صحافة

الصراع على مستقبل أمريكا: بين الديمقراطيين والجمهوريين

عبدالله خليفة الشايجي

المشاركة
الصراع على مستقبل أمريكا: بين الديمقراطيين والجمهوريين

من المفارقات السيئة لترامب وحزبه وحركة اليمين(MAGA)الداعمة والمناصرة له والتي يدين لها بفوزه بالرئاسة مرتين-وفي الذكرى الأولى لانتخابه لولاية ثانية وأخيرة تلقي ترامب هزيمة شخصية ساحقة له ولأجندته وسياساته وحزبه وجماعته في انتخابات الثلاثاء الماضي بفوز زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك-34 عاماً ليكون أصغر وأول مسلم مهاجر مع والديه عمدة لأكبر مدينة في الولايات المتحدة الأمريكية.

نجح بأجندته ومشروعه وكارزاماتيته بهزيمة أندرو كومو حاكم ولاية نيويورك والمنشق عن حزبه الديمقراطي وبعد هزيمته في الانتخابات التمهيدية وترشيحه مستقلاً-ومرشح الدولة العميقة والمدعوم من ترامب وإيلون ماسك وأصحاب المال والأعمال واللوبي الإسرائيلي والمليارديرات اليهود الذين أنفقوا ملايين الدولارات لهزيمة ممداني. وذلك بمخاطبة وطمأنة ممداني شرائح المجتمع وخاصة الشباب وتحديه أولغارشية المال والنظام الحاكم والفساد. ليخسروا جميعا برغم الحملة الشرسة لتشويه ممداني بوصفه بالشيوعي الإسلامي الجهادي المتطرف. وبث خطاب الإسلاموفوبيا العنصري في مدينة نيويورك بعد ربع قرن على اعتداءات 11 سبتمبر 2001 ـ اعترف وتحمل أسامة بن لادن مسؤولية تنظيم القاعدة تنفيذ "غزوة مانهاتن" في نيويورك. أكثر مدن أمريكا والعالم ثراء وأكثر مدينة يسكنها كبار الأغنياء، وأكبر عدد من اليهود.

الملفت في انتصار ممداني الكبير أن حملة التشويه والتشهير وملايين المال السياسي لهزيمته لم يصمد أمام تسونامي مد الشباب الغاضبين من ارتفاع كلفة المعيشة وفشل ترامب بتحقيق أي من بنود أجندته بسبب أجندة ممداني التقدمية لخفض كلفة المعيشة وتوفير رعاية مجانية للأطفال وتجميد الإيجارات ورفع الضرائب على من دخله أكثر من مليون دولار سنويا لتمويل مشاريعه الجاذبة للناخبين. لذلك حصل على أكثر من مليون صوت برغم ترهيب ترامب ووصفه ممداني بالشيوعي المتطرف وتهديده بخفض الدعم الحكومي الفيدرالي لمدينة نيويورك ـ مسقط رأس ترامب وأكبر وأغنى مدن الولايات المتحدة ومقر وول ستريت المال والأعمال والأمم المتحدة!!

يؤكد ممداني في انتقاد لاذع لترامب وإدارته أن ‏ سكان نيويورك يواجهون استبداد إدارة ترمب وأزمة القدرة على تحمل تكاليف المعيشة وأن مدينة نيويورك مدينة مهاجرين قاموا ببنائها ويقيمون فيها وسيقودونها مطلع العام القادم. وعلق السناتور التقدمي بيرني ساندر والرئيس أوباما: فوز ممداني يبعث الأمل ورسالة واضحة:-يمكننا مواجهة الأوليغارشيين، ونقيم حكومة من الشعب، وبالشعب ولأجل الشعب. ما يخشاه ترامب والجمهوريون من فوز ممداني وخسارة جميع المرشحين الجمهوريين الذين دعمهم ترامب وقيادات حزبه بمن فيهم حاكم ولاية نيوجيرسي وفوز أول مرشحة من الحزب الديمقراطي بمنصب حاكمة ولاية نيوجيرسي جارة نيويورك. وفوز مرشحة الحزب الديمقراطي سبرنغبرغر بمنصب حاكمة ولاية فيرجينيا وكذلك فوز غزالة هاشمي أول مهاجرة من الهند بمنصب نائب حاكمة ولاية فيرجينيا. في سابقة تعزز مكانة ومستقبل صعود الأقليات والمهاجرين المسلمين.

وكذلك تصويت الناخبين في ولاية كاليفورنيا على مقترح الحاكم الديمقراطي نيوسوم على "مقترح 50" - بأغلبية 63في المئة بإعادة رسم خمس دوائر انتخابية في كاليفورنيا لضمان زيادة عدد النواب من الحزب الديمقراطي بخمسة مقاعد. رداً على إعادة رسم ولاية تكساس خمسة دوائر انتخابية انتزعت من الأقليات والحزب الديمقراطي لمصلحة الحزب الجمهوري-في حرب ومعادلة صفرية. لكن تلك التحولات الكبيرة تمهد لبدء تحول كبير وتاريخي مؤثر في الولايات المتحدة. برفض وتوبيخ لسياسات ترامب يضعف ويكسر قبضته الفولاذية بهيمنته وحزبه وجماعته على جميع سلطات النظام الأمريكي. خاصة أن سياسات الرئيس ترامب عطلت وشلت الحكومة الأمريكية بإغلاقها منذ مطلع أكتوبر الماضي في أطول إغلاق للحكومة بالتاريخ- وحرمان حوالي 43 مليون أمريكي من الطبقة الفقيرة من الحصول على برنامج الإعانة والإعاشة الحكومية الشهرية المعروف بـ"SNAP"- وكذلك عدم دفع رواتب موظفي الحكومة الفيدرالية بمن فيهم المراقبون الجويون والتفتيش في المطارات-ما تسبب بتأخير وإلغاء آلاف الرحلات الجوية وسط غضب عارم وناقد لسياسات وتخبط ترامب والكلفة الكبيرة للمستهلكين بسبب رفع الرسوم والتعريفات التي يصر عليها ترامب على البضائع الواردة من الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك. ما يرهق المستهلكين الأمريكيين ويثير غضبهم!!

يضاف لذلك انصراف ترامب بإنجازات وهمية بإصراره على إنهاء ووقف ثماني حروب وتهديد فنزويلا بعمل عسكري لمحاربة تجار المخدرات وتهجمه على نيجيريا والتهديد بالتخطيط لعمل عسكري لوقف قتل المسيحيين!! من نصبه مدافعا عن مسيحيي نيجيريا والعالم!! ورغم ادعائه بوقف الحرب في غزة لكن بعد شهر من اتفاق وقف إطلاق النار، لا تزال إسرائيل تتعنت وترفض الالتزام ببنوده بوقف الحرب وإدخال المساعدات حسب الاتفاق! وآخرها تهجم ترامب على جنوب أفريقيا ورفضه حضور قمة مجموعة العشرين وتنديده باستهداف المهاجرين البيض من هولندا وألمانيا، الذين فرضوا نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا على مدى عقود!!

والصادم ـ برغم انسداد الأفق السياسي الداخلي-عقد الرئيس ترامب قمة مصغرة فيما عرف بـ (5+1) لقادة دول آسيا الوسطى-كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، تركمنستان، وأوزبكستان الأسبوع الماضي في البيت الأبيض. حيث أشادوا ومدحوا ترامب. والأهم أعلن قاسم تكايف رئيس كازاخستان أكبر وأهم جمهورية في آسيا الوسطى-برغم إقامة كازاخستان علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ عام 1992-انضمام كازاخستان إلى الاتفاق الإبراهيمي وسط احتفال ترامب وتعهده بتوسيع عدد الدول العربية والإسلامية للاتفاق الإبراهيمي برغم مجازر حرب إبادة إسرائيل على غزة. وقد نددت حماس بتلك الخطوة المستفزة وطالبت الدول العربية والمسلمة برفض التطبيع مع العدو الإسرائيلي.

تؤسس التحولات الكبيرة في أمريكا لواقع سياسي واجتماعي جديد- ينذر بخسارة ترامب وحزبه في النظام السياسي، وفوز الديمقراطيين والتقدميين والأقليات بعد عام، يؤسس لمستقبل أمريكا الجديدة!!

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن