قضايا العرب

التطبيع العربي مع دمشق... و"خبث" تحوير الأزمة السورية!

في الوقت الراهن، لم يعد هناك من يتحدث عن أساس الأزمة السورية، أي الأسباب الحقيقية التي دفعت السوريين للخروج إلى الشوارع في العام 2011، من أجل المطالبة بالتغيير السياسي وإسقاط النظام برئاسة بشار الأسد. مع العلم أنّ هذه المطالب كانت قد عادت، في الآونة الأخيرة، إلى الواجهة، مع إنطلاق موجة واسعة من الإحتجاجات في محافظة السويداء، التي يتعامل معها النظام بطريقة خاصة.

التطبيع العربي مع دمشق... و

غالبية القوى المؤثرة، تحديدًا العربية والإقليمية منها، باتت تبحث عن معالجة عناوين محددة (كملف اللاجئين في الدول المجاورة وتهريب المخدرات) مفتاحها لدى النظام السوري، الذي على ما يبدو ينجح بحنكة و"خبث" في قلب الحقائق وإبعاد الطروحات السياسية عن الحل السوري، لا بل حتى اشتراطه الحصول على مكاسب قبل أن يقدّم أي شيء أو يتقدّم أي خطوة باتجاه الحل.

إنطلاقًا من ذلك، ينبغي قراءة 3 عناوين أساسية طغت على المشهد السوري، في المرحلة الأخيرة، من خلال طريقة تعامل النظام معها، من أجل فهم حقيقة ما يقوم به وما يريد الحصول عليه:

- التعامل مع إحتجاجات السويداء: على عكس ما كان يظن البعض، لم يذهب النظام إلى إستخدام القوة العسكرية، بالرغم من السقف العالي للشعارات التي طُرحت من قبل المتظاهرين. بل تغاضى عنها على المستوى الرسمي، مكتفيًا برسائل إعلامية يتمّ بثّها عبر وسائل الإعلام التابعة له وتتراوح بين التحذير من المجهول والحديث عن مؤامرة، إسرائيلية أو أميركية، بالتوازي مع التقليل من شأن وأعداد المشاركين في التحركات.

فالنظام يُدرك جيدًا أنّ الحلّ العسكري سيكون له تداعيات على الأهداف الأخرى التي يسعى إليها، نظرًا إلى أنه سيستدعي مواقف دولية وإقليمية صارمة، قد تعيد الأمور إلى المرحلة الماضية، لا سيما على مستوى العلاقات مع الدول العربية. بالإضافة الى أنّ موقع السويداء الجغرافي، قد يفتح الباب أمام تدخلات من الجانب الإسرائيلي، أو تداعيات على مستوى العلاقة مع الجانب الأردني، من دون تجاهل أيضًا التأثيرات السلبية على حلفائه من الدروز.

- اللاجئون في دول الجوار: عند بروز معالم الإنفتاح العربي على دمشق، كانت مسؤولية النظام في معالجة هذه الأزمة من أبرز العناوين، في ظلّ التداعيات والأعباء التي تخلّفها على دول الجوار. لكنّ النظام، من الناحية العملية، لم يبادر إلى أي خطوة قد تساعد في هذا المجال، بل على العكس أصرّ على استثمار ملف المعاناة الإنسانية للاجئين في السوق الدولية والعربية، واشترط الحصول على مساعدات مالية ضخمة، تحت عنوان "إعادة الأعمار"، مقابل حل هذا الملف.

هنا، قد يكون من المفيد الحديث عن معطيين يصبّان في صالحه: الأول هو موجة النزوح الجديدة التي يشهدها لبنان، التي لا يمكن أن تتم من دون تسهيل من أجهزته الأمنية. أما الثاني فهو الموقف القبرصي، الذي يعبر عن قلق هذه الجزيرة الأوروبية، الداعي إلى إنهاء وضع سوريا كدولة غير آمنة لا يمكن إعادة اللاجئين إليها.

المعطيان، من الناحية العملية، يحتّمان التواصل مع النظام السوري، الذي سبق له أن أعلن أن عودة اللاجئين مرتبطة بالأوضاع الاقتصادية في الداخل، ما يؤكد أنه لن يقدّم أيّ تسهيلات من دون الحصول على "الثمن".

- تهريب المخدرات: على مدى سنوات الحرب، تحوّلت سوريا إلى مصدر أساسي لتصنيع وتصدير المخدّرات، تحديدًا الكبتاغون، الذي يُهرّب إلى الدول العربية، لا سيما الخليجية منها، والجميع يُدرك أن هذه العمليات تتم برعاية مباشرة من النظام وحلفائه.

هذا العنوان، كان أيضًا من العناوين الرئيسية التي طُرحت على بساط البحث، من ضمن مجموعة من المطالب التي تريدها الدول العربية منه. لكن أيضًا لم يبادر النظام إلى القيام بما هو مطلوب منه، بدليل المواقف الأردنية من هذه المسألة، التي ذهبت إلى التأكيد، في أكثر من مناسبة، أنّ عمّان قادرة، من خلال قواتها المسلحة، على حماية حدودها الشمالية. مع العلم أنّ الأردن كان من أبرز الدول التي سعت إلى تكريس الإنفتاح العربي على دمشق، ولعبت دورًا مؤثرًا في هذا المجال.

في المحصلة، ومما تقدّم يؤكد المراقبون المواكبون لمسار تطبيع العلاقات العربية مع دمشق، أنّ النظام السوري لن يبادر إلى أيّ تغيير في "سلوكه"، بمعزل عن كلّ الوعود التي كان قد قطعها أمام العرب. لا بل هو بخلاف ذلك لا يزال يمعن في السعي إلى "الإستفادة من الأضرار التي تركتها الحرب على الدول الأخرى، من أجل الحصول على المزيد من المكاسب، تحت طائلة التلويح بزيادة الأضرار على الدول العربية وغيرها بطريقة أو بأخرى في حال عدم الامتثال لشروطه"... وذلك بعد أن كان قد نجح على مستوى الأزمة الداخلي في تحويل الأزمة "من مطالب شعبية تنادي بالحرية والديمقراطية إلى صراع مسلّح وحرب أهلية ومواجهة مع الإرهاب، في حين أنّ أساس الأزمة كان وسيبقى سياسيًا مطلبيًا بالدرجة الأولى والأخيرة".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن