الثوابت السعودية

ثمة ثوابت لا تحيد عنها بلادنا مهما تغيرت الظروف الدولية، لأنها تمثل المبادئ الأساسية للوطن، هذه الثوابت تشمل موقف المملكة من القضايا الرئيسة وأهمها القضية الفلسطينية، فالأمير محمد بن سلمان لم ينكر أن هناك مفاوضات بين المملكة وإسرائيل لكنه كان واضحاً في عدم وضوح نهاية هذه المفاوضات، لأن المبدأ الأساسي لأي علاقة ممكنة في المستقبل يتوقف على حل الدولتين وعلى الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة.

المملكة هي الدولة العربية الأكبر التي لم تقبل الدخول في علاقة مع إسرائيل رغم كل الضغوط ورغم تعرض العلاقة التاريخية مع الولايات المتحدة للاهتزاز، إلا أن موقف المملكة الواضح هو الذي يجبر الآخرين على التنازل، إذا ما أرادوا أي علاقة في المستقبل، ويجب أن تكون هذه العلاقة واضحة. هذا الموقف يلجم أفوه "الرعاع" الذين طالما قالوا إن المملكة تعقد صفقة مع إسرائيل في الخفاء وتناسوا أننا بلد مبادئ ولدينا ثوابت لم نحد ولن نحيد عنها.

لم يتردد ولي العهد عن الحديث بصراحة عن علاقتنا بالولايات المتحدة والدول الكبرى، فهذه العلاقة التي يصيبها الوهن أحياناً، يجب أن تكون علاقة الند للند، فلدينا مصالحنا التي نسعى لتحقيقها والمحافظة عليها، ولن نضحي بها مهما كان موقف الآخر منها. الحديث صريح وسياسي بامتياز ويحدد موقع المملكة في العالم المعاصر وفي المستقبل. ثوابت المملكة الواضحة توازن بين الخارج والداخل، فنحن نسعى لبناء علاقات متوازنة مع العالم ومع الدول التي تجمعنا بها مصالح تاريخية على وجه الخصوص، لكننا نهتم بشكل أساسي ببناء دولتنا اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. 

حديث ولي العهد ركز على رؤية 2030 التي تسعى أن تكون المملكة ضمن أقوى اقتصادات العالم، وهذا خطاب واضح للمستقبل، فتحقيق الرؤية ليس نهاية المطاف بالنسبة لرجل طموح، ما هي إلا البداية لأفق أوسع وأرحب.

في السنوات الأخيرة حدث تحول عميق في البنية الثقافية للمجتمع السعودي وهو تحول ربط المملكة بما يحدث في العالم، فكما أن رؤية المملكة تسعى إلى أن يتعرف العالم على المملكة وتاريخها وثقافة مجتمعاتها كذلك تريد للمواطن السعودي أن يكون مواطناً عالمياً وأن يتعرف على ثقافات شعوب العالم. صاحب هذا التحول تغيير جذري في المنظومة الإدارية وقياس مؤشرات الأداء ومراقبة هذه المنظومة مراقبة صارمة وكذلك تغير أعمق في المنظومة التشريعية، فالمملكة دولة قانون ويجب على الجميع، مواطنين وغير مواطنين، أن يعرفوا ما لهم وما عليهم.

قدم ولي العهد المملكة كدولة منافسة للدول الأخرى لكنها لا تعادي أحداً، وهذا أحد المبادئ الراسخة الذي انتهجته السعودية طوال تاريخها. يحق لنا أن نتنافس مع الآخرين وأن نسعى للتفوق عليهم، والرؤية مُصممة لتحقيق هذا التفوق من خلال التركيز على الإنسان السعودي وإشراكه في جميع المؤسسات الداخلية والخارجية وتقديمه للعالم كإنسان مسؤول يحمل رسالة وبناء اقتصاد مزدهر ومتجدد يعتمد على تعدد الموارد.

التنمية تبدأ من الإنسان، والنقلات المتواصلة التي ركزت على الإنسان السعودي (رجالاً ونساء) والدفع به كي يتعلم في أرقى الجامعات داخل المملكة وخارجها والعمل على الارتقاء بجودة حياته تمثل أولويات الرؤية، ومع ذلك لم ينسَ ولي العهد أن يذكر أننا بحاجة إلى السرعة وأن نعوض السنوات التي فاتتنا في السابق.

الخطاب موجه إلى العالم، فمن لديه صورة نمطية عن المملكة عليه أن يغيرها ويتعامل معنا بواقعنا الحالي. إنها رسالة تصحيحية مركزة عجزت المحاولات السابقة لإصلاح صورتنا أن تحققها، لأنها ببساطة رسالة من الواقع المعاش وليست مجرد كلام وشعارات.

("الرياض")

يتم التصفح الآن