جولة جديدة من مفاوضات سد النهضة، انتهت في أديس أبابا قبل يومين من دون أن يتحقق أي اختراق في الملف المقلق لكل مصري، في ظل تعنت ومراوغة إثيوبية لا تحتاج أي تأكيد، وبعد فشل، أيضا، الجولة الأولى التي عقدت في القاهرة في 27 أغسطس الماضي في إطار استئناف واستكمال الجولات التفاوضية، للإسراع في الانتهاء من الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد الإثيوبي خلال 4 أشهر.
وحسب البيان الرسمي لوزارة الري المصرية فإن الجولة الثانية التي جرت على الأرض الإثيوبية بمشاركة وفود التفاوض من مصر والسودان وإثيوبيا «لم تسفر عن تحقيق تقدم يُذكر؛ حيث شهدت توجها إثيوبيا للتراجع عن عدد من التوافقات التي سبق التوصل إليها بين الدول الثلاث في إطار العملية التفاوضية، مع الاستمرار في رفض الأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة».
كلمات وزارة الري ربما تتشابه مع ما أعلنته عقب الجولة الأولى من المفاوضات التي شهدتها القاهرة في أغسطس الماضي، والتى كررت فيها التأكيد على استمرار مصر في التفاوض «بجدية بناء على محددات واضحة؛ تتمثل في الوصول لاتفاق ملزم قانونا على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، على النحو الذي يحفظ مصالح مصر الوطنية ويحمي أمنها المائي واستخداماتها المائية، ويحقق في الوقت ذاته مصالح الدول الثلاث بما في ذلك المصالح الإثيوبية المعلنة».
وبالتزامن مع جولة المفاوضات الثانية بشأن سد النهضة كان وزير الخارجية يلقى كلمة مصر أمام الدورة العامة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك والتي ندد فيها بالإجراءات الإثيوبية أحادية الجانب، وبتمادي أديس أبابا بالاستمرار في ملء سد النهضة الذي وصفه بأنه «خرق صريح لقواعد القانون الدولي».
وبلغة ربما تكون أكثر حزما قال وزير الخارجية: «ليس هناك مجال للاعتقاد الخاطئ بإمكانية فرض الأمر الواقع عندما يتصل الأمر بحياة ما يزيد عن ١٠٠ مليون مصري».
إذن نحن أمام دورة جديدة من التفاوض غير الموفق، وإزاء بيانات وتصريحات وكلمات عن عدم التوصل إلى نتائج إيجابية، واستمرار إثيوبيا في فرض الأمر الواقع، بل والتمادي في لعبة كسب الوقت، عقب إعلانها اكتمال عملية الملء الرابع في العاشر من سبتمبر الجاري.
وفي كل مرة نعود إلى سؤال المربع الأول: ما العمل؟.. جربت مصر المفاوضات برعاية أمريكية، وذهبت للاتحاد الأفريقي، ووسطت أشقاء، ولجأت لمجلس الأمن الدولي، لكن حتى الآن الحصاد مخيب للآمال مع تعنت إثيوبي، إن لم يكن تبجحا، وتجاهلا صريحا لحقوق دولتي المصب مصر والسودان، مستغلة الظروف التي يمر بها الأشقاء السودانيون في الوقت الراهن، ومراهنة على الصبر المصري لاستهلاك الوقت، وهي أمور لا يجب التعويل عليها كثيرا.
اليوم يطرح بعض الخبراء اللجوء إلى مجلس الأمن مجددا مع التلويح بورقة التغيرات المناخية والبيئية التي يمكن أن تشكل خطرا، كما حدث في المغرب ومدينة درنة الليبية، في ضوء أن إثيوبيا تقع في حزام زلازل، وربما يهدد بانهيار سد النهضة في أي وقت وما قد ينتج عنه من تدمير واسع في وادى النيل.
لكن في تقديري أن هذا الاقتراح سيعطي الجانب الإثيوبي المزيد من الوقت، ويذكرنا بقصة الرجل الذي كان يعول على مساعدة أخيه وجيرانه في قطع شجرة، فلا يأتي الأخ ولا يهتم الجيران أبدا، فيضطر أخيرا إلى الاعتماد على نفسه وعدم انتظار الغير في إنجاز واجباته.
الجانب الإثيوبي لم يعد يرى في المفاوضات غير أنها وقت إضافي لفرض الأمر الواقع، والتعويل على مجلس الأمن، أو الاتحاد الأفريقي، وغيره من الوسطاء لم يعد ذا فائدة، فالتعنت يحتاج إلى ضغوط من نوع مختلف، ووقتها ستدرك أديس أبابا أن قطع الشجرة، اعتمادا على القدرات الذاتية قد حان وقته، فتسقط الأوهام، ويستقيم العود المعوج.