تتسارع الأحداث في منطقة الساحل منذ انقلاب النيجر الأخير، بشكل ينبِّئ بتحولات عميقة في هذه الرقعة الجغرافية الغارقة في أزمات سياسية وأمنية، لكن الثابت في هذا الوضع المستجد هو ترسيم القطيعة بين فرنسا والقادة الجدد لمستعمراتها القديمة.
وتتويجًا لمواقف وُصفت بالمناهضة للنفوذ الفرنسي، مثل وقف اتفاقيات التعاون العسكري وطرد الدبلوماسيين، أعلن القادة الجدد لمالي والنيجر وبوركينافاسو، قبل أيام، ميلادَ “تحالف دول الساحل”، بعد توقيعهم اتفاقا للدفاع المشترك من 17 بندا يهدف إلى إنشاء هيكل للدفاع المشترك والدعم المتبادل بين الأطراف الموقّعة عليه.
وينص أهم بند في الوثيقة على أن “أي اعتداء على سيادة ووحدة أراضي طرف متعاقد أو أكثر يعدّ عدوانا على الأطراف الأخرى يستوجب تقديم المساعدة، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لاستعادة الأمن وضمانه”.
وتعدّ هذه المادة من الاتفاق نسخة من البند الخامس لوثيقة تأسيس منظمة حلف شمال الأطلسي “ناتو”، والذي يعدّ أي اعتداء على عضو منه استهدافا للتحالف بأكمله.
وتعكس هذه المادة سياقا سياسيا متأزما ساهم في ظهور هذا التحالف، وهو تهديد دول مجموعة غرب إفريقيا (إيكواس) بالتدخل عسكريا في النيجر بعد الانقلاب العسكري، وهي خطوة عارضها عضوان في المجموعة وهما مالي وبوركينافاسو، وذهبا إلى حد التأكيد على الوقوف إلى جانب المجلس العسكري في نيامي لصد أي هجوم.
وإلى جانب قضية تهديدات “إيكواس” بالتدخل في النيجر، فإن ميلاد هذا التحالف يعدّ رد فعل على اتساع نطاق النشاط الإرهابي بالمثلث الحدودي بين هذه الدول، وخلّف، خلال الأسابيع الأخيرة، عشرات القتلى من العسكريين وحتى المدنيين.
وأكد فوساينو واتارا، نائب رئيس لجنة الدفاع بالمجلس الانتقالي بمالي، أن هذا التحالف الجديد مفتوحٌ أمام دول المنطقة من أجل تأمين المنطقة والتفرُّغ للتنمية وكذا تشكيل اتحاد مستقل، بشكل يوحي أن هذا التكتل يسعى إلى قبر ما يُسمى تحالف مجموعة الساحل المدعوم فرنسيا والذي تأسّس عام 2014 ويضم في عضويته الدول الثلاث.
ومن السابق لأوانه الحكم على مصير هذا التكتل العسكري الجديد، لكن الأكيد أن تشكيله يعد تحولا كبيرا في المنطقة، فهذه هي المرة الأولى التي تقرر دول في الساحل الإفريقي الاعتماد على قدراتها الذاتية في مواجهة النشاط الإرهابي، رغم ما يتم تداوله حول دور روسي خفي في تجسيد المشروع.
وظلّت المقاربة الجزائرية بشأن أزمات منطقة الساحل ترتكز على “إيجاد حلول إفريقية للإفريقيين”، أي رفض الانخراط في أي تحالف عسكري لمكافحة الإرهاب تدعمه أو تقوده قوى من خارج المنطقة، على غرار تحالف مجموعة الساحل.
وتجسيدًا لهذه المقاربة، اقترحت الجزائر إطارًا للتنسيق بين دول المنطقة لمواجهة التحدّيات الأمنية يتمثل في لجنة الأركان العملياتية المشتركة التي تم تأسيسها عام 2010 ومقر قيادتها بتمنراست، وحافظت اللجنة على الحد الأدنى من التنسيق الأمني بين جيوش المنطقة، لكن التدخلات الفرنسية في المنطقة شتّتت جهود هذه الدول في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
("الشروق") الجزائرية