مدونات

واقع مؤلم... وأحلام مؤجّلة!

خالد هاشم – اليمن

المشاركة
واقع مؤلم... وأحلام مؤجّلة!

من نافلة القول بأنّ الأمّة العربية - في الوقت الراهن - تمرّ بأسوأ مراحلها تمزقًا، بتأثير طغيان مسمّيات التشرذم، من المذهبية والطائفية والمناطقية، والعديد من العصبيات التي تعصف بالأمّة، فتعيدها إلى العصور الجاهلية، الطافحة بالتقاتل والتناحر حينًا، والخذلان والتآمر حينًا آخر، فغدت لقمة سائغة لكلّ الطامعين فيها.

إنّ غياب مفهوم الأمّة، عن الخطاب السياسي للأنظمة العربية اليوم، وترسيخ مفهوم القُطرية والتركيز عليه، يجعل الحديث عن القومية، ضربًا من الترف الفكري، أو نوعًا من الذهان الذي يجعل صاحبه محط سخرية وتندّر، فيُنظر إليه شزرًا، وكأنه مسّه الجنون.

لكن ومهما تلبّد الأفق بالغبار الملوّث الحاجب للرؤية، تظلّ الحقيقة راسخة بأنّ الأمّة العربية، أمّة واحدة، وتمتلك – ما لم تمتلكه أمّة أخرى – كل مقوّمات الوحدة، فها هي الأحداث التي تصيب أقطارها المختلفة فرحًا أو ترحًا، تجد صداها في كل ركن في الوطن العربي الكبير، فعلى الرغم من الحملة الشرسة على مفهوم الأمّة العربية الواحدة وبكل الوسائل، إلا أنّ الشعوب العربية ظلت وفية لما رسخ في وجدانها من ركائز ومفاهيم قومية، تنبعث قوة جبارة بكل حدث يخص الأمة العربية وتحديدًا في ما يتصل بقضية فلسطين المركزية لكل العرب.

إننا اليوم بحاجة ماسة، لإعادة تناول وإحياء مفهوم الأمّة والقومية العربية، كضرورة لإعادة بعث الأمل في روح الشباب العربي وتذكيرهم بأن الواقع المرير الراهن ليس سوى وضع شاذ طال أمده، لأنّ الوضع الطبيعي هو وحدة الأمّة بكل الجوانب، ونبدأ بالتأكيد على أنّ مفهوم الأمّة ليس مصطلحًا سياسيًا كما يظنّ البعض، وإنما هو مصطلح اجتماعي ناتج عن تطوّر المفاهيم الاجتماعية ( العائلة أو الأسرة – القبيلة – الشعب)، بينما القومية العربية تتميّز بأنها لا تقوم على أساس العرق، وإنما على أساس اللغة، إذ يعتبر أساس القومية العربية اللسان أكثر مما يلعب العرق دورا كبيرًا وحاسمًا فيها.

فنحن لا نجد حرجًا عندما نتغنّى بالإنجازات الفكرية والعلمية في الحضارة العربية بأناس ليسوا من الناحية العرقية عربًا، وأوضح مثال على ذلك إمام علماء اللغة العربية "سيبويه" ليس عربيًا، ومثله كثر في الفقه والفلسفة والطب والفلك... ولهذا نستطيع القول بكل ثقة بأنّ قوميتنا منزّهة عن العصبية بكل أشكالها (العرقية – المناطقية – الطائفية...) بل هي متجاوزة لكل هذه المسميات الضيّقة، واستوعبت بأفقها الواسع كل تلك العصبيات وروّضتها، لتنسجم معها ومع روح القومية العربية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن