تبدو المواجهة بين اسرائيل وايران "قادمة لا محالة" خصوصًا بظل التسريبات الأخيرة عن نية رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو طرح هذا الملف "الدسم" خلال اللقاء الذي سيجمعه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب أواخر الشهر الحالي والحصول على "ضوء أخضر" لشنّ ضربات عسكرية جديدة ضد طهران، التي تعد العدّة وتتحضر لذلك بظل الانسداد في المباحثات بينها وبين واشنطن كما عودة العقوبات الأممية المفروضة عليها ومحاولات تقليم أظافرها والحدّ من نفوذها في المنطقة. وتعي ايران أنها تمرّ بمرحلة شديدة التعقيد والحساسية ولكنها تحاول تحقيق التوزان بين رفع سقف التحدي والمواجهة والاعلان عن "التعافي" والقدرة على المواجهة بعد حرب الإثني عشر يومًا في حزيران/ يونيو الماضي وبين ترك باب للدبلوماسية والمفاوضات.
وبين هذين الخيارين يعيش الشارع الايراني بانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من معطيات، لاسيما أن نتنياهو نفسه يريد فتح جبهة حرب جديدة بعد المحاولات الاميركية الحثيثة والمستمرة لوقف الحرب على غزة وتحقيق حدّ أدنى من الاستقرار "الهش"، فيما الاول لا يريد المغامرة في حياته السياسية بل يسعى لإطالة أمدها والمنافسة للانتخابات المزمعة في تشرين الأول/أكتوبر 2026 متحديًا التهم الموجهة اليه كما الاصوات الرافضة لبقائه والمطالبة بإسقاط حكومته بعد فشلها الذريع في ما يسمونه "ردع" أحداث "طوفان الأقصى". وفي هذا السيّاق، أقرّ الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولية مشروع قانون يمنح الحكومة صلاحية تشكيل "لجنة سياسية" للتحقيق في أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، رغم رفض المعارضة التي تطالب بلجنة تحقيق رسمية مستقلة. علمًا انه يوم الاثنين الماضي، فجرّ مساعد سابق لنتنياهو "قنبلة من العيار الثقيل" حين كشف أن الأخير كلفه، في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" بإعداد خطة للتهرب من المسؤولية عن الخرق الأمني.
أما صحيفة "جيروزاليم بوست"، فرأت أن سياسة نتنياهو القائمة على استمرار الصراع تضرّ بمصالح تل أبيب وتقوّض جهود واشنطن لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، معتبرة – في مقال – أن الانتقادات الأميركية لنتنياهو "لم تعد كافية دون ضغط فعلي"، كما أشارت إلى أن لقاء ترامب المرتقب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ربما يكون فرصة لتصحيح المسار. وفي صحيفة "هآرتس" ايضًا، حذّر الجنرال الإسرائيلي السابق إسحاق بريك من أن أي ضربة جديدة لإيران ستؤدي لنتائج كارثية على إسرائيل، قائلا إن طهران "تعافت بسرعة". وما يُصعب الأمر هو انتهاج طهران سياسة "الغموض النووي" ورفضها الدور المنوط بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث قال رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، محمد إسلامي، إن بلاده لن تستجيب "للضغوط السياسية والنفسية" أو "المتابعات غير ذات الصلة" الرامية إلى إعادة تفتيش منشآت نووية تعرّضت للقصف، ما لم تحسم "الوكالة الذرية" مسألة إدانة الهجوم العسكري على صناعة نووية خاضعة لإشرافها.
وكانت إيران، عقب الهجمات، علّقت بعض أوجه التعاون مع "الوكالة الدولية"، ومنعت وصول مفتشيها إلى المواقع المتضرّرة، وربط قانون أقره البرلمان الإيراني، في وقت سابق، دخول المفتشين بالحصول على موافقات من مجلس الأمن القومي، بما يتطلب مصادقة المرشد علي خامنئي، صاحب كلمة الفصل في شؤون البلاد. وهذا التصعيد الخطير لن يبقى محصورًا بطهران نفسها لأن تداعياته ستطال مختلف مناطق الاقليم، لاسيما ان ايران لا تزال تحتفظ ببعض النفوذ و"الحلفاء" الذين هم "غب الطلب" في تنفيذ مخططاتها أو في توظيفهم ضمن أوراق القوة التي تملكها على الرغم من تراجع ذلك نتيجة الضربات الاسرائيلية التي استهدفت "حزب الله" في لبنان والحوثيين في اليمن ناهيك عن التحول الدراماتيكي في سوريا، والذي شكل ضربة قاصمة لما كانت تمثله دمشق في المشروع الايراني المتوسع. وعليه فإن حلفاء طهران في المنطقة، لم يخرجوا من المعادلة، وأن قدراتهم على التأثير ما زالت قائمة، وإن اختلفت أشكال ومستويات المشاركة. وهذا ما يمكن أن نلحظه في لبنان، من خلال استمرار "حزب الله" في رفع سقف المواجهة مع الحكومة اللبنانية واعلان ايران المتكرّر دفاعها عنه وتبني موقفه.
التصريحات الايرانية فجرّت موجة غضب داخلية في البلاد وبرّز التراشق الكلامي بين وزير خارجية البلدين في ما يعكس الانقسام العامودي ومحاولات بعض الجهات اللبنانية رفض التدخلات الايرانية التي لم تجلب للبلاد سوى الويلات والخراب، وأخرها معركة "وحدة الساحات" التي ورطت لبنان والحزب نفسه في أتون حرب لم تخلص تداعياتها بعد. ويأتي كل ذلك مع تصاعد نبرة التهديدات الاسرائيلية والعمليات العسكرية ومحاولات تل أبيب تبرير ذلك بإستعادة "حزب الله" عافيته ونشاطه، ومن هنا يمكن الاستدلال على الضربات وأخرها أمس، الأربعاء، على منطقة "جناتا" في جنوب لبنان، إلى جانب ذلك نفذ العدو سلسلة غارات استهدفت واديي النميرية وحومين في جنوب لبنان، وفق الوكالة اللبنانية الرسمية. في وقت أعلن الجيش الإسرائيلي أنه هاجم "مواقع إطلاق" تابعة لـ"حزب الله".
ولا يمرّ يوم دون أن تختبر البلاد الانتهاكات المستمرة لإتفاق وقف النار الذي هو اشبه "بحبر على ورق" دون نتائج ملموسة فيما توظف الحكومة كل دبلوماسيتها وعلاقتها من أجل الحدّ من الاعتداءات ومنع عودة شبح الحرب إضافة إلى مساعيها الدؤوبة لتنفيذ حصرية السلاح، والذي لا يزال دونه الكثير من المعوقات. في الأثناء، تعمل تل أبيب على خط موازٍ من خلال تضخيم "خطر" "حزب الله" وهو ما يعكسه تقرير صادر عن مركز "ألما" الإسرائيلي للبحوث والتعليم، والذي تحدث عن إمكانية أن يؤدي العداء المشترك للنظام السوريّ الجديد، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، إلى نشوء تقارب مؤقت في المصالح بين القوات الكردية في شرق سوريا (قسد) والحزب في لبنان. وبحسب التقرير نفسه، سعى ممثّلو "قسد" أخيرًا إلى تعزيز علاقاتهم مع الحزب، الأمر الذي أفضى إلى عقد اجتماع سري في بيروت، ضم مسؤولين أكرادًا رفيعي المستوى وممثلين عن "حزب الله"، برئاسة رئيس دائرة العلاقات الدولية في المجلس السياسي للحزب عمّار الموسوي.
ويتزامن هذا "التقارب" – إن صح – مع المعلومات المسربة عن محاولات تركيا الدخول على خط العلاقات بين الحزب وحكومة الشرع لغايات تتعلق بالمصالح وتنظيم القوى. ولطالما شكلت دمشق ممرًا للسلاح المرسل إلى "حزب الله" الذي تدخل في الحرب السورية للمحافظة على بقاء نظام بشار الأسد ومنعه من السقوط. ولكن التغيرات التي طرأت مؤخرًا تنعكس على لبنان في وقت تبدو إدارة الشرع واضحة بأنها تريد تصفير المشكلات وفتح صفحة جديدة ولكن في إطار الدولة والمؤسسات، أي من دولة لدولة. وهناك الكثير من الملفات المشتركة والقضايا التي يتم العمل على حلحلتها والتوصل لنتائج ملموسة فيما تعيش سوريا على وقع المخاطر الأمنية والدسائس التي تُحاك لها. فبينما تقدم واشنطن اليوم فرصة تاريخية للحكومة السورية للحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها، تبرز الخروقات الاسرائيلية المتواصلة في جنوب سوريا والتي تثير غضب وامتعاض الأهالي، في وقت توعّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بمواصلة العمليات العسكرية، مشددًا على أن الجيش الإسرائيلي لن يغادر قمة "جبل الشيخ" والمنطقة العازلة في سوريا، والتي احتلتها بأعقاب سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول /ديسمبر 2024.
هذا "التعنت" هو ما يحول دون التوصل لاتفاق بين الجانبين على الرغم من الوساطة الأميركية ومحاولات لجم المخططات الاسرائيلية التي لا يمكن التكهن بخطورتها ومداها. ومع هذه الاستباحة للأراضي السورية تبرز المعضلات الاخرى خاصة ما يتعلق بالمعطيات عن زيادة خطر تنظيم "داعش"، الذي على ما يبدو استطاع إعادة تنظيم خلاياه، في وقت تأخذ حكومة دمشق خطوات فعالة على هذا الصعيد، إذ أعلنت وزارة الداخلية السورية، مساء الأربعاء، عن إلقاء القبض على ما يُسمى بـ"والي تنظيم الدولة الإسلامية" خلال عملية نفذتها القوات الأمنية بالتنسيق مع قوات "التحالف الدولي". وسبق هذا الإعلان، وقوع اشتباكات عنيفة في ريف جبلة بمحافظة اللاذقية على الساحل السوري بين القوات الحكومية السورية وعناصر من فلول النظام السابق، إذ ذكرت وزارة الداخلية أن المجموعة كانت تخطط لاستهداف احتفالات رأس السنة الجديدة بما يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن المدنيين وسلامتهم.
ومحاولات سوريا استعادة السيطرة على كامل البلاد والحدّ من فوضى السلاح لا يمكن تحقيقه بين ليلة وضحاها خاصة بعد سنوات طويلة من الحرب والفوضى. وتستثمر اسرائيل بهذه "الفوضى" فيما تستمر في "لعبتها المفضلة" المماطلة في ما يتعلق بتنفيذ إتفاق وقف النار في غزة على الرغم من أن الإدارة الاميركية تبدو حاسمة بالدفع نحو المرحلة الثانية رغم الخروقات اليومية وعدم الالتزام بالبنود المتفق عليها. ونقلت القناة الـ13 الإسرائيلية عن مصادر، أن الموفد الأميركي ستيف ويتكوف أبلغ المسؤولين الإسرائيليين قبل اللقاء المزمع بين ترامب ونتنياهو بضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية بداية الشهر المقبل. ويترافق ذلك مع محاولات نتنياهو إقناع الرئيس الأميركي بتثبيت "الخط الأصفر" كحدود دائمة بين مناطق سيطرة إسرائيل و"حماس"، بما يتناقض مع جوهر الاتفاق الذي تم التوصل إليه في قمة "شرم الشيخ" خصوصًا انه يقتطع ما يُقارب الـ52% من مساحة القطاع، الصغير أصلًا والذي يضيق بمليوني فلسطيني يعيشون في ظروف إنسانية مأساوية.
وكان جيش الاحتلال أعلن عن إصابة ضابط في انفجار عبوة ناسفة بمركبة في رفح جنوبي قطاع غزة، في حين نفت حركة "حماس" مسؤوليتها عن الحادث، مشيرة إلى أنها حذرت سابقًا من وجود مخلفات الحرب في رفح وغيرها من المناطق. وتسعى تل أبيب لايجاد الذرائع لاستمرار شنّ الضربات التي تحصد المزيد من أرواح الفلسطينيين، إذ أشار عضو المكتب السياسي للحركة غازي حمد إلى أن إسرائيل ارتكبت أكثر من 900 خرق موثق بمعدل 12 إلى 13 خرقًا يوميًا. وهذه الاوضاع المعقدة في غزة تأتي بينما تتزايد الانتقادات الدولية لخطط الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة. وأدانت 14 دولة غربية (من بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وكندا وإسبانيا) موافقة المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي على بناء 19 مستوطنة جديدة مطالبة تل أبيب بالتراجع عنه. ويسرّع الاحتلال من هذه المخططات بينما تعمد قواته إلى تنفيذ المزيد من أوامر الهدم والاخلاءعلى وقع تزايد حملة المداهمات والاعتقالات إلى جانب بطش المستوطنين الذي بلغ حدًا غير مسبوق.
أما دوليًا، فتزيد واشنطن من حصارها للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو لدفعه إلى التنحي، حيث أشار مسؤول أميركي لوكالة "رويترز" إلى أن البيت الأبيض أمر القوات الأميركية بالتركيز على نحو شبه كامل على فرض حصار على النفط لمدة شهرين على الأقل. وفي الشق المتعلق بالحرب الاوكرانية، فقد عرض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تفاصيل بنود أحدث خطة جرى الاتفاق عليها مع الولايات المتحدة، بهدف إنهاء الحرب مع روسيا، موضحًا أنها رفعت إلى موسكو بانتظار أن تبدي موقفها منها.
وفي الصحف الصادرة اليوم تركيزٌ على تطورات المنطقة والاقليم وخاصة ما يتصل بالملف الفلسطيني، وإليكم ملخص عن أهم ما ورد فيها:
اعتبرت صحيفة "الخليج" الإماراتية أن تصريحات (وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل) كاتس عن عدم الانسحاب من قطاع غزة"لا تُقرأ في بُعدها الأمني فقط، بل كرسائل للداخل الإسرائيلي بهدف شدّ العصب الانتخابي، وإعادة رسم صورة لليمين المتطرف أمام الناخب الإسرائيلي الذي يزداد تطرفًا، كما هي رسائل إلى الولايات المتحدة ولشركائها في قمة شرم الشيخ". وقالت " كاتس يريد أن يقول للعالم، وللولايات المتحدة خصوصًا -عرّابة الاتفاق- أن إسرائيل غير معنية بالاتفاق، ولها أهدافها التي تتناقض مع النقاط الـ20 في خطة الرئيس ترامب، وهي لن تنسحب من القطاع كما ينص الاتفاق، وتنفض يديها من التزام ترامب بعدم ضم الضفة الغربية أو إقامة مستوطنات جديدة".
صحيفة "الأهرام" المصرية، تطرقت للموضوع عينه، إذ أشارت إلى أن "الخط الأصفر" يكاد يشطر القطاع شطرين وان نتنياهو يريد أن يجعل من الشطر الذي يسيطر عليه أرضًا إسرائيلية أو على الأقل منطقة عازلة، وفي أسوأ الظروف أن تتحول إلى منطقة "معقمة" تضع إسرائيل قواعد وشروط لها"، معتبرة أنه "لا يبدو غريبًا رفض نتنياهو انتقال الخطة إلى المرحلة الثانية واختلاقه الذريعة تلو الأخرى لإفشالها، ومن ثم دفع ترامب إلى تفعيل ذلك البند، وتسويقه بعد ذلك على أنه "سند" لشرعية احتلال نصف القطاع، تُقام في "غزة الجديدة" خلف الخط الأصفر تجسيدًا لرؤية نتنياهو وترامب معًا، انتظارًا لجولة جديدة من الحرب تلتهم ما تبقى من أرض وبشر"، وفق تعبيرها.
وشددت صحيفة "الوطن" القطرية على أن "الصراع في فلسطين وعلى أرضها، بين مشروعين: المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وإنهاء الصراع لا يقوم إلا على واحد من الخيارين: إما تقاسم الأرض وفق قرار الأمم المتحدة 181، حل الدولتين، أو تقاسم السلطة بين الطرفين، دولة واحدة بهويتين فلسطينية وإسرائيلية، وقوميتين عربية وعبرية"، متسائلة "الحل في فلسطين، وعلى أرض فلسطين، من البحر إلى النهر، وأن أوهام تضليلية لغير ذلك، مجرد اوهام، واطالة الصراع واستمراريته، وها هي المستعمرة مارست كل أنواع الإجرام والقتل مقرونة بالتفوق التسليحي، والدعم الأميركي، هل تمكنت من هزيمة أهل غزة؟".
وتحت عنوان "دوافع شيطانية لا استيطانية"، كتبت صحيفة "عكاظ" السعودية "إن عبور مدنيين إسرائيليين إلى الأراضي السورية المحتلة، ثم تدخل الجيش لإخراجهم، لا يمكن فصله عن السياق الأوسع للسلوك الإسرائيلي القائم على اختبار الحدود، حرفيًا وسياسيًا. فالدولة التي قامت على التوسّع بالقوة، لا ترى في الحدود سوى خطوط مؤقتة قابلة للتعديل متى سنحت الفرصة، ولا ترى في سيادة الدول الأخرى سوى عائق مؤقت أمام أطماعها". وأضافت "إن توصيف ما جرى بأنه "بدوافع استيطانية" يُضفي على الجريمة طابعًا سياسيًا مخففًا، بينما الحقيقة أن ما يحرّك هذه الأفعال هو عقيدة قائمة على نزع الإنسانية عن الآخر، وتطبيع العدوان، وتحويل الاحتلال إلى سلوك يومي عابر".
(رصد "عروبة 22")

