على الرَّغْمِ مِنَ الأَهَمِّيَّةِ الكُبْرى لِلتَّكامُلِ الاقْتِصادِيِّ العَرَبِيِّ الجامِعِ، إِلّا أَنَّهُ تَقَدَّمَ بِشَكْلٍ بَطيءٍ وَلَمْ يَسْتَفِدْ جِدِّيًّا مِنْ تِلْكَ الدِّراساتِ. وَحَتَّى الآنَ وَعلى الرَّغْمِ مِنْ وُجودِ مِنْطَقَةِ التِّجارَةِ الحُرَّةِ العَرَبِيَّةِ، ما زالَتِ التِّجارَةُ العَرَبِيَّةُ البَيْنِيَّةُ تُشَكِّلُ 10.9% مِنْ إِجْمالِيِّ التِّجارَةِ الخارِجِيَّةِ العَرَبِيَّة.
وَيَعودُ ذَلِكَ لِجُمودِ هَياكِلِ الإنْتاجِ بِصورَةٍ تُقَيِّدُ التَّبادُلَ وَالتَّعاوُنَ، وَلِتَعْقيداتِ التَّعاوُنِ الجَماعِيِّ بَيْنَ دُوَلٍ مُتَفاوِتَةٍ بِشَكْلٍ هائِلٍ فِي مُسْتَوَياتِ تَقَدُّمِها الاقْتِصادِيِّ، وَلِآفَةِ المَيْلِ لِاحْتِكَارِ هَيْكَلِ القُوَّةِ الاقْتِصادِيَّةِ في الإقْليمِ العَرَبِيِّ وَالتي تُعَرْقِلُ تَمَدُّدَ وَتَوَسُّعَ التَّكامُلِ الاقْتِصادِيِّ العَرَبِيّ.
التكامل الاقتصادي الثنائي أو الثلاثي العميق والكثيف يمكنه أن يخلق قلبًا قادرًا على جذب الدول الأخرى للانضمام إليه
هذا الواقِعُ يَفْتَحُ الطَّريقَ لاِعْتِمادِ أَنْماطِ التَّكامُلِ الاقْتِصادِيِّ الثُّنائيِّ أَوِ الثُّلاثيِّ العَميقِ وَالكَثيفِ وَالذي يَتَضَمَّنُ تَحْريرًا كامِلًا لِلتِّجارَةِ السِّلَعِيَّةِ وَالخِدْمِيَّةِ وَتَوْحيدَ الرُّسومِ الجُمْرُكِيَّةِ وَتَنْسيقَ الاسْتِثْماراتِ التَّكامُلِيَّةِ وَتَحْريرَ حَرَكَةِ عَناصِرِ الإنْتاجِ وَتَنْسيقَ التَّكامُلِ القِطاعِيِّ بِمُشارَكَةِ اتِّحاداتِ الغُرَفِ التِّجارِيَّةِ وَالصِّناعِيَّةِ، بَيْنَ أَكْثَرِ الاقْتِصاداتِ تَوافُقًا في مَوارِدِها الطَّبيعيَّةِ وَالمالِيَّةِ وَعَناصِرِ إِنْتاجِها وَقَوائِمِ تِجارَتِها السِّلَعِيَّةِ وَالخِدْمِيَّة. وَهَذا النَّموذَجُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْلُقَ قَلْبًا قادِرًا على جَذْبِ الدُّوَلِ الأُخْرى للانْضِمامِ إِلَيْهِ إِذا حَقَّقَ نَجاحًا مُلْهِمًا.
قَزَمِيَّةُ الصِّناعاتِ التَّحْويليَّةِ تُرَجِّحُ التَّعاوُنَ الاسْتِثْماريَّ قَبْلَ التِّجاري
يُعَدُّ قِطاعُ الصِّناعَةِ التَّحْويليَّةِ المُحَرِّكَ الرَّئيس لِلتِّجارَةِ السِّلَعِيَّةِ العالَمِيَّة، حَيْثُ تُشَكِّلُ السِّلَعُ الصِّنَاعِيَّةُ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثَيِ الصّادِراتِ العالَميَّةِ مِنْ دونِ حِسابِ الصِّناعاتِ الاسْتِخْراجِيَّة. لَكِنَّ ذَلِكَ الْقِطاعَ يُعَدُّ قَزَمًا فِي البُلْدانِ العَرَبِيَّةِ حَيْثُ بَلَغَ إِجْمالِيُّ النّاتِجِ العَرَبِيِّ مِنْهُ نَحْوَ 418.5 مِلْيارِ دولارٍ، بِما يُوازي نَحْوَ 11.7% فَقَطْ مِنَ النّاتِجِ المَحَلِّيِّ الإجْمالِيِّ العَرَبِيِّ عامَ 2022. كَما أَنَّ غالِبِيَّتَها بَعيدَةٌ عَنِ الصِّناعاتِ عالِيَةِ التِّقْنِيَةِ وَعَنْ مُسْتَجِدّاتِ الذَّكاءِ الاصْطِناعِيِّ الفارِقِ فِي التَّطَوُّر.
وَتَرْتيبًا على ذَلِكَ، فَإِنَّ هُناكَ قَيْدًا كَبيرًا على تَوَسُّعِ التِّجارَةِ السِّلَعِيَّةِ العَرَبِيَّةِ - العَرَبِيَّةِ، بِما يُعْطي الأوْلَوِيَّةَ لِلتَّعاوُنِ الاسْتِثْمارِيِّ لِإِنْشاءِ صِناعاتٍ تَحْويلِيَّةٍ تَكامُلِيَّةٍ جَديدَةٍ وَمُتَطَوِّرَةٍ، يُمْكِنُ أَنْ تَكونَ مُنْتَجاتُهَا مَوْضوعًا لِلتَّبادُلِ التِّجارِيِّ بَيْنَ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ، وَهُوَ ما يَتَطَلَّبُ وَضْعَ خُطَّةٍ اسْتِثْمارِيَّةٍ فِي البُلْدانِ العَرَبِيَّةِ كُلِّها أَوْ بَعْضِها لِتَحْقيقِ دَفْعَةٍ قَوِيَّةٍ لِاقْتِصاداتِهَا وَتَنْويعِ هَياكِلِها بِصورَةٍ مُنَظَّمَة.
اسْتِثْماراتُ الصَّناديقِ السِّيادِيَّةِ الخَليجيَّة 5 تريليوناتِ دولارٍ وَالتَّعَهُّداتِ لِترامْب 3.6 تريليونات
يَتَطَلَّبُ التَّعاوُنُ الاسْتِثْمارِيُّ لِبِناءِ مَشْروعاتٍ جَديدَة، إِرادَةً تَكامُلِيَّةً حَقيقيَّةً وَمُنَظَّمَةً، وَلَيْسَ مُبادَراتٍ عَشْوائِيَّة. وَقَدْ بَلَغَتِ الاسْتِثْماراتُ العَرَبِيَّةُ المُباشِرَةُ في الخَارِجِ 590 مِلْيارَ دولارٍ عامَ 2023، بَيْنَما بَلَغَتْ اسْتِثْماراتُ الحافِظَةِ في الأسْهُمِ وَالسَّنَداتِ وَالأوْراقِ المالِيَّةِ أَضْعافَ هَذا الرَّقْم. وَبَلَغَتْ قيمَةُ الأُصولِ الخارِجِيَّةِ لِلصَّناديقِ السِّيادِيَّةِ الخَليجيَّةِ المُنْتَمِيَةِ بِالْأَساسِ لِلسَّعودِيَّةِ وَالإماراتِ وَالكُوَيْتِ وَقَطَرَ، أَكْثَرَ مِنْ 5 تْريلْيوناتِ دولارٍ فِي أُكْتوبَر/تِشْرينَ الأَوَّلِ الْمَاضِي، حَسَبَ مُؤَسَّسَةِ "غْلوبالْ إِسْ دَبْليُو إِفْ".
ضَخُّ عُشْر تلك الأموال أو حتى فوائدها السنوية في مجموع الاقتصادات العربية يُغيّر وجه الاقتصاد العربي
وَسَوْفَ تَرْتَفِعُ تِلْكَ الاسْتِثْماراتُ بِشَكْلٍ سَريعٍ في ظِلِّ تَعَهُّداتِ السَّعُودِيَّةِ وَالإماراتِ وَقَطَرَ بِالتَّرْتيبِ لِلرَّئيسِ الأَميرْكِيِّ دونالدِ تْرامْب بِضَخِّ اسْتِثْماراتٍ جَديدَةٍ بِقِيمَةِ تْريلْيونِ دُولَارٍ، وَ1.4 تْريلْيونٍ، وَ1.2 تْريلْيون.
وَلَوْ تَمَّ ضَخُّ عُشْرِ تِلْكَ الأَمْوالِ أَوْ حَتَّى فَوائِدِها السَّنَويَّةِ فِي مَجْموعِ الاقْتِصاداتِ العَرَبِيَّةِ المُسْتَقْبِلَةِ لِلاسْتِثْماراتِ على قاعِدَةِ تَبادُلِ المَنافِعِ وَبِصورَةٍ تَكامُلِيَّةٍ تُلَبِي احْتِياجاتِ الأَسْواقِ العَرَبِيَّةِ، لَتَغَيَّرَ وَجْهُ الاقْتِصادِ العَرَبِيِّ وَإِمْكانياتُهُ وَقُدْراتُهُ على إِنْتاجِ السِّلَعِ وَالخَدَماتِ، بِما يُضاعِفُ فُرَصَ وَقيمَةَ التِّجارَةِ بَيْنَ دُوَلِه.
مَنْ هِيَ الدُّوَلُ المُرَشَّحَةُ لِلتَّكامُلاتِ الثُّنائِيَّةِ أَوِ الثُّلاثِيَّة؟
بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مُسْتَوَى وَطَبيعَةِ العَلاقاتِ السِّياسِيَّةِ، فَإِنَّ الدُّوَلَ الأَكْثَرَ تَوافُقًا في إِمْكانياتِها وَعَناصِرِ إِنْتاجِها وَمَوارِدِها هِيَ مِصْرُ وَالسَّعُودِيَّةُ اللَّتانِ تَمْلِكانِ أَكْبَرَ اقْتِصادَيْنِ في المِنْطَقَةِ العَرَبِيَّةِ وَفْقًا لِتَعادُلِ القُوَى الشِّرائِيَّةِ، وَهُما المُرَشَّحَتانِ لِتَكْوينِ القَلْبِ الاقْتِصادِيِّ لِلْمِنْطَقَةِ العَرَبِيَّةِ القادِرِ على جَذْبِ باقِي دُوَلِها لِتَكامُلٍ حَقيقيٍّ وَوَحْدَةٍ اقْتِصادِيَّةٍ لَوْ تَوَفَّرَتْ لَدَيْهِما الإِرادَةُ السِّياسِيَّةُ لِبِناءِ التَّكامُلِ وَالوَحْدَة.
الإرادة السياسية والعلاقات السياسية ووضع الأمن هي الأمور الحاكمة في بناء التكاملات الثنائية والثلاثية العميقة
وَكَذَلِكَ الأَمْرُ بِالنِّسْبَةِ لِمِصْرَ وَالْعِراقِ وَسورِيا وَرُبَّمَا ليبْيا عِنْدَما تَعودُ دَوْلَةً مُوَحَّدَةً وَآمِنَةً، وَتَتَكَرَّرُ عَناصِرُ التَّوافُقِ وَأُسُسُ التَّكامُلِ بَيْنَ السَّعودِيَّةِ وَسورِيا وَلُبْنانَ وَالسُّودانِ، وَكَذَلِكَ الأَمْرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَزائِرِ مَعَ كُلٍّ مِنْ تونِسَ وَالمَغْرِب. وَتَبْقَى الإِرادَةُ السِّياسِيَّةُ وَالعَلاقاتُ السِّياسِيَّةُ وَوَضْعُ الأَمْنِ، هِيَ الأُمُورَ الحاكِمَةَ فِي بِناءِ تِلْكَ التَّكامُلاتِ الثُّنائِيَّةِ وَالثُّلاثِيَّةِ العَميقَةِ وَالتي تَتَوَفَّرُ لَها كُلُّ إِمْكانياتِ النَّجاحِ اقْتِصادِيًّا، خاصَّةً لَوْ تَمَّ إِشْراكُ أَطْرافٍ دَوْلِيَّةٍ أَكْثَرَ تَقَدُّمًا وَعَدالَةً فِيها.
تَعْريبُ سوقِ العَمَلِ لِتَوْجيهِ التَّحْويلاتِ لِلدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ وَتَطْويرُ البَرامِجِ السِّياحِيَّةِ المُشْتَرَكَة
تُوجَدُ إِمْكانياتٌ هائِلَةٌ وَحاضِرَةٌ لِلتَّوَسُّعِ فِي التَّعاوُنِ التِّجارِيِّ فِي مَجالِ الخَدَماتِ وَبِخاصَّةٍ فِي مَجالِ السِّياحَةِ وَخَدَماتِ العِمالَةِ وَالنَّقْلِ وَالمَعْلومات. وَفِي مَجالِ خَدَماتِ العِمالَةِ، يُشيرُ تَقْريرُ الهِجْرَةِ الدَّوْلِيَّةِ إلى أَنَّ تَحْويلاتِ العِمالَةِ الأَجْنَبِيَّةِ مِنْ دُوَلِ الخَليجِ عامَ 2022 بَلَغَتْ نَحْوَ 39.4، وَ17.7، وَ12.3 مِلْيارَ دولارٍ مِنْ كُلٍّ مِنَ السَّعودِيَّةِ وَالكُوَيْتِ وَقَطَرَ بِالتَّرْتيبِ، بَيْنَما بَلَغَتْ قيمَةُ تَحْويلاتِ العِمالَةِ مِنَ الإماراتِ نَحْوَ 43.3 مِلْيارَ دولارٍ عامَ 2020. وَلَوْ تَمَّ بِناءُ تَوافُقٍ لِتَعْريبِ سوقِ العَمَلِ العَرَبِيَّةِ فِي الخَليجِ فَإِنَّ تِلْكَ التَّحْويلاتِ يُمْكِنُ أَنْ تَتَوَجَّهَ إلى دُوَلٍ عَرَبِيَّةٍ مُصَدِّرَةٍ لِخَدَماتِ العِمالَةِ مِثْلِ مِصْرَ وَسورِيا وَلُبْنانَ وَالأُرْدُنِّ وَفِلَسْطينَ وَالسُّودانِ وَاليَمَنِ، بَدَلًا مِنْ تَوَجُّهِ غالِبِيَّتِها إلى الهِنْدِ وَباكِسْتانَ وَبَنْغْلاديش، عِلْمًا أَنَّ غالِبِيَّةَ العِمالَةِ في دُوَلِ المَغْرِبِ العَرَبِيِّ تُفَضِّلُ التَّوَجُّهَ إِلى أوروبا وَلَيْسَ إلى الخَليج.
أَمَا بِالنِّسْبَةِ لِقِطاعِ السِّياحَةِ فَمِنَ الضَّروريِّ تَصْميمُ بَرامِجَ سِياحِيَّةٍ ثُنائِيَّةٍ أَوْ جَماعِيَّةٍ تَشْمَلُ دُوَلًا عَرَبِيَّةً مُصَدِّرَةً لِخَدَماتِ السِّياحَةِ مِثْلِ مِصْرَ وَلُبْنانَ وَالأُرْدُنِّ وَمَعَها السَّعودِيَّةُ بَعْدَ اِنْفِتاحِها مُؤَخَّرًا، وَرُبَّما سورِيا وَالعِراقُ أَيْضًا عِنْدَما تَكونُ الأَوْضاعُ الأَمْنِيَّةُ فِيهِما أَكْثَرَ اسْتِقْرارا. وَفِي المَغْرِبِ العَرَبِيِّ، يُمْكِنُ تَطْويرُ بَرامِجَ سِياحِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ تونِسَ وَالجَزائِرِ، وَرُبَّمَا ليبْيا عِنْدَما تَسْتَقِرُّ أَمْنِيًّا، وَالمَغْرِبِ بِالطَّبْعِ عِنْدَما يَنْتَهِي الخِلافُ السِّياسِيُّ الحادُّ مَعَ الجَزائِر. وَميزَةُ هَذِهِ البَرامِجِ المُشْتَرَكَةِ أَنَّها تُساهِمُ في تَنْشيطِ السِّياحَةِ في الدُّوَلِ المَشْمولَةِ في تلكَ البَرامِجِ بِناءً على مُجْمَلِ الإمْكانياتِ الخاصَّةِ بِسِياحَةِ المُنْتَجَعاتِ وَالسِّياحَةِ الأَثَرِيَّةِ وَالثَّقافِيَّةِ وَالبِيئِيَّةِ التي تَمْلِكُها كُلٌّ مِنْها.
(خاص "عروبة 22")

