صحافة

لبنان بين استحالة الضم وضرورات الحياد

خليل حسين

المشاركة
لبنان بين استحالة الضم وضرورات الحياد

قبع لبنان تحت ضغط هائل من التهديدات، المعلنة والمضمرة، وفي مختلف الأحوال هو مهدّد بمخاطر وجودية، تارة باجتياحات عسكرية إسرائيلية، وتارة أخرى بمشاريع ومقترحات، تخبو حيناً وتظهر حيناً آخر، بحسب مصالح الأطراف، الراعية والداعمة، لتلك المشاريع. آخر ما ظهر من تصريحات يمكن الوقوف عندها بجدية، ما صرح به المبعوث الأمريكي إلى سوريا ولبنان، توم برّاك، حول وجوب ضم لبنان إلى سوريا، على قاعدة ما لهما من مظاهر حضارية وثقافية مشتركة، وهي مفردة سياسية لطالما ظهرت في تاريخ العلاقة بين البلدين اللذين يتقاسمان وجوهاً متقاربة، كما وجوهاً متباينة، علاوة على استغلال هذه المفردات من مختلف الأطراف اللبنانية والخارجية، على حد سواء، مع تبادل واضح في الأدوار والخلفيات المتصلة بها.

ولبنان الذي ضُمت إليه أربعة أقضية سلخت سابقاً من بلاد الشام التي أصبحت فيما بعد سوريا، ظل يعاني تلك الإضافة التي لم يرض بها المسلمون بسهولة، ويسجل في هذا الشأن الدور الريادي الذي لعبته الحركة الوطنية في سوريا، في عام 1936، بإقناع المسلمين بقبول الانضمام إلى لبنان، والتخلي عن مشروع الوحدة مع سوريا، وحصل ذلك على مضض، إلى جانب ذلك، ظهرت، لمواجهة مشروعَي الاتحاد والفرز، مطالبة مسيحيي لبنان، آنذاك، بالحياد، ولطالما ظلت هذه المطالب تظهر بقوة في مشاريع الأحزاب والقوى اللبنانية في مختلف محطات التنازع، والاحتراب الداخلي.

وتبدو المفارقة اليوم، في حال تم المضي في ذلك المشروع، أي الضم، أن معظم اللبنانيين سيعارضون الالتحاق بسوريا، باستثناء قلّة قليلة لا تشكل رقماً وازناً، بخاصة ما ظهر من تنافر بين الشرائح الاجتماعية والسياسية الوافدة من سوريا إلى لبنان، إبّان الأزمة السورية، وما تركت من تداعيات سلبية مقلقة، وصلت إلى حدّ التصادم والتناحر، حتى على وسائل العيش والعمل، حتى بات الوجود السوري يشكل خطراً وجودياً، لا سيما وأن تعداد الوافدين تجاوز تعداد المواطنين اللبنانيين.

وبصرف النظر عن مستقبل الدولة السورية، ونظامها السياسي والدستوري، ثمّة سؤال يطرح: هل ثمّة إمكانات ناجعة للضم، أم لا؟ وما هي تداعيات ذلك على علاقة الشعبين، اللبناني والسوري، لا سيما وأن مظاهر التنافر باتت واضحة تماماً بين الطرفين. فحتى الآن لم يظهر نموذج واضح لطبيعة النظام الذي سيحكم سوريا، فهل ستبقى دولة موحدة؟ أم أنها ذاهبة إلى التقسيم كنظام كونفيدرالي؟

ربما الإشارة التي اطلقها برّاك لهذا المشروع المفترض، يعبّر عن مشاريع أخرى طُرحت سابقاً، لرسم خرائط سياسية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، وربما تبدو الأوضاع اليوم مشجعة على المضي في ذلك، بعد الزلزال السوري الذي خلط الأوراق في مجمل المنطقة، وأعاد رسم موازين قوى جديدة، استبعدت منه قوى شكلت محوراً، لكنها سرعان ما تهاوت في الحرب الإسرائيلية على غزة، ولبنان، وإيران.

لا شك في أن عملية الضم، إذا تمت عنوة، ستؤدي إلى شروخ سياسية اجتماعية ذات طابع نزاعي، وعليه، يتطلب الأمر مزيداً من الوعي في طريقة التدبّر للاعتراض، والبحث عن وسائل ممكنة تكون أقل كلفة بما هو قادم. ربما يشكل حياد لبنان في هذه المرحلة مساراً ممكناً، لتفادي الصراعات والنزاعات التي ستزيد الأمور تعقيداً، وفي الواقع، ثمّة متغيرات في الواقع السياسي اللبناني ظهرت، أخيراً، يوضح عدم اعتراض فئات واسعة من اللبنانيين على الحياد حتى من أولئك الذين رفضوا ذلك سابقاً، وعليه، فإن مفتاح الحلول موجود، إذا جرى تأمين الشروط الأخرى لإنجاح مشروع الحياد.

ثمّة صعوبات كثيرة تواجه مشروع الضم المشار إليه، كما أن هناك صعوبات ليست سهلة للتوصل إلى الحياد، إلّا أن ثمّة تجارب دولية مماثلة نجحت عندما كانت الإرادة متوفرة، كحياد كل من سويسرا، والنمسا، والسويد، وبولندا، وفنلندا، ودول البنلوكس الثلاث، في ظروف مشابهة، ومختلفة أحياناً، إلّا أن هذا الخيار ترك للشعوب والنظم العيش بسلام. يعيش الشرق الأوسط حالياً مخاضاً عسيراً، ملؤه الحروب والنزاعات على قضايا مختلفة، أولاها الموارد الاقتصادية، النفط والغاز، وغيرها، وجميعها مغلفة بالمسائل الدينية، والمذهبية، والإثنية. ثمة طبول حرب تقرع، وغيوم سوداء تغطي المنطقة بأكملها.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن