تَوَقَّعَ "البنك الدولي" أن تشهد المنطقة زَخْمًا في النموّ الاقتصادي العام المقبل والسنوات المُوالِيَةِ، بالاسْتِفادَةِ من مُناخٍ سياسيٍّ جَديد. لكنّه يختلف من بلدٍ إلى آخر حسب حَجْمِ الاستقرار المتوفّر، والإصلاحات المُعْتَمَدَةِ، والقُدُراتِ والإمْكانِيّاتِ المُتاحَةِ، التي تُشجّع على جَلْبِ الاستثمار، وَخَلْقِ فُرَصِ العمل والثَّرْوَةِ، وإعادة الإعمار.
آفاق الاقتصاد العربي مرتبطة بأسعار الطاقة واستراتيجيّات التنويع غير النفطي
ومن المُنْتَظَرِ أن تُحَقِّقَ المنطقة العربية مُتَوَسِطَ نُمُوٍّ يتجاوز 3.8 في المئة عام 2026، وفوق 4 في المئة في عددٍ من الدول الأخرى. وَكَشَفَ التقريرُ أنَّ تِسْعَ دولٍ عربيةٍ يتجاوز ناتجُها المحلّي 100 مِلْيارِ دولار، سوف تُحَقِّقُ ناتجًا إجماليًّا يقدّر بـ3.6 تريليونات دولار: أيْ حَوالَيْ نِصْفَ النّاتج الإجمالي في دول مجموعة "آسيان" في جنوب شرق آسيا، التي عاشت بدورِها مَآسيَ وَحُروبًا في سِتينيّاتِ وَسَبْعينيّاتِ القرن الماضي، وأصبحت اليوم ضمن أهمّ الدول الصّاعِدَةِ اقتصاديًا وتكنولوجيّا.
دُوَلُ الخليج تَقودُ الاقتصادَ العربي
تَتَصَدَّرُ المملكة العربية السعودية القائمةَ، بناتجٍ محلّيٍ إجماليٍ يَصِلُ إلى 1.316 تْريلْيونَ دولار أميركي في 2026، مدعومًا بجهود التَّنْويعِ الاقتصادي ضمن "رؤية 2030"، وتطوير قطاعاتٍ غير نَفْطِيَّةٍ، مثل الطاقاتِ المُتَجَدِّدَةِ والهيدْروجينِ الأَخْضَرِ، وَالسّياحةِ، والخِدْماتِ اللوجيسْتيّةِ، والمالية، والنقل والمواصلات، والصناعة، وبإمكانِ الرياضِ تحقيق 50 في المئة من ناتجها الإجماليّ، من قطاعاتٍ خارج الطاقات الأُحْفورِيَّة.
تَأْتي الإمارات العربية المتحدة كثاني أكبر وأسرع اقتصاد في مجموعِ منطقةِ الشرق الأوسط وشَمالِ أفريقيا، وهو الأكثر انفتاحًا واندماجًا في الاقتصاد العالمي. وَتُمَثِّلُ أبو ظبي نموذجًا ناجحًا للتنويع الاقتصادي، والانفتاح على الأسواق العالمية. وتوقّع صندوق النقد الدولي أن تحقّقَ الإمارات، ما فوق 5 في المئة، بناتجٍ إجماليٍّ يتجاوز 601 مليار دولار في 2026.
وَيُوازي حَجْمُ اقتصادِ السعودية والإمارات نحو نِصْفِ مَجْموعِ النّاتج الإجمالي العربي كُلِّه. وبلغت التجارة السِّلَعِيَّةُ الخَليجيَّةُ مع بَقِيَّةِ العالم 1.5 تريليون دولار، ما جَعَلَها في المَرْتَبَةِ السادسة عالميًا في حجم التجارة العالمية بنسبة 3.2 في المئة. وقُدِّرَتِ المُبادَلاتُ البَيْنيَّةُ بـ 146 مليار دولار عام 2024، بِنُمُوٍّ 10 في المئة عن عام 2023. ويرى البنك الدولي أنّ الاستثمار في الذّكاء الاصْطِناعِي التَّوْليديّ، يمكن أن يُضيفَ لها بين 21 إلى 36 مليار دولار سنويًا على المدى المُتَوَسِّط. وحقّقت دول الخليج فائِضًا في الميزان التجاري بينها تجاوز 100 مليار دولار العام الماضي. ويُمْكِنُ اِعْتِبارُ الاسْتِقْرارِ وَالاعْتِدالِ وَالانْدِماجِ الإقليمي، من عناصر النموّ والتطوّر الاقتصادي، خلال العِشْرينَ سنةً الأخيرةَ، مُقارَنَةً بمناطقَ أخرى في الخريطة العربية.
مصر: الإصلاحُ في مُواجهة التحدّيات
تُصَنَّفُ مصر كثالثِ أكبرِ اقتصادٍ عربيٍّ، مع تَوَقُّعِ ناتجٍ محلّيٍ إجماليٍّ يزيدُ على 400 مليار دولار؛ وَيَقودُ الاستثمار الأجنبي والسياحة قاطِرَةَ النُّمُوّ. وَتُمَثِّلُ مصر حَجَرَ الزاويةِ في النشاطِ الاقتصادي الإقليمي والعربي، بِفِعْلِ حَجْمِ سُكّانِها الكبير وَمَوْقِعِها الاستراتيجي، على الرَّغم من الضُغوطِ التَضَخُّمِيِّةِ والتحدّيات المالية. وتسعى الحكومة، بدعمٍ من المُؤسَّساتِ المالية الدولية، إلى تحقيق استقرار العُمْلَةِ، وتحفيز الاستثمار، ما يعكس مَسارًا مُتَوازِنًا بين الإصلاح الهَيْكَلِيّ ومرونة السوق المحلّية.
مِنَ العراق إلى شمال أفريقيا
من المُتَوَقَّعِ أن يصل النّاتج المحلي الإجمالي للعراق والجزائر إلى نحو 285 مليار دولار لكلّ منهما عام 2026، بِفَضْلِ تصدير النَّفط والغاز. ويعتمد اقتصاد البَلَدَيْنِ على صَادِرَاتِ الطاقة، ما يَجْعَلُهُما تحت رحمة الأسواق والأسعار الدولية، التي تَرْتَفِعُ زَمَنَ الحروب، وَتَنْخَفِضُ زَمَنَ الرَّخاء. وتُعَدُّ الجزائر من أكبر اقتصادات شَمالِ أفريقيا، على الرَّغم من التحدّيات المُرْتَبِطَةِ بتحديث الاقتصاد، وتقليلِ الاعتماد على الطاقة الأُحْفوريَّة. يُتوقع أن يُحقّقَ النّاتجُ المحليّ الإجماليّ اسْتِقْرارًا نِسْبِيًّا، مدعومًا بالإصلاحاتِ الماليةِ وبرامجِ الاستثمار في البِنْيَةِ التَّحْتِيَّة. وَبِفَضْلِ إنتاجه الكبير من الطاقات الأحفورية، يحتفظ العراق بنفوذٍ إقليميٍّ، لكنّه بحاجةٍ إلى تحديث النَّموذَجِ الاقتصادي، وتجاوز مراحل الحروب الداخلية، وإطلاق برامج إعادة الإعمار.
تُعْتَبَرُ قطر سادِسَ اقتصادٍ عربيّ بناتجٍ محليٍّ إجماليٍّ قد يَبْلُغُ 239 مليار دولار عام 2026، مَدْفوعًا بتوسيع قُدُراتِها في الغاز الطبيعي المُسالِ (LNG) واستثماراتٍ كبيرةٍ في البِنْيَةِ التّحْتِيّة. كما تُسجّلُ قطر أعلى مستويات نَصيبِ الفرد من النّاتجِ المحلّيّ الإجماليّ عالَمِيًّا يَصِلُ إلى 70 ألف دولار للفرد، ما يجعلها من الدول القليلة، التي تعيش الرَّفاهَ الاقتصادي، بفضل مداخيل النفط المرتفعة، وَاحْتِياطِيّاتِ الغاز.
المغرب: رِهانُ التّصْنيع
يُعَدُّ المغرب سابع اقتصادٍ عربيّ، والأكثر تَنَوُّعًا في المداخيل، على الرَّغم من عدم تَوَفُّرِهِ على النفط والغاز، بل يعتمد على صادِراتِ السَيّاراتِ وَالطّائِراتِ، ما يَجْعَلُهُ بَلَدًا في طريق التصنيع، مُسْتَفيدًا من بِنْيَةٍ تَحْتِيَّةٍ قَوِيَّةٍ وَعَصْرِيَّةٍ، إضافةً إلى السياحةِ والفوسفاتِ والطاقات المُتَجَدِّدَةِ، والزراعةِ والصيدِ البحريّ.
كُلّما خَفَّت الصراعات واتّسع التعاون الإقليمي زادت حظوظ الاستفادة من النظام العالمي الجديد
وتوقّع صندوق النقد أن يَصِلَ النّاتجُ المحليّ الإجماليّ في المغرب إلى أكثر من 196 مليار دولار، خاصّةً مع المشاريعِ المرتبطةِ بِكَأْسِ العالم 2030. وتلعب الرَّباطُ دورًا في اقتصادات شمال وغرب أفريقيا، بفضل تَوسُّعِ استثماراتها داخل القارّة، وتَطَوُّرِ النظام المَصْرِفِيّ، وشَبَكَةِ الاتصالاتِ والمُواصَلات.
الكويت وعُمان: تَعافي الإنتاج النفطي
يُتَوَقَّعُ أن يحقّق الاقتصادُ الكوَيْتِيّ ناتجًا إجماليًا يقدّر بـ 163 مليار دولار عام 2026، مَدْعومًا بالقطاع غير النَّفْطِيّ وتخفيف قيود الإنتاج تدريجيّا. وَيَتَسارَعُ النموّ في سلطنة عُمان ليصل النّاتج المحليّ الإجماليّ إلى أكثر من 109 مليارات دولارٍ، بدعمٍ من تعافي الإنتاج النفطي والنموّ القوي في القطاعات غير الهيدْروكَرْبونِيَّة.
النَّفط والتنويع
تَظَلُّ آفاقُ الاقتصاد العربي مرتبطةً بأسعار الطاقةِ، وَاسْتْراتيجيّاتِ التَّنْويعِ غير النَّفْطِيِّ، وكلّما خَفَّتِ الصراعاتُ وَتَوقّفَتِ الحروب، واتّسع التَّعاوُنُ الإقليميّ، زادت حظوظ الاستفادة من النظامِ العالميّ الجديدِ، خاصّةً أنَّ المنطقة ضيّعت أَرْبَعَةَ عقودٍ من غياب التَّنْميَةِ، وفق البنك الدولي.
(خاص "عروبة 22")

