تطرح مشكلة المقاتلين العالقين خلف ما يُسمى "الخط الأصفر" الذي رسمته إسرائيل داخل القطاع بعد انسحاب قواتها في إطار المرحلة الأولى من اتفاق غزة، تحدياً كبيراً أمام الوسطاء الذين يحاولون حلّ هذه المعضلة خوفاً من أن يؤدي تفاقمها إلى انهيار وقف إطلاق النار. تحاول إسرائيل استغلال وجود عشرات المقاتلين الفلسطينيين العالقين داخل أنفاق رفح المدمرة، إلى جانب خروقاتها اليومية المتواصلة، لإفشال الاتفاق برمته، تحت ضغط اليمين المتطرف، ولشعورها في الأصل بأنها كانت مجبرة على الموافقة على الاتفاق.
وبالتالي فهي ترى في الأزمة الناشبة حول هؤلاء المقاتلين الذين وجدوا أنفسهم محاصرين في الأنفاق فرصة لاستعراض قوتها والظهور بمظهر المنتصر الذي لم يمنحه لها الاتفاق، على الرغم من أن وجود هؤلاء المقاتلين، يمثل بحد ذاته، فشلاً أمنياً واستخباراتياً لها، في منطقة ادعت السيطرة عليها منذ وقت طويل. ومع ذلك تصر إسرائيل على توتير الأجواء ورفض مقترحات الوسطاء بتوفير ممر آمن لخروج هؤلاء المقاتلين إلى مناطق السيطرة الفلسطينية، ومنها تسليم السلاح إلى جهة ثالثة، وتقديم معلومات عن الأنفاق ليتم تدميرها، كما هو حال المقترح المصري، تفادياً لاشتباك قد يعرض اتفاق وقف إطلاق النار للخطر.
وبدلاً من ذلك، تذهب إسرائيل نحو التصعيد، تارة عبر طرح خيارات مستحيلة من نوع إما استسلام هؤلاء المقاتلين أو الموت في الأنفاق، وأخرى عبر التهديد بتدمير جميع الأنفاق في القطاع، وثالثة عبر ربط مصير هؤلاء المقاتلين باستعادة جميع جثث الرهائن بما في ذلك رفات هدار غولدين المحتجزة منذ عام 2014. السؤال الذي يطرح نفسه هو، لماذا لم تتمكن إسرائيل من تدمير هذه الأنفاق قبل ظهور معضلة هؤلاء المقاتلين الذين لم تكن تعلم بوجودهم أصلاً قبل الإعلان عن ذلك؟ من الواضح أن إسرائيل لا تملك المعلومات الاستخبارية الكافية حول شبكة الأنفاق الكاملة في قطاع غزة، والتي دمرت جزءاً منها بالفعل، لكنها لا تزال عاجزة عن تدمير الجزء الأعظم منها.
وحقيقة الأمر أن الهدف الإسرائيلي يتمحور حول تعقيد الوصول للمرحلة الثانية من الاتفاق لأطول فترة ممكنة مع اقتراب انتشار قوة دولية وإدارة حكم جديدة في قطاع غزة بكل ما يترتب على ذلك من استحقاقات تنهي السيطرة الإسرائيلية المطلقة لصالح المرحلة الانتقالية. ومن هنا تضغط واشنطن لحل مشكلة المقاتلين العالقين لمنع تعريض الاتفاق للخطر، وإن كانت الإدارة الأمريكية تتوافق مع إسرائيل في رؤية هؤلاء المقاتلين يخرجون من الأنفاق وهم يرفعون أيديهم ويسلمون أسلحتهم كنموذج يمكن تعميمه لاحقاً في بقية أنحاء القطاع. لكن يبدو أن الرغبة شيء والواقع شيء آخر، إذ تشير الوقائع إلى أنه لا مفر من البحث عن تسوية تراعي مصالح جميع الأطراف، إن كانت هذه الأطراف تريد الحفاظ على وقف إطلاق النار.
(الخليج الإماراتية)

