوروبياً، والثاني: روسي - صيني، من شأنه أن يهدد كل النجاحات التجارية والاقتصادية التي تحققت في هذه القمة القمة.

الرئيس الأمريكي الذي أعطى تلك القمة 12 علامة من 10 علامات عندما سُئل عن تقييمه لنتائج القمة، في إشارة إلى أنها (حققت نجاحات مبهرة لم تكن متوقعة)، فاجأ العالم كله بإعطائه إشارة شديدة الخطورة لدفع الصراع الصيني- الروسي مع الولايات المتحدة نحو أجواء حرب باردة قد تفجر حرباً نووية عالمية، عندما أصدر أوامره للمسؤولين في إدارته بالبدء الفوري في إجراء تجارب نووية، خلال حفل عشاء أقامه الرئيس الكوري الجنوبي (لي جاي ميونغ) على هامش قمة (منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ) "أبيك"، التي حضرها أيضاً الرئيس الصيني شي. لعل سبب قرار الرئيس الأمريكي هو خطر تراجع التفوق الأمريكي في امتلاك الأسلحة النووية، إذا ما ظل التسابق الصيني - الروسي لامتلاك هذه الأسلحة ضمن معدلاته الحالية، التي في مقدورها حسب تحذير ترامب، تجاوز التفوق الأمريكى.

ترامب أكمل المعنى الذي يريده بالعودة إلى إطلاق التسابق النووي بتأكيده الأحد الماضي (2/11/2025) أن الولايات المتحدة سوف تقوم بإجراء تجارب نووية، وبرر ذلك بأن روسيا والصين تجريان مثل هذه التجارب تحت الأرض، من دون علم أحد. ففي مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" على قناة "سي. بي. سي" قال ترامب رداً على سؤال حول أمره المفاجئ الخميس (30/10/2025) للبنتاغون باستئناف التجارب النووية، أن "روسيا تجري تجارب والصين تجري تجارب، لكنهما لا تتحدثان عنها"، وتابع "لا أريد أن أكون الدولة لوحيدة التي لا تجري تجارب نووية". وعندما سُئل بشكل مباشر ما إذا كان يخطط بأن تقوم الولايات المتحدة بتفجير سلاح نووي لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود، أجاب: "أنا أقول إننا سنجرى تجارب على أسلحة نووية مثلما تفعل دول أخرى نعم".

هذا التوجه الخطِر كانت له ردود فعل قوية عند الصين وروسيا، لكنه فجر أيضاً تساؤلات داخل الإدارة الأمريكية نفسها، حيث أسرع وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت (الأحد 2/11/2025) للتقليل من احتمال قيام الولايات المتحدة، بإجراء تفجير نووي، وقال في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز": "أعتقد أن التجارب التي نتحدث عنها الآن هي اختبارات على الأنظمة.. هذه ليست انفجارات نووية"، وزاد بقوله: "إنها ما نسميه (انفجارات غير خطِرة)، حيث سنختبر جميع الأجزاء الأخرى من السلاح النووي للتأكد من أنها توفر الهندسة المناسبة لإطلاق الانفجار النووي".

قرار ترامب وما أدى إليه من ردود فعل صينية وروسية رافضة لهذا التوجه، يرجع لكون الولايات المتحدة من الدول الموقعة منذ عام 1996 على معاهدة (الحظر الشامل للتجارب النووية) التي تحظر جميع التفجيرات النووية، سواء كانت لأغراض عسكرية أو مدنية، وترجع خطورته إلى غموض ما إذا كان سيؤدي إلى إطلاق تسابق جديد على امتلاك المزيد من الأسلحة النووية، في ظل وجود توجه دولي لنزع هذه الأسلحة، خصوصاً وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد سُئل قبل ما يقرب من أربعة أسابيع، أثناء مشاركته في قمة (دول الرابطة المستقلة)، عما إذا كانت موسكو عازمة على إطلاق تجارب نووية إذا فعلت الولايات المتحدة ذلك، فقال: "إن بعض الدول تدرس إجراء تجارب نووية، ونحن سنقوم بخطوات مماثلة إذا وضعت تلك الخطط موضع التنفيذ"، وبعده أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف كلمات الرئيس بوتين، وقال: "إن موقف روسيا واضح إذا تخلت أي دولة عن الالتزام بوقف التجارب النووية، فإن روسيا ستتصرف وفقاً لذلك".

التأكيدات الروسية لها ما يؤكد جديتها في ظل تعمد الرئيس الروسي، الإفصاح عن إنتاج صواريخ عالية الكفاءة والتطور، مثل الصاروح (يوريفستينك "إنذار العاصفة") المزود بمحرك نووي، ويستطيع أن يقطع مسافة 14 ألف كيلومتر في 15 دقيقة فقط، وفي قرار وزارة الحرب الأمريكية، بتوجيه من الرئيس ترامب تزويد أوكرانيا ب150 صاروخاً من طراز "توما هوك" بعيد المدى الذي يتراوح مداه بين 1600 و2500 كيلومتر، مما يجعله قادراً على تهديد العمق الروسي، ويحول أوكرانيا من حالة التعرض لـ"حرب دفاعية" إلى خوض "حرب هجومية" ضد روسيا. هذه التطورات تحمل تأكيدات بأن العالم أخذ في الاندفاع سريعاً نحو الخطر.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن