صحافة

أربعة مبادئ حاكمة ترسم مستقبل غزة

إبراهيم نوار

المشاركة
أربعة مبادئ حاكمة ترسم مستقبل غزة

من المرجح أن يصدر خلال أسبوع أو أسابيع قليلة جدا على أبعد تقدير، قرار مجلس الأمن الذي يرسم صورة مستقبل غزة بعد الحرب، بما يقطع الشك باليقين في شأن وضع القطاع. القرار حسب المسودة التي تمت صياغتها في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، يحظى بتأييد مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي، ولا يواجه اعتراضات من الصين وروسيا، يؤكد أربعة مبادئ حاكمة بالنسبة لمستقبل غزة هي أولا، عدم التهجير، ثانيا عدم الاحتلال، ثالثا عدم الضم ورابعا تسليم السلطة إلى الفلسطينيين عبر ثلاث مراحل: الأولى هي مجلس السلام برئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تعاونه هيئة تكنوقراطية فلسطينية مستقلة، والثانية هي نقل السلطة إلى منظمة التحرير الفلسطينية بعد تنفيذ خطة لإصلاحها تستمر سنتين على الأقل، ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة وفيها تنتقل السلطة إلى حكومة فلسطينية منتخبة.

وطبقا لخطة ترامب فإن الأمم المتحدة ومنظماتها ستلعب الدور الرئيسي في عمليات إمداد غزة بالمساعدات الإنسانية، من دون تدخل إسرائيلي، أو تدخل من حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، كما سيلعب البنك الدولي الدور الرئيسي في قيادة خطة الإعمار، وإعادة البناء من خلال صندوق دولي مختص بتمويل الإعمار تشير التقديرات حتى الآن إلى أن رأسماله سيكون في حدود 70 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق تقديرا تفصيليا بقيمة 50 مليار دولار كان الاتحاد الأوروبي قد أعده من قبل. وطبقا لما أعلنه آجاي بانغا رئيس البنك الدولي، فإن البنك مستعد للتعاون مع كل دول العالم للقيام بمهمته في هذا المجال.

نقل السلطة

بعد البدء في تنفيذ وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، فإن المرحلة التالية من الخطة، التي يتضمنها مشروع قرار الأمم المتحدة، هي إنشاء مجلس السلام، وقوة استقرار دولية مؤقتة في غزة، يكون التفويض الدولي الممنوح لها هو عامين، لكننا من خلال خبرة العمل في المنظمة الدولية، لا نستبعد طلب تجديد التفويض في حال بطء أو تعثر تنفيذ المهام المكلفة بها، خصوصا ما يتعلق بشروط نقل السلطة في قطاع غزة من مجلس السلام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ومن أهمها نزع سلاح حماس، وجعل قطاع غزة منزوع السلاح. وينص مشروع القرار على أن عملية تسليم السلطة مشروطة بنجاح منظمة التحرير "بشكل مُرضٍ برنامجها الإصلاحي كما هو مُبين" في خطة ترامب.

وهناك تفاصيل كثيرة بشأن "الشروط المُرضٍية" تضمنتها خطة ترامب في عام 2020 التي جاءت ضمن مشروع "السلام من أجل الازدهار" والمقترح السعودي الفرنسي المُقدّم في وقتٍ سابق من هذا العام. وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أعلن بعد قبول خطة ترامب، أن السلطة الفلسطينية تخطط لإجراء انتخابات عامة، وصياغة دستور مؤقت، وتطوير مناهج تعليمية، وفقا لمعايير اليونسكو. وأضاف أن الإصلاح سيكتمل خلال عامين.

وفيما يتعلق بمراحل نقل السلطة تنص المادة التاسعة من خطة ترامب على إقامة إدارة انتقالية مؤقتة من قِبل لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية، مسؤولة عن إدارة الخدمات العامة والبلديات اليومية لسكان غزة. وتتألف هذه اللجنة من فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين، بإشراف هيئة انتقالية دولية جديدة، هي "مجلس السلام"، برئاسة الرئيس دونالد ترامب، وأعضاء ورؤساء دول آخرين، سيتم الإعلان عنهم لاحقا. ستضع هذه الهيئة الإطار وتدير تمويل إعادة تطوير غزة إلى حين استكمال السلطة الفلسطينية برنامجها الإصلاحي، كما هو موضح في مختلف المقترحات، بما في ذلك خطة الرئيس ترامب للسلام والمقترح السعودي الفرنسي، واستعادة السيطرة على غزة بشكل آمن وفعال. ومن المقرر كذلك أن تعتمد هذه الهيئة على أفضل المعايير الدولية لبناء حوكمة حديثة وفعالة، تخدم سكان غزة وتسهم في جذب الاستثمارات. ويتضمن التفويض المقترح لمجلس السلام سلطة إنشاء كيانات تشغيلية لمعالجة القضايا، بما في ذلك إعادة إعمار غزة وبرامج الإنعاش الاقتصادي.

مشروع قرار مجلس الأمن

وزعت الولايات المتحدة رسميا مشروع القرار على أعضاء مجلس الأمن، في وقت متأخر من يوم الأربعاء الماضي، وقالت إنه يحظى بدعم إقليمي من مصر وقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة. ويمنح مشروع القرار تفويضا مدته عامين لقوة الاستقرار الدولية المؤقتة، يجيز لها "استخدام جميع التدابير اللازمة"، وهو مصطلح يُشير إلى استخدام القوة عند الحاجة، لتنفيذ مهمتها. وقال مسؤول أمريكي، طلب عدم الكشف عن هويته، يوم الأحد الماضي "تبدو الأمور إيجابية للغاية. نحن نجري تغييرات استجابة للمخاوف التي أثارها البعض".

نزع السلاح في غزة

وكانت كل من إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" قد وافقتا على المرحلة الأولى من خطة ترامب المكونة من عشرين نقطة بشأن غزة، التي تشمل وقف إطلاق النار، واتفاقية إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين. أما المرحلة التالية من الخطة، فتتمثل في إنشاء مجلس السلام وقوة استقرار دولية مؤقتة في غزة.. كما تشمل المراحل التالية من خطة ترامب الدعوة لنزع سلاح "حماس"، ونزع السلاح من غزة. ونشر قوة الاستقرار الدولية المؤقتة. وطبقا للمادة 14 من الخطة يتم تقديم ضمانات من قبل الشركاء الإقليميين للتأكد من التزام حماس والفصائل المسلحة بالنصوص الواردة في الاتفاق، وأن غزة الجديدة لا تشكل أي تهديد لجيرانها أو شعبها.

إعادة البناء

يدعو مشروع قرار مجلس الأمن، البنك الدولي والمؤسسات المالية الأخرى إلى تسهيل وتوفير الموارد المالية، لدعم إعادة إعمار وتنمية غزة، على النمط والتسهيلات الممنوحة للدول الأعضاء، الأمر الذي يمنح قطاع غزة مكانة الدولة العضو. ويقترح مشروع القرار إنشاء صندوق ائتماني مخصص لهذا الغرض، يديره المانحون. وطبقا لمشروع القرار فإن تكلفة الموارد اللازمة لإعادة إعمار غزة تقدر بنحو 70 مليار دولار. وكان البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي قد قدروا في فبراير الماضي أن تكلفة إعادة إعمار غزة ستتجاوز 50 مليار دولار، وهم الآن بصدد الانتهاء من تقدير مؤقت جديد بقيمة 70 مليار دولار.

وطبقا للمادتين 10 و11 سيتم وضع خطة ترامب للتنمية الاقتصادية لإعادة إعمار غزة وتنشيطها من خلال تشكيل لجنة من الخبراء، الذين ساهموا في ولادة بعض المدن المعجزة الحديثة المزدهرة في الشرق الأوسط. وقد صاغت مجموعات دولية ذات مصداقية العديد من مقترحات الاستثمار المدروسة، وأفكار التنمية الواعدة، وسيتم النظر فيها لدمج أطر الأمن والحوكمة لجذب وتسهيل هذه الاستثمارات، التي ستخلق فرص عمل وفرصا وأملا لمستقبل غزة. وتنص المادة 11 على إنشاء منطقة اقتصادية خاصة بتعريفات جمركية، ورسوم دخول تفضيلية، وسيتم التفاوض عليها مع الدول المشاركة. ومن المرجح إقامة هذه المنطقة على الحدود المشتركة بين مصر وقطاع غزة.

أمريكا تخفض الدور الإسرائيلي

طبقا للترتيبات الجارية في الوقت الحاضر فإن الولايات المتحدة تتعمد تحييد الدور الإسرائيلي في عملية الانتقال في غزة، أو تقليله إلى أدنى حد ممكن، بما في ذلك دورها في تقديم المساعدات الإنسانية. وطبقا للمادة الثامنة من خطة ترامب يستمر إدخال المساعدات وتوزيعها إلى قطاع غزة، دون تدخل من الطرفين، إسرائيل وحماس، عبر الأمم المتحدة ووكالاتها، والهلال الأحمر، بالإضافة إلى مؤسسات دولية أخرى غير مرتبطة بأي طرف، وقد أشار تقرير نشرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الأسبوع الماضي إلى أن الولايات المتحدة هي صانع القرار الرئيسي في مركز التنسيق المدني- العسكري، بما في ذلك القضايا المتعلقة بتسليم المساعدات الإنسانية إلى غزة. وبموجب المادة 16 لن تحتل إسرائيل غزة أو تضمها.

ومع ترسيخ قوة الاستقرار الدولية لسيطرتها واستقرارها داخل القطاع، ستنسحب قوات الاحتلال الإسرائيلية، وفقا لمعايير وجداول زمنية مرتبطة بنزع السلاح، يُتفق عليها بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وقوة الاستقرار الدولية المؤقتة والجهات الضامنة والولايات المتحدة، بهدف ضمان أمن غزة وعدم تهديدها لإسرائيل، أو مصر أو مواطنيها. عمليا، سيسلم جيش الاحتلال الإسرائيلي تدريجيا أراضي غزة التي يحتلها لقوات الاستقرار الدولية المؤقتة، وفقا لاتفاق مع السلطة الانتقالية حتى الانسحاب الكامل من غزة، باستثناء وجود محيط أمني سيبقى حتى يتم تأمين غزة بشكل كامل من أي تهديد متجدد.

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن