على هذه الصورة تخلّقت منصة "عروبة 22" في رحم إيمان متناسِل توارثته أجيال، شبّت وشابت على قيم عروبية راسخة متأصّلة لا تسقط بالتقادم، بل تسمو وتنمو في العقول على مرّ الزمن، حتى إذا ما اشتدّت المرارة وتراكمت المصائب وتعاظمت الأهوال، وازدادت الحال العربية سوءًا على سوء، وتشرذمًا فوق تشرذم، كانت الحاجة أكثر إلحاحًا إلى إعادة النظر في تشخيص مكامن الخلل ومسبّبات انعدام الوزن واختلال التوازن في الجسم العربي، توصّلًا إلى تعبيد جسر العبور المنشود من ضفة الهوان والترنّح إلى ضفة الاستنهاض والتعافي.
هذه الاستهلالية ليست بصدد الغوص في شرح أو تشريح أيّ تفصيل من تفصيلات تصدّعات الواقع العربي، فلهذه المهمّة أربابها من المفكّرين والمتخصّصين العرب، إنما هي تأطيرٌ عام لفكرة "عروبة 22" بوصفها منصّة استعادة الإيمان بالذات العربية، منصّة المصالح العربية التي تجمع لا المصالح الفئوية التي تفرّق، منصّة الشباب العربي والمرأة العربية، منصّة الأجيال العربية المخضرمة والصاعدة، منصّة الإنسان العربي بثقافته وهويته وتاريخه وحاضره ومستقبله، منصّة مستقلة جامعة "لكلّ العرب" أخذت على عاتقها، بمجلس أمنائها وكوادرها وكتّابها، واجب إعادة تشكيل الوعي العربي في مواجهة التحديات المتراكمة والمترامية على امتداد الخريطة العربية.
"عروبة 22" تطمح إلى تأطير ترجمات مفهوم العروبة ضمن إطار علميّ عمليّ ناظم للمصالح والمشتركات
لا نملك ترف إهدار المزيد من الوقت والفرص، ولا تتملّكُنا سكرة "الليلة وضحاها" في تغيير الواقع، لكن ما نملكه ويتملّكُنا هو فعل انتماء إلى وطن عربي نريد أن تتوفّر لأبنائه مقوّمات الحياة لا مسبّبات الموت، وطن لا تضيق بأبنائه حدود البطالة والعوز والفقر وانعدام الثقة بالغد، بل تتّسع حدوده لتضافر الجهود والموارد والطاقات في خدمة التكامل والحداثة، والمواءمة في ميزان الحسابات العربية بين كفّتيّ الإنماء والانتماء.
لإعادة ضبط مفاهيم العروبة على توقيت حداثي يماشي سرعة التطوّر ويواكب متطلّبات العصر
لطالما شكّل مفهوم "العروبة" مرادفًا لفكرة وجدانية جارفة للقلوب جيّاشة للعواطف، لكن ما بقي عصيًّا هو عقلنة هذا المفهوم وتأطير ترجماته ضمن إطار علميّ عمليّ ناظم للمصالح والمشتركات، يأبى التخندق والتقوقع خلف حدود عصبيات وجهويات جغرافية، ويحرص في الوقت عينه على احترام حدود الخصوصيات والتنوّع من منطلقات ترى ما يغني، لا ما يلغي، في اختلاف الطبائع والأطباع بين الأعراق والأكثريات والأقليات.
تحت مظلة "عروبة 22" مروحة أهداف واسعة تتحلّق في مجملها حول مهمّة مركزية واحدة: إعادة ضبط مفاهيم العروبة على توقيت حداثي يماشي سرعة التطوّر ويواكب متطلّبات العصر، ويحاكي على وجهٍ أخصّ تطلعات الجيل العربي الشاب في استرجاع حقوقه المسلوبة والمهدورة في التنمية والاقتصاد والعِلم والعمل، يقينًا بأنه لا يوجد بلدٌ عربيّ فقير بل شعبٌ عربيّ أفقرته الإدارة الفاشلة لموارده.
المطلوب الارتقاء بالمنطقة العربية من جغرافيا "المكان" إلى جيوستراتيجيا "المكانة"
بخطوة أولى على طريق الألف ميل، تنطلق "عروبة 22" اليوم في رحلة تشريح واقع الإنسان العربي ومحاولة صقل كينونته، فكريًا وحضاريًا واقتصاديًا واجتماعيًا وتربويًا وثقافيًا وتكنولوجيًا، على أرضية تنموية نهضوية توصد أبواب الهجرة والتهجير وتشرّع فرص التقدم والمنافسة في سوق الابتكار والانتاج والعمل العربي المشترك.
ليست مهمّة سهلة لكنها ليست مستحيلة...
شرطُ نجاحها الوحيد: إيمانٌ عميق بأنّ لدينا من المصالح والمقدرات والقدرات ما يمكّننا من الارتقاء بالمنطقة العربية من جغرافيا "المكان" إلى جيوستراتيجيا "المكانة" على خريطة العالم، إيمانًا بأنّ "الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم".
وشرطُ فشلها وحيد أيضًا: الاستمرار في المكابرة وعدم الإقرار بإخفاقاتنا وفشلنا، والتهرّب من تظهير مشاكلنا وعيوبنا بتجرّد وأمانة، فنبقى نندب وننتحب على أطلال بكائيات الهوان العربي، نردّد قول الإمام الشافعي: نعيب زماننا والعيبُ فينا... وما لزماننا عيبٌ سوانا.
بسام النونو - رئيس تحرير منصّة "عروبة 22"