إنّ القيود التي فرضتها أمريكا على تصدير الرقائق الإلكترونية ومعدّاتها إلى الصين، والحد من التعامل مع الشركات الصينية في صناعة أشباه الموصلات، يلحقان ضررًا بالشركات الأميركية، نظرًا إلى أنّ السوق الصينية أكبر سوق لأشباه الموصلات في العالم، إذ تصاعدت حدة التوتر بين الصين وأمريكا، فالصين الصاعدة تطمح إلى إنشاء عالم متعدّد الأقطاب ويكون لها دور فيه، فيما تريد أمريكا الإبقاء على العالم الأحادي القطب الذي تهيمن عليه، وترى أنّ بكين توسّع نفوذها من أجل أن تحلّ محلّها كأكبر قوة عالمية.
واشنطن تريد إبقاء بكين خارج المنافسة العالمية في مجال أشباه الموصلات
تؤكد أمريكا دائمًا أنها في منافسة مع الصين ودول أخرى للفوز بالقرن الحادي والعشرين، وكما يبدو، فإنّ أمريكا تستخدم جميع الأساليب لتحقيق ذلك، سواء عبر إقحام روسيا في الحرب مع أوكرانيا أو من خلال تطويق الصين واحتوائها وجرّها إلى حرب مع تايوان وغيرها من الدول، إذ يتجلّى التنافس الصيني الأميركي في مجالات عديدة، اقتصادية وعسكرية وأمنية، ولكن يبقى الصراع التكنولوجي هو الأشد حاليًا، ولا سيما على الرقائق الإلكترونية التي تعدّ عصب الحياة المعاصرة، إذ إنها تدخل في الصناعات المتقدّمة والمعدّات العسكرية والأقمار الصناعية وغيرها من الصناعات الحساسة، وبالتالي من يُحكم السيطرة على الرقائق الإلكترونية يقود العالم.
وفي المنافسة الدائرة مع الصين حول الرقائق الإلكترونية، اتخذت أمريكا العديد من الخطوات لتعزيز صناعة أشباه الموصلات محليًا وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الصين واستعادة تفوّقها في تصنيع الرقائق، وهي تريد إبقاء بكين خارج المنافسة العالمية في مجال أشباه الموصلات، حتى تكون مهيمنة عالميًا في هذا المجال، إذ فرضت أمريكا قيودًا على تصدير الرقائق الإلكترونية ومعدّات تصنيع الرقائق والبرامج التي تحتوي على التكنولوجيا الأميركية إلى الصين، بصرف النظر عن مكان وجودها في العالم، ومنعت المواطنين الأميركيين والمقيمين الدائمين من دعم تطوير أو إنتاج الرقائق الإلكترونية في مصانع معيّنة في الصين، ومما لا شكّ فيه أنّ القيود التي فرضتها أمريكا على تصدير الرقائق الإلكترونية ومعدّاتها للصين، والحد من التعامل مع الشركات الصينية في صناعة أشباه الموصلات، يلحقان ضررًا بالشركات الأميركية، نظرًا إلى أنّ السوق الصينية أكبر سوق لأشباه الموصلات في العالم.
وقد عملت الصين على وضع خطة لتطوير صناعة الرقائق الإلكترونية لديها، وقسّمتها إلى 3 مراحل: الأولى تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الرقائق الإلكترونية، والثانية تهدف إلى تحويل الصين إلى دولة رائدة في تصنيع الرقائق وأشباه الموصلات. أما الثالثة فتهدف إلى جعل الصين الدولة الأولى عالميًا في مجال الرقائق الإلكترونية، بحلول عام 2035، إذ أولت الصين أهمية كبيرة لقطاع التكنولوجيا والابتكار، بعدما كانت تقلّد ما يصعب عليها ابتكاره، وإزاء المخاطر التي تواجهها من أمريكا وحلفائها عملت على دعم شركات التكنولوجيا، إذ إنّ أمريكا وحلفاءها تسعى لاحتواء الصين وتطويقها، والعمل على إجراءات قوية لدعم تطوير صناعة التكنولوجيا الفائقة، وتشجيع الابتكار.
الإجراءات الأميركية تهدّد عولمة القطاع وتهدّد مصالح المستهلكين
إنّ الإجراءات التي تتّخذها الحكومة الأميركية لفرض قيود تجارية، تهدّد عولمة قطاع أشباه الموصلات وتهدّد مصالح المستهلكين، إذ إنّ أيّ ضرر يلحق في الوقت الراهن بسلسلة الإمداد العالمية التي تشكّلت بالتوازي مع عملية العولمة، قد يخلق تأثيرًا سلبيًا لا يمكن تجنّبه أو إصلاحه للاقتصاد العالمي، وتحاول الصين منذ فترة مواجهة النمو البطيء للاقتصاد من خلال اتخاذ عدة إجراءات، تشمل محاولة العمل على استقرار سوق العقارات التي تعاني من أزمة.
وفي الختام، تدرك أمريكا حجم الأضرار التي قد تلحق بشركاتها من جراء القيود التي فرضتها على الرقائق الإلكترونية، ومع ذلك، تقوم بتشديد الخناق على الصين في صناعة أشباه الموصلات، لأنها ترى أنّ الصين أصبحت منافسًا استراتيجيًا لها في مجال الرقائق الإلكترونية، وتتقدّم بسرعة في هذا المجال، ما يؤثّر في تطوير معداتها العسكرية والصناعية، ويجعلها تتغلّب على أمريكا، وبالتالي فإنّ احتواء الصين الآن أساسي وضروي بالنسبة إليها، وإلا فإنها لن تتمكّن من احتوائها في المستقبل، بعد أن تكون الصين قد أصبحت رائدة في صناعة أشباه الموصلات.
(خاص "عروبة 22")