لقد أثار موضوع الملف النووي الايراني قلق العالم بشكل عام، ودول الخليج بشكل خاص، لأن من شأنه أن يؤثر على البيئة الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط، كما أنه يفرض تهديداً مباشراً لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، ومصالح حلفائها في المنطقة.
انقسم الرأي العالمي عامة، والإقليمي خاصة تجاه هذا البرنامج، إذ كان هذا التفاوت واضحاً ما بين التأييد والرفض حول حق إيران في تخصيب اليورانيوم.
وعليه فقد سبق أن طالبت دول الخليج العربي، وبشكل مُلِح بأن يتم مشاركتها في مفاوضات حل الأزمة النووية الإيرانية، ليكون لديهم الفرصة لعرض تحفظاتهم على البرنامج النووي الإيراني، الذي يؤثر بشكل مباشر على دول المنطقة، والحصول على الضمانات اللازمة، والذي صدر عقب اجتماع وزراء الخارجية الخليج وأكد على ضرورة مشاركه دول المجلس في المفاوضات والمباحثات والاجتماعات الإقليمية والدولية لهذا الشأن، ولقد أصرت دول الخليج دائماً على أن أي اتفاق مع إيران يجب أن يتجاوز القضية النووية وأن يتعامل أيضاً مع برنامج طهران الصاروخي، وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء المنطقة، وتحديداً دعم إيران للجهات الفاعلة المسلحة غير الحكومية، وإن مخاوفهم من استخدام إيران الفوائد المستمدة من تخفيف العقوبات كونها جزءاً من اتفاق نووي لتغذية هذه الأنشطة الأخرى، التي لا تزال حاضرة اليوم كما كانت قبل التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، والتي انسحبت منها واشنطن عام 2018، وظلت الأطراف الأخرى في الاتفاق «الأوروبيون والصين وروسيا»- ملتزمة باتفاق عام 2015، داعية إيران على الامتثال ببنود الاتفاق.
امتداد نفوذ إيران في منطقة الشرق الأوسط وتأثيرها على مفاصل القرار في عدد من العواصم العربية ذات الثقل التاريخي مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن كان سبباً رئيسياً في إثارة المخاوف لدى دول المنطقة من التدخل الإيراني في الشأن الداخلي لدول الجوار، واستمرار تأثيرها السلبي على استقرار المنطقة، ولذلك أصرت دول الخليج العربية على مراجعة السياسات الغربية في تخفيف العقوبات دون توافقات دولية، تضمن التزام إيران بالشرعية الدولية.
هناك توافق دولي بما في ذلك دول 5 + 1 على أهمية توحيد التوجه الدولي، للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، من أجل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، إلا أن النهج التسلسلي الذي اعتمدته واشنطن دون إشراك دول الجوار الإقليمي، وبالرغم من تفاوت ردود أفعال المنطقة من الاتفاق، الذي رعت بداياته سلطنة عمان ودعمته دول المنطقة كافة في 2015، إلا أن هذه الدول لم تخف مخاوفها واستمرار تحفظاتها، بسبب عدم شمولية الاتفاق، وبأنه أغفل عدداً من المحاذير، التي تجدها دول المنطقة ذات أهمية قصوى، وتضمن الاستقرار الإقليمي في حال تم التوصل لتوافقات بشأنها، خصوصاً مسألة تطوير الصواريخ البالستية، ودعم الفاعلين غير الحكوميين في دول الجوار.
وعلى ضوء ذلك يمكن أن يتم الإبقاء على الاتفاق النووي ودعم المفاوضات الدولية 5+1 مع إيران في الشأن النووي، الذي يعتبر مطلباً خليجياً كما هو دولي. وفي الوقت نفسه تبدأ دول الخليج عن طريق الأمانة العامة لمجلس التعاون فتح مسار تفاوضي مباشر مع إيران، يتم من خلاله التوصل إلى اتفاق مشترك بين إيران ودول الخليج العربي، بما في ذلك العراق، ويكون برعاية دولية أو صينية، والتي تتمتع بعلاقات دبلوماسية واقتصادية وثيقة مع كل من طهران ودول الخليج، وقد بدأت مسار دعم التفاوض بين كل من المملكة العربية السعودية وإيران.
يتم خلال هذه المفاوضات الاتفاق على آلية عمل شاملة تعمل على تقريب وجهات النظر في حالات الأزمات الأمنية، والتي تهدد استقرار المنطقة، واستبدال أسلوب المواجهة بين دول المنطقة لأسلوب الحوار والنقاش، على غرار معاهدة وارسو، التي تلت الحرب العالمية الثانية، والتي قامت بترسيخ قيم الصداقة والتعاون والمعونات الإنسانية بين خصماء الأمس، لتدفع بالحلول السلمية ومبدأ التعاون المشترك.
من خلال هذه الآليات يمكن العمل على تقريب وجهات النظر في إعطاء ضمانات في كل المجالات ذات الاهتمام كتلك المتعلقة بالتعاون في مجال السلامة النووية، والأمن النووي، والضمانات، الوقاية من الإشعاع، والبحث والتطوير، والتأهب لحالات الطوارئ والإبلاغ المبكر في حالة حدوث أي تسرب إشعاعي، وغيرها من المجالات ذات الاهتمام المشترك بالأمن والسلامة النووية للاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
وسوف يؤدي هذا التعاون المشترك الخليجي- الإيراني إلى التنبؤ والتعامل مع أي كوارث مستقبلية- لا قدر الله- يمكن أن يسببها أي تسرب أو حادث إشعاعي في المنطقة، التي تعتمد على الطاقة النووية السلمية كونها أحد مصادرها المستقبلية للطاقة الكهربائية.
وما يوكد احتماليه نجاح هذه الفرضية أن دول الخليج لديها مصالح وشراكات استراتيجية واقتصادية مع جميع الأطراف سواء كانت واشنطن، أو طهران، أو بكين، أو موسكو، وليس من المتوقع أن تمانع إيران بدء التفاوض مع دول الخليج، والاشتراك في مفاوضات مباشرة معها خصوصاً بعد التقارب الإيراني- السعودي، الذي تم برعاية الصين، التي أثبتت قوتها كوسيط دولي يمكن الاعتماد علية، وفي الوقت نفسه لدى إيران مصالح استراتيجية كبيرة مع دول الخليج، وهو عامل إيجابي مؤثر في نجاح المفاوضات النووية معها.
وأخيراً فإن دول الخليج تتشارك في مبدأ رفض التصعيد، وتغليب دعم الاستقرار وسياسات التنمية الوطنية على المواجهة، ولذلك فإنها تتفق على دعم المفاوضات السلمية التي تجنب المنطقة الحروب، خصوصاً في الوقت، الذي تحاول فيه توجيه جميع مواردها نحو التحدي في تنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد على النفط والغاز، إلى جانب الزخم المتزايد وراء الجهود الدولية لإزالة الكربون من الاقتصاد العالمي.
("البيان") الإماراتية