صحافة

قرار الأمم المتحدة حول فلسطين تاريخي

ناصر زيدان

المشاركة
قرار الأمم المتحدة حول فلسطين تاريخي

صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 ديسمبر/كانون الأول الحالي على قرار يؤكد حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، ويعتبر أن احتلال إسرائيل لأراضي فلسطينية غير قانوني، معتمداً على توصيف محكمة العدل الدولية التي طالبت إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها منذ عام 1967 وما بعده، بينما اعتبرت محكمة الجنايات الدولية الدائمة استهداف المدنيين الفلسطينيين جرائم حرب وإبادة، وطالبت بتوقيف عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين كونهم مسؤولين عن الجرائم المرتكبة.

للقرار الأممي هذه المرَّة أبعاد استثنائية واسعة، لأنه حصل على شبه إجماع دولي، بحيث صوتت لصالحه 164 دولة - بمن فيها 14 دولة عضو في مجلس الأمن - ولم تُعارضه سوى إسرائيل والولايات المتحدة والأرجنتين، ومعهم 5 دول صغيرة أقل حجماً وتأثيراً من الناحية الجيوسياسية والديمغرافية والاقتصادية.

وعملية التصويت لها أهميتها الاستراتيجية، لأنها ألقت الضوء على الترابط غير المفهوم بين الإدارة في واشنطن وحكومة تل أبيب اليمينية، وأظهرت الدولة الأعظم كأنها مُقيدة في سياستها تجاه المنطقة العربية، بما تراه إسرائيل، ونفي هذه الفرضية يعني عكس ذلك، وعندها تبدو الإدارة الأميركية كأنها مسؤولة عن الارتكابات التي تقوم بها إسرائيل، وهو ما تنفيه هذه الإدارة بطبيعة الحال.

وأبرز ما جاء في تفاصيل عملية التصويت على القرار؛ كان الإجماع الأوروبي على تأييده، وهي المرَّة الأولى منذ تأسيس الأمم المتحدة التي تُجمع فيها دول القارة قاطبةً على تأييد الحق الفلسطيني، وهذا يعني اقتناعاً كاملاً بالمظالم التي تُصيب الفلسطينيين، ويعني أيضاً؛ أن العلاقات الأوروبية- الأميركية ليست على ما يرام.

هناك تحوُّل واضح في مزاج الرأي العام الدولي تجاه الاعتراف بالحق الفلسطيني، وضد المظالم التي يتعرَّض لها الفلسطينيون. واللافت في هذا السياق تصويت بريطانيا تحديداً لصالح القرار، وهي المرَّة الأولى، وغالباً ما كانت تمتنع عن التصويت في مثل هذه الحالات، وذلك لأن بريطانيا تتحمَّل المسؤولية العظمى عن اغتصاب فلسطين، لأنها صاحبة وعد "بلفور" الذي أعطى الإذن للناشطين في الحركة الصهيونية بالعمل على إنشاء "الوطن القومي لليهود" على أراضي فلسطين.

صحيح أن واشنطن لا تعير اهتماماً كبيراً لمعارضي سياستها المنحازة إلى جانب إسرائيل، ولكن الانكشاف السياسي والمعنوي الذي أصابها من جراء هذا الوضوح في الموقف الدولي تجاه الحق الفلسطيني؛ يصيبها بخدوش معنوية وأخلاقية كبيرة، وهي تظهر حالياً حامية للعدوان، بينما هي تأسست على مبادئ العدل والإنصاف واحترام حقوق الإنسان. والاستراتيجية الأمنية الأمريكية التي أعلنتها واشنطن في 12/4/ 2025، لم تلحظ أي إشارة إلى حق الفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة على أرضهم، بينما كررت في أكثر من مكان في صفحات الاستراتيجية الجديدة كفالتها لأمن إسرائيل، وهو ما أثار الامتعاض لدى أصدقائها قبل الخصوم.

المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ ما يقارب 80 عاماً، يشكل وصمة عار على جبين المجتمع الدولي برمته، وقد ظهر هذا المجتمع بمنظماته الأممية، وبقواه المؤثرة؛ عاجزاً عن إحقاق الحق وفرض القانون الدولي على منتهكي مندرجات هذا القانون، وإسرائيل تتجاهل القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية منذ القرار رقم 194 تاريخ 12/11/ 1948 الذي أعطى الفلسطينيين حق العودة إلى بيوتهم وأراضيهم التي هُجروا منها إبان جريمة النكبة، مروراً بالقرار 242 للعام 1967 الذي طلب من إسرائيل الانسحاب من كل الأراضي المحتلة، وصولاً إلى القرار رقم 2803 تاريخ 11/17/ 2025 الذي طلب من إسرائيل الانسحاب من قطاع غزة.

قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذه المرحلة له أبعاد تاريخية، لكن العبرة دائماً في التطبيق، وإسرائيل تخرق القوانين الدولية، وتنتهك حقوق الفلسطينيين كل يوم، بينما المجتمع الدولي عاجز عن وضع حد لانتهاكاتها الصارخة للانتظام الدولي، وهو يتفرج على عملياتها الاستيطانية في الضفة الغربية، بينما هي تصادر الأراضي وتقوّض مكانة السلطة الفلسطينية التي انبثقت من اتفاق أوسلو وبرعاية دولية جامعة في عام 1993.

(الخليج الإماراتية)
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن