قضايا العرب

السوريون في أوروبا: هجرة.. فزواج.. فطلاق (2)

باريس - مزن مرشد

المشاركة

"لو بقيت في سوريا فسأكون إما بالسجن أو تحت التراب" بهذه الكلمات تبدأ سهير.ع رواية قصتها التي بدأت بزواجها من قريبها في سوريا قبل اندلاع الأحداث هناك بسنوات قليلة، هذه الزيجة التي نتج عنها ولدان اثنان، أكمل كبيرهما اليوم عامه السادس عشر.

السوريون في أوروبا: هجرة.. فزواج.. فطلاق (2)

بات طلاق السوريين ظاهرة هنا في أوروبا بعد تكرار حالات الطلاق التي عقبت اللجوء مباشرة، فكثير من الزيجات التي دامت لسنوات طويلة في سوريا، انتهت بغضون شهور أو سنوات قليلة لم تتجاوز السنتين، بعد الحصول على اللجوء. الأمر الذي استغله البعض ليلقي باللوم على المجتمع الغربي المنفتح، والحرية التي مُنحت للنساء على حين غرة، ويصبّوا غضبهم على السيدات اللواتي لجأن للطلاق معتبرين أنهنّ "نواشز" ويردن أن يعشن الحرية الأوروبية التي في رؤوس البعض.

مع تزايد أعداد السوريين والعائلات السورية إلى دول اللجوء، ازدادت معدلات الطلاق بين الأسر السورية بشكل ملحوظ، بحسب ما تذكر منظمات ألمانية فرنسية ناشطة في مجال دعم اللاجئين، وتحديدًا خلال العامين 2016 و2018، اللذين يعتبران من أكثر الأعوام التي شهدت حالات طلاق بين الأسر السورية الواصلة حديثًا بحسب تقارير هذه المنظمات.

تراكمات وضحايا من الجانبين

على الرغم من اختلاف طبيعة قضايا الطلاق التي رصدناها، فإن تلك القضايا ترتبط بمجموعة من التراكمات التي مرّت بها الأسرة على المدى الطويل، خاصة عندما يكون الحديث عن انفصال زوجين بعد حياة امتدت إلى 15 أو 20 عامًا، ففي الكثير من الحالات لم يكن الطلاق وليد الظروف الجديدة، وإنما يعود الأمر لقصة الزواج بحد ذاتها، فمعظم الزيجات لم تكن بخيار الطرفين منذ البداية، إنما تم فرضه عليهما مثل كثير من زيجات مجتمعاتنا العربية.

بالإضافة إلى إمكانية وجود سوء معاملة للزوجة، والذي قد يكون ممتدًا لسنوات، فعلى سبيل المثال ذكر تقرير السلطات الرسمية الألمانية الصادر عام 2018، أنّ إحصائيات خطيرة حول العنف ضد المرأة في العوائل العربية عمومًا، والتي وصل معدّلها بين عامي 2015 و 2018 إلى 13905، 66 حالة منها تعرّضت فيها الزوجة للقتل- ومن منا ينسى أبو مروان الذي قتل طليقته أمام أولادهما وبث اعترافه مباشر على موقع "فايسبوك" وما تزال دماء ضحيته على يديه- ، و1999 حالة عنف جسدي خطير، و442 حالة عنف جنسي.

الخروج من الجحيم

بعض قضايا الطلاق وتحديدًا بالنسبة للزواج الحديث، ارتبط بالخلاص مما تعيشه الفتيات بالداخل السوري، فكثير من الفتيات تزوّجن من رجال فقط من أجل الخروج من سوريا والوصول إلى بلد آمن سواء في أوروبا أو تركيا- أحيانًا- وما إن تصل الفتاة وتحصل على الإقامة حتى تطلب الطلاق، خاصة في حال لم تنسجم مع الزوج المفترض الذي تزوجته أصلًا بوكالة عامة لأحد أقربائه وانتظرت لمّ الشمل بفارغ الصبر، وفي هذه الحالة لن نستطيع أن نحدد من هو الضحية في القضية، الشاب الذي اختار الزواج من فتاة لا يعرفها لمجرد كونه أراد الزواج، أم الفتاة التي "باعت نفسها" بعقد زواج بهدف الخروج من الجحيم في ظل انتفاء أي طريق آخر للخلاص.

في الحالات السابقة لم تكن الضحية واضحة لكن في قصة السيدة "لينا" ذات الـ42 عامًا، الأمر مختلف، فقد عاشت حياةً شديدة البؤس مع زوجها بسبب بخله الشديد، والذي استمر معه بعد وصولهما إلى أوروبا فقد فرض سيطرته الكاملة على الجوانب المادية والمساعدات التي كانت العائلة تتلقاها.

تروي "لينا" لـ"عروبة 22": "عشنا في سوريا حياة العوز بسبب بخل طيلقي وسعيه الدائم لادخار المال، فقد كان يدخر كامل مدخولنا المادي دون أن يصرف منه شيئًا، كان صغارنا لا يلبسون إلا الملابس المستعملة والتي أحصل عليها من إخوتي وأقاربي، حتى الطعام كان يشتريه بكميات قليلة جدًا، كنت أزور أهلي وأخوتي يوميًا كي أطعم أولادي عندهم، لدرجة أن مدرسة أحد أطفالي أرسلت لنا بريدًا يحوي ملاحظات حول جسده الهزيل الذي يعكس سوء التغذية، وكنت أسكت وأتحمّل خشية نظرة المجتمع، فالمرأة – المستورة – لا تشتكي بل تتحمّل، وهذا ما أراه اليوم أكبر خطأ ارتكبته بحق نفسي وبحق أولادي".

تضيف لينا:" ما جعلني أتّخذ خطوة الطلاق ليس الحرية التي يعتبرونها عارًا على المرأة في هذه البلاد، بل القانون الذي يعاملني كإنسان، فلو كان الوضع القانوني والاجتماعي في سوريا مشابهًا للوضع هنا لكنت تطلّقت منذ السنة الأولى لزواجي".

القانون المنصف

معظم النسوة اللاتي تحدثتُ معهن كان تأكيدهن على أنّ القانون الأوروبي الذي يقف إلى جانب المرأة هو الذي شجعهن على طلب الطلاق، ففي سوريا تُحبس المطلقة ضمن "تابو" المجتمع من جهة، وتوضع تحت رحمة الأب أو الأخ ماديًا لتأمين حياتها خاصة إذا كانت غير عاملة أو لا تملك أي مؤهلات علمية أو عمرية للعمل، فسيكون طلاقها حبسًا أبديًا لها، لا يخرجها منه سوى زواج جديد قد يكون أسوأ من سابقه.

ومن هذه التجارب تجربة السيدة رئيفة فتقول: "تزوجتُ بعمر العشرين، وعشتُ مع زوجي في سوريا لمدة ست سنوات، تحمّلت معاملته السيئة، وبعد الأحداث خرجنا إلى لبنان. ساءت أحوالنا مثل كل الناس وساءت معاملته أكثر، ضرب وإهانة لي ولأطفالنا، وبت لا أملك أي خيار سوى الصبر أكثر، ولكن عندما وصلت إلى ألمانيا وبعد أشهر قليلة، لم أتردد بالانفصال عنه، والتخلص من حياة العبودية التي عشتها معه، فهنا القانون يضمن حقوقي وحقوق أطفالي لنعيش بكرامة وسلام دون أن نحتاج أحد".

وجه آخر للطلاق

العلاقات مثل بصمات الأصابع، لا تتشابه ولا تُعمم، فكثير من الحالات لم تكن السيدات هن من طلبن الانفصال فيها، بل الكثير من الحالات جاءت برغبة من الزوج.

إذ بروي "أبو كريم" حكايته لـ"عروبة 22": "تزوجت من ابنة خالتي وكنت في بداية العشرينات من عمري، لم أحبها، لكنني عشت معها مرغمًا تحت ضغط والدتي ومجتمعنا الذي يعيب الطلاق، ويشوّه سمعة المطلقة من جهة، واتهامي بقلة الأصل كوني طلّقت قريبتي من جهة ثانية".

خرج أبو كريم من سوريا وحيدًا، حصل على حق اللجوء، ثم قام بلمّ شمل أسرته (زوجته وأولاده الثلاثة) وبعدها صارح زوجته بنيّته وانفصلا بكل هدوء واحترام وما يزال حتى اليوم يسكن في الشقة المقابلة لشقة زوجته وأطفاله، ويضيف معلّقًا: "لماذا لا نكون حضاريين بالانفصال بود، زوجتي لم تؤذني ولم أؤذها، هي أيضًا ضحية لطقوس زواج مهين للطرفين، من حقها أن تجد الشخص الذي تحبه ويحبها وتفهمه ويفهمها، كما هو حقي أن أختار الزوجة التي أرضاها عاطفيًا وفكريًا، فأنا لم أتخلّ ولن أتخلى عن واجبي تجاه أبنائي ولا عن وقوفي بجانبها فهي انسانة بيني وبينها عشرة عمر و3 أبناء".

بالمقابل، استطلعتُ الكثير من الحلات التي كان فيها الأزواج عكس "أبو كريم" تمامًا، فمنهم ما اعتبر وصوله إلى أوروبا فرصةً لخيانة زوجته علنًا... دون أي خوف لا منها ولا من المجتمع، ضاربًا عرض الحائض بعشرة العمر أو مستقبل الأولاد.


لقراءة الجزء الأول: السوريون في أوروبا: هجرة.. فزواج.. فطلاق!

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن