صحافة

"المشهد اليوم".. عامٌ على فرارِ الأسد وسوريا بَيْنَ تحدّياتِ الداخلِ والخارج!مخاوفُ مِن مُخَططٍ لتهجيرِ فلسطينيي غَزَّة.. ومصر تدعو لحلولٍ نوويةٍ "ديبلوماسيةٍ" مع إيران


احتفالات في دمشق بمناسبة مرور عام على بدء معركة "ردع العدوان" للإطاحة بالأسد (أ.ف.ب)

يعيش السوريون تبعات رحيل النظام البعثي الذي امتد 54 عامًا، من حافظ إلى بشار الأسد، محاولين استعادة زمام الأمور وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية بعد 14 عامًا من الحرب الدموية التي أعادت البلاد سنوات طويلة إلى الوراء وشرّدت الشعب ودمرت معظم المناطق كما القطاعات الاقتصادية والتنموية والانتاجية. وقد حققت سوريا، بعد عام من عملية "ردع العدوان" وإسقاط النظام وفرار بشار الأسد إلى موسكو، الكثير من الخطوات الجبارة من فك العزلة الدولية والرفع الجزئي للعقوبات وعودة معظم العلاقات الدبلوماسية وترميم بعضها لفتح صفحة جديدة تتماشى مع أهداف الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع.

ومع ذلك لا تزال هناك الكثير من العقبات والمعضلات، داخلية منها وخارجية، تشكل "حجرة عثرة" في محاولات استتاب الأمن واستعادة كامل السيطرة نتيجة وجود "أجندات" سياسية ومصالح تتعارك وتصفي حساباتها على الأراضي السورية، ناهيك عن التمدّد المستمر للاحتلال الاسرائيلي والانتهاكات اليومية لسيادة البلاد وتوسيع المنطقة العازلة وفرض "شروط" تحول ضمن التوصل لاتفاق أمني تدعمه وتحرص واشنطن على بلورته ووضع الأسس له والدفع نحوه. وفي هذا الإطار، أكد المبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك أن الاتفاق بين دمشق وتل أبيب يشكّل جزءًا أساسيًا من الحل في المرحلة المقبلة، موضحًا أن رأيه الشخصي يتقاطع مع رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو التوصل إلى اتفاق يبدأ باتفاقية أمن وحدود، ثم استخدام مناطق عازلة، وصولًا إلى التطبيع الكامل. وإذ لفت إلى أن الاتفاق يسير ببطء شديد، أوضح أن إسرائيل "لم تصل بعد إلى مرحلة الثقة" بالإدارة السورية الجديدة.

وتسعى حكومة الشرع إلى التوصل لاتفاق من أجل الحدّ من الخروقات ولكنها تتمسك بشروط واضحة ترفضها اسرائيل وأهمها التنازل عن المناطق التي سيطرت عليها بعد سقوط النظام السابق، في وقت يؤكد الإسرائيليون أن لا تنازل عن قمة جبل الشيخ نظرًا لم تمثله من موقع استراتيجي مهم في إطار ما تدعي أنه لحماية أمنها وذلك عقب أحداث 7 تشرين الاول/ أكتوبر 2023. هذا وشدّد الرئيس السوري على أن بلاده تسير في الاتجاه الصحيح وتحولت من منطقة مصدّرة للأزمات إلى نموذج للاستقرار، واتهم إسرائيل بتصدير الأزمات، مؤكدًا أن العالم يؤيد بلاده في مطالبتها بانسحاب إسرائيل من الأراضي السورية التي احتلتها. وأوضح الشرع، خلال مشاركته في إحدى جلسات منتدى الدوحة، أن تل أبيب شنّت على دمشق، خلال العام الماضي ألف غارة، ونفذت 400 توغل، داعيًا، في الوقت نفسه، إلى احترام اتفاق عام 1974. كما قال إن سوريا ليست جاهزة حاليًا لإجراء انتخابات رئاسية، لافتًا إلى أن الإعلان الدستوري المؤقت منح الرئيس الحالي صلاحية الاستمرار لمدة 5 سنوات، يتبقى منها 4 سنوات قبل إجراء الانتخابات.

في غضون ذلك، شهدت بلدة بيت جن في ريف دمشق الجنوبي، أمس السبت، وقفة شعبية غاضبة نظّمها مواطنون قدموا من مختلف المحافظات السورية، للتنديد بالانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة والمتكررة وللتضامن مع أهالي البلدة التي تعرضت قبل أيام لمجزرة ذهب ضحيتها ما يُقارب 13 شخصًا، بينهم أطفال، وأثارت العديد من المواقف المستهجنة والمنددّة، إلا أن اسرائيل لا تهتم لكل الدعوات والتصريحات وتواصل تصعيدها الميداني، حيث جدّد جيش الاحتلال توغله في محيط بيت جن وأطلق النار لترهيب الرعاة، في انتهاك جديد للسيادة السورية، وفق وكالة الأنباء السورية (سانا). أما على صعيد الخلافات الداخلية، فقد عُقد لقاء جمع بين مدير الأمن العام بمحافظة السويداء المقدم سليمان عبد الباقي والمسؤول في وزارة الخارجية الأميركية في عَمان المكلف بمتابعة ملف الجنوب السوري تايلر جونيور، حيث جرى التطرق إلى "آخر التطورات في السويداء"، وسط تأكيد الجانب الأميركي أن بلاده تدعم الاستقرار في المنطقة ووحدة الأراضي السورية ورفضها لأي مشروع انفصالي.

وبينما تدعم الولايات المتحدة الإدارة السورية الجديدة وتضغط من أجل ترتيب الأوضاع مع تل أبيب من جهة وبينها وبين المكونات السورية من جهة أخرى، وعلى رأسهم الدروز كما المفاوضات مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، فإنها تتخذ مسارًا مشابهًا في لبنان، على سبيل المثال، وذلك من خلال تشديد الضغوط على الحكومة من أجل سحب سلاح "حزب الله" وحصره بيد الدولة وفرض سيطرتها على كامل أراضيها، وذلك بهدف دفع المفاوضات بين لبنان واسرائيل، والتي أخذت الاسبوع الحالي منعطفًا جديدًا بعد تطعيم اللجنة المعنية بالمباحثات بشخصية "مدنية" في محاولة لبنان الحدّ من الاعتداءات الاسرائيلية. وأمس، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية موافقتها على صفقة بيع عسكرية محتملة إلى لبنان تشمل مركبات تكتيكية إلى جانب معدات وخدمات لوجستية، بتكلفة تقديرية تبلغ 90.5 مليون دولار.

وهذه "الصفقة" تأتي ضمن مساعي واشنطن تعزيز قدرات الجيش اللبناني على مواجهة التهديدات الأمنية الحالية والمستقبلية، ما في ذلك التصدي للهجمات على محيط المنشآت وتطبيق إجراءات مكافحة الإرهاب، بحسب ما أوضحت وزارة الخارجية الأميركية. وتوظف الحكومة الحالية كل علاقاتها الدبلوماسية بهدف الضغط على اسرائيل لوقف خروقاتها لاتفاق وقف النار المُبرم في تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي، وهو ما تناوله رئيس مجلس الوزراء نواف سلام خلال اللقاءات التي عقدها في الدوحة، وعلى رأسهم اللقاء الذي جمعه بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إذ شدّد سلام على ضرورة تكثيف الحشد الدبلوماسي للضغط على تل أبيب من أجل وقف اعتداءاتها والانسحاب من المناطق التي ما زالت تحتلّها، داعيًا دولة قطر إلى مواصلة دورها الحيوي في دعم هذا المسعى وتعزيز الجهود الدولية الرامية إلى ترسيخ الاستقرار في الجنوب.

الاولوية التي تسعى إليها بيروت من خلال دفع اسرائيل للالتزام بإتفاق وقف النار هي نفسها تحتل صدارة الاولويات جراء ما يجري في قطاع غزة من مواصلة الإحتلال تعدياته وانتهاكاته. وشهدت عدة مناطق تصعيدًا عسكريًا، حيث شنّت مقاتلات الاحتلال سلسلة من الغارات العنيفة ما أدى إلى استشهاد 8 فلسطنيين. بدورها، شددت 8 دول عربية وإسلامية (وهي قطر والسعودية والأردن ومصر والإمارات وتركيا وإندونيسيا وباكستان) على ضرورة تنفيذ بنود خطة الرئيس دونالد ترامب دون تعطيل، بما في ذلك فتح معبر رفح في الاتجاهين وسط رفض أي محاولة لتهجير سكان القطاع إلى خارج حدود غزة، كما طالبوا بتثبيت وقف إطلاق النار وتسهيل دخول المساعدات. في الأثناء، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" - عن مصدر لم تسمه - أن الإدارة الأميركية تمارس "ضغوطًا كبيرة" بشأن الانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق "قريبًا"، وحتى قبل استعادة جثة آخر أسير إسرائيلي في القطاع.

يأتي ذلك في وقت دعا فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى وقف محاولات إسرائيل لتقويض حل الدولتين. وقال، خلال اتصال هاتفي تلقاه من المستشار الألماني فريدريش ميرتس، إن "الأولوية الآن هي تنفيذ خطة الرئيس ترامب من أجل وقف الحرب ووقف نزيف الدم، وتخفيف معاناة شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، ومنع التهجير القسري"، معتبرًا أن الخطوة التالية يجب أن تتمثل في تطبيق المرحلة الثانية من الخطة "والتي تقوم على تسليم سلاح "حماس" والفصائل للدولة الفلسطينية، وانسحاب إسرائيل الكامل من قطاع غزة، بما يفتح الطريق أمام دخول اللجنة الإدارية الفلسطينية والشرطة الفلسطينية، ونشر قوة الاستقرار الأولية، والانطلاق في عملية إعادة الإعمار بشكل منظَّم وفعَّال". وأكد عباس التزام فلسطين بالاعتراف بدولة إسرائيل، والالتزام بحل الدولتين "لتعيش دولة فلسطين المستقلة إلى جانب دولة إسرائيل في أمن وسلام".

من ناحية أخرى، أعلن رئيس "حماس" في غزة خليل الحية أن الحركة مستعدة لتسليم سلاحها لـ"الدولة" التي ستدير القطاع مستقبلًا، ولكنه ربط ذلك بانتهاء الاحتلال الإسرائيلي. وقال "سلاحنا مرتبط بوجود الاحتلال والعدوان، وإذا انتهى الاحتلال فسيؤول هذا السلاح إلى الدولة". وموضوع سلاح "حماس" لا يزال يشكل عقبة اساسية بظل الاختلاف الحاد في وجهات النظر، إلى جانب ملفات شائكة أخرى منها تشكيل القوة الدولية التي ترفض العديد من الدول المشاركة ضمن عديدها نظرًا للأوضاع الأمنية غير المستقرة. أما على المقلب الأخر، فالأوضاع في الضفة الغربية تسير نحو سياق أكثر عنفًا ووحشية، حيث نفذ المستوطنون سلسلة هجمات استهدفت مناطق متعددة بالضفة ترافقت مع اقتحامات لجيش الاحتلال. وبموازاة ذلك، أصيب 3 فلسطينيين بجروح جراء تعرضهم للضرب على يد الاحتلال قرب أريحا، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، التي ذكرت أيضًا أن قوات الاحتلال المنتشرة وسط الخليل أطلقت الرصاص على مركبة يستقلها مواطنون بمنطقة باب الزاوية، ومنعت مركبات الإسعاف من الوصول إليها ما أسفر عن استشهاد شخصين.

في الشؤون الأخرى، نقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن وزير الخارجية عباس عراقجي قوله إن إحياء المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة يعتمد على نهج الإدارة الأميركية، مجددًا استعداد بلاده لاستئناف المفاوضات حول برنامج طهران النووي. من جهتها، دعت مصر إلى "حلول دبلوماسية" للملف النووي الإيراني، وذلك خلال اتصال هاتفي جرى بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي. أما في السودان، فالمجازر تتواصل وقد أكدت وزارة الخارجية، في بيان، أن قوات الدعم السريع ارتكبت "مذبحة مكتملة الأركان" في كلوقي بولاية جنوب كردفان ذهب ضحيتها أكثر من 114 شخصًا، بينهم أطفال، وعشرات الإصابات.

دوليًا، شهدت الساعات الأخيرة في أوكرانيا تطورات سياسية لافتة، تمثّلت في إعلان الرئيس فولوديمير زيلينسكي التوصل إلى تفاهمات جديدة مع واشنطن حول إطار المفاوضات المقبلة، في وقت بدت أوروبا أكثر تحفظًا تجاه المسار الأميركي المُتخذ، إذ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه سيتوجه غدًا، الاثنين، إلى لندن للقاء زيلينسكي ورئيسي وزراء بريطانيا كير ستارمر، وألمانيا فريدريش ميرتس، بهدف تقييم المفاوضات، مشددًا على أن روسيا تنخرط في نهج تصعيدي ولا تسعى إلى السلام، داعيًا إلى توفير ضمانات أمنية قوية لكييف، ومندّدًا بالضربات الليلية التي استهدفت منشآت للطاقة والسكك الحديدية.

التطورات والمستجدات هذه كانت محور اهتمام الصحف العربية الصادرة اليوم، الأحد، وهنا موجزٌ بأهم ما ورد في عناوينها وبين صفحاتها:

شدّدت صحيفة "الغد" الأردنية على أنه " ليس من مصلحة الأردن حدوث اقتتال داخلي في سورية، ولا اندلاع مواجهات عرقية أو مذهبية، ولا تعرض سورية للتقسيم أيضًا"، داعية "الدول العربية التي لها جوار مع سوريا، مثل الأردن ولبنان والعراق، والدول العربية التي لها تأثير إقليمي ودولي، والدول الإقليمية عليها أن تتحالف معًا لمنع أي انشقاقات في سورية، وإفشال أي تدخلات خارجية من أنصار النظام السابق، حتى لو كانت بحضانة روسية أو إسرائيلية، لأن الأزمة بقدر كونها سورية بحتة، إلا أن ارتدادها الإستراتيجي سيشمل المنطقة".

وتحت عنوان "ايران والسعودية.. هشاشة ثقة تحتاج الى مقاربات جادة"، كتبت صحيفة "الصباح" العراقية "زيارة المسؤول السعودي (وكيل الشؤون السياسية في وزارة الخارجية السعودية سعود بن محمد الساطي) تمثل خطوة ايجابية في مسار تطبيع العلاقات وتعزيز الثقة والعمل علی خفظ التصعيد والتوتر في المنطقة". وقالت "إن تعزيز الثقة التي تعتبر العائق المهم أمام تطوير العلاقات يمكنه معالجة عديد التحديات الهيكلية، التي تواجه البلدين كالخلاف الأيديولوجي والطائفي، مع اتهامات متبادلة ما زالت قائمة بالتدخل في الشؤون الداخلية، إضافة إلی الملف النووي الإيراني".

من جانبها، أشارت صحيفة "الأهرام" المصرية إلى "ثبات الموقف المصري الرافض لسياسة الأمر الواقع، والقادر على التعامل مع الضغوط التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية على القاهرة للتهرب من تنفيذ اتفاق شرم الشيخ للسلام بعد استعادة الأسرى الأحياء ورفات الموتى، وعدم الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية، لاسيما في ظل استمرارها لاختراق بنود الاتفاق". وأردفت "لا يمكن أن يتحقق ذلك دون تثبيت وقف إطلاق النار بشكل كامل، ووضع حد لمعاناة المدنيين، ودخول المساعدات الإنسانية، والشروع في جهود التعافي المبكر وإعادة الإعمار، عبر رئاسة مصرية أمريكية في أقرب وقت ممكن".

صحيفة "عكاظ" السعودية تحدثت عن بروز "محاولات بعض الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الدفع باتجاه تشكيل موجة من الاضطرابات "المهندسة" داخل السعودية، عبر استثمار شبكات وظيفية ومجموعات تعمل بالوكالة؛ بهدف إعادة صياغة المشهد الإقليمي بما يتوافق مع الرهانات التي نشأت في ظل اتفاقيات إبراهيم وما تفرع عنها من مشاريع وتصورات سياسية وأمنية"، معتبرة ان "هذه التحركات ليست نتاج فراغ، بل تأتي ضمن تصور يرى أن التأثير على الدول القوية لا يتحقق عن طريق المواجهة، بل عبر استهداف الثقة الداخلية، وخلق طبقات من الشك، وتضخيم الخلافات الطبيعية، وتحويلها إلى صور أكبر من حجمها".

(رصد "عروبة 22")
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن