ثقافة

"عميد المعارض العربية": بيروت الكتاب والثقافة والهوية

منذ العام 1956، تشهد العاصمة اللبنانية عيدًا سنويًا للكتاب، يتمثّل في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، الذي بات حدثًا ينتظره الكثيرون من عام إلى آخر، بوصفه أحد المواعيد الكبرى التي تجمع بين الثقافة والمعرفة والسياسة والاقتصاد والإبداع. رغم محاولات الاستهداف التي كانت قد برزت، في السنوات الماضية، من ضمن هجمة هادفة إلى تغيير وجه لبنان على كافة الصعد، فكان من البديهي أن تكون "الثقافة" هدفًا رئيسيًا لها.

منذ إنطلاقته، واجه معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، الذي ينظّمه النادي الثقافي العربي، العديد من التحديات، التي كان معظمها مرتبطًا بالأوضاع الداخلية اللبنانية، لا سيما في سنوات الحرب، إلى جانب تراجع الاهتمام بالكتاب بشكل عام، وتداعيات الأزمة الاقتصادية التي تفجّرت منذ العام 2019، من دون تجاهل عامل تحوّل القرّاء إلى العالم الرقمي والمطالعة السريعة عبر وسائل الاتصال الحديثة.

لكن ورغم كل الهجمات والتحديات، لا يزال معرض بيروت العربي الدولي للكتاب ينجح، في كل مرّة، في التغلّب عليها، ليؤكد المكانة التي يحظى بها في الحياة الثقافية اللبنانية والعربية، حتى بات يعرف، منذ العام 1992، بـ"عميد المعارض العربية"، بعد أن أُطلق عليه هذا اللقب من تونس، لكونه يُعتبر من أوائل المعارض في العالم العربي، ويتّصف بنجاحه الدوري واستمراريته الثابتة.

في دورته الـ65، التي تنظّم في مركز "سي سايد آرينا" - الواجهة البحرية لبيروت، من تاريخ 23 تشرين الثاني/ نوفمبر ولغاية 3 كانون الأول/ ديسمبر من العام الحالي، من المتوقع أن يعيد المعرض التأكيد على هذه المكانة العربية الراسخة للعاصمة اللبنانية من جديد، مثبتًا موقعه كمساحة يلتقي فيها المبدعون والمثقفون اللبنانيون والعرب، وينتظرها روّاد الثقافة العربية، من مختلف الجنسيات، بفارغ الصبر.

أهمية هذا المعرض، تكمن بأنه لا يقتصر على كونه مجرّد معرض للكتاب، بل تمثل الأنشطة الثقافية التي يحتضنها، طيلة أيامه، حدثًا بالغ الأهمية، لا سيما في التنوع الكبير الذي تشهده، سيما وأنه عبر تاريخه استضاف شخصيات ثقافية وأدبية وفنية رفيعة المستوى.

وفي حديث لـ"عروبة 22"، يكشف رئيس النادي الثقافي العربي الدكتور عدنان حمود أنه حتى الآن بلغ عدد المشاركين في "معرض بيروت العربي الدولي للكتاب"، 120 دار نشر، منها ما هو لبناني وسوري وعراقي وأردني ومصري، ويلفت إلى أنّ هناك العديد من دور النشر، خصوصاً تلك التي من خارج لبنان، من المفترض أن تتقدّم بطلبات مشاركة في المرحلة المقبلة، على اعتبار أنها تقوم بذلك عادة في فترات متأخرة قبيل انطلاق أعمال المعرض.

ويؤكد الدكتور حمود أن "مقومات النجاح في هذا العام متوفرة، لا سيما أن رواد المعرض معروفون، والجميع يدرك أن لا بديل عنه، بحيث أثبتت التجارب الماضية ذلك"، لافتًا في هذا السياق إلى "المكانة التي يمثلها معرض بيروت على مختلف الصعد، سواءً بالنسبة إلى المشاركين فيه أو رواده، خصوصًا وأنه بات جزءًا لا يتجزّأ من هوية لبنان وعاصمته، ويؤكد على هوية بيروت العربية الدائمة والراسخة".

وهو ما يشدّد عليه أحد أصحاب دور النشر اللبنانية، عبر "عروبة 22"، بإشارته إلى أنّ "لهذا المعرض نكهة خاصة، فهو يُعتبر بالنسبة إلى العديد من الأجيال المتعاقبة حدثًا لا يمكن تفويته، ومساحة للتلاقي يحرصون على المشاركة فيها، سواءً كانوا من أصحاب دور النشر أو المؤلفين أو القرّاء، على مدى أيام المعرض، الذي يعكس هوية لبنان الثقافية، القائمة على أساس أن عاصمته هي منارة للفكر والثقافة والتنوّع في العالم العربي"، لافتًا إلى أنّ "لمعرض بيروت روحية خاصة مختلفة عن كل المعارض الأخرى، لا سيما أنه ينعقد هذا العام في دورته الـ65، ما يعني أنه بات متجّذّرا في تاريخ لبنان، إلى جانب كونه مرتكزًا أساسيًا للثقافة العربية بشكل عام، ما يحتّم المحافظة على استمراره مهما كانت الصعوبات أو الأثمان".

في المحصلة، معرض بيروت العربي الدولي للكتاب سيبقى الحدث الثقافي والمعرفي الأبرز في لبنان العربي، كما كان عليه الحال منذ دورته الأولى التي نُظّمت في 23 نيسان من العام 1956 في قاعة "وست هول" في الجامعة الأميركية، بهدف تعميم الثقافة وتعزيز حضورها الشعبي، إيمانًا بقدرتها على تحرير الشعوب من الجهل والخرافات والأساطير والاتجاهات والأجندات الانتهازية الدخيلة على الثقافة العربية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن