حُروف

تبدو الخريطة اللغوية المُهيمِنة على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي مُشوّشة، بحُروف مُهجّنة، بداية من تفضيل العديد من المستخدمين الشباب، استخدام الحروف "الفرانكو" في كتابة التعليقات أو الدردشات السريعة، مرورًا بما يُشبه التواطؤ الجمعي لاستخدام مُصطلحات أجنبية بـ"حروف عربية" رغم وجود ترجمات واضحة وسهلة لها، لعلّ أشهرها وأكثرها تداولًا؛ أعمل "سيرش" و"أبلّك"، وبديلهما العربي معروف "أبحث" و"أحظُر".

لكن يبدو أنّ ثمّة ارتياحًا أو انحيازًا لاستخدام هذا "الهجين" الذي لا يمكن قراءته بمعزل عن شعور ما بالدونية حِيال لُغتنا، وهو ما لا يُخفيه كثير من الباحثين والمهمومين بقضية اللغة والهُوية، ويُسمع أصداؤه خلال الاجتماعات السنوية لمجامع اللغة العربية، وفي مُعالجات صحافية وإعلامية "قليلة" تطرح تساؤلات حول مستقبل اللغة العربية وسط تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي.

ومنذ سنوات يتبنى مجمع اللغة العربية بالقاهرة مشروع "تفصيح العامية"، الذي يسعى لجسر الهُوّة بين الفصحى وبين العاميات العربية، وكذلك مُحاولة التصدي للصورة النمطية المُشوهة للفُصحى بأنها لغة نُخبوية تعتلي بُرجًا عاجيًا.

ورغم تلك الجهود المُخلصة لباحثي وعُلماء اللغة عبر سنوات إلا أن هذا المشروع، كسائر أنشطة المجمع، يغلُب عليه طابع العُزلة، وربما قد سُلّط عليه الضوء مؤخرًا بعد تلك الضجّة التي واكبت إعلان مجمع اللغة العربية عبر صفحته على "فيس بوك" في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إجازته لكلمة "استعباط" كمُفردة فصيحة، تمامًا كإعلان فصاحة كلمات مثل "تحويجة" و"تحويشة" و"برطمة".

وسط تلك الجهود، يظلّ هناك افتقاد لبرامج موازِية للخروج بتلك المشروعات من نطاق الحُجرات المغلقة للمجامع اللغوية إلى مجال أوسع يشتبك مع الجمهور العربي بشكل مُباشر، قد يكون ذلك بابتكار حملات لغوّية جذابة يتبناها مؤثرون عبر مواقع التواصل الذين يصل متابعوهم لآلاف الشباب، في محاولة لانتشال ركاكة اللغة التي تفضحها وسائل التواصل الاجتماعي، فعدد متابعي الصفحة الرسمية لمجمع اللغة العربية بالقاهرة على «فيس بوك» لا يتجاوز 130 ألف مُتابع، وهو رقم زهيد مقارنة بمتابعي صفحات تنشر محتويات أخرى.

فاللغة مُمارسة يومية وليست مجرد قضية نوعية أو نُخبوية، وطالما تضِل سلامتها في دروب الحياة اليومية، فسيظلّ انعكاس ذلك يفيض عبر مواقع التواصل، بل ويبدو أنها تُزيد من ارتباكها، مما سيؤثر بالقطع على تشكيل هوية الأجيال العربية الجديدة. 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن