يوم الجمعة قبل الماضي أصدر البرلمان الأوروبي بيانا ينتقد فيه ما اعتبره انتهاكا لحقوق الإنسان في مصر وتكميما لحرية الرأي والتعبير.
وفي اليوم التالي نفذت المقاومة الفلسطينية عملية نوعية غير مسبوقة ضد مواقع عسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي ومستوطناته، فانتفضت غالبية العواصم الأوروبية ومعها الولايات المتحدة للتضامن مع إسرائيل، ونددوا بما أسموه «الإرهاب والإرهابيين الفلسطينيين»، مؤكدين دعمهم الكامل لإسرائيل.
لا أعتقد أن هناك تناقضا وازدواجا في المعايير ونفاقا أكثر مما تفعله الولايات المتحدة وأوروبا وكل الدول الداعمة لإسرائيل.
الموقف الأمريكي كان هو الأكثر انحيازا لإسرائيل، وبادر الرئيس الأمريكي جو بايدن بالاتصال برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بعد العملية مباشرة، مؤكدا استعداد بلاده لتزويد إسرائيل بكل ما تحتاجه للانتصار في هذه المعركة وأعلن إرسال حاملتي طائرات لإسرائيل محذرا أي دولة من دعم المقاومة. وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستر زار إسرائيل وأكد أن الجيش الأمريكي سيضمن حصول إسرائيل على كل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها. أما وزير الخارجية أنتوني بلينكن فقد زار إسرائيل وقال إنه جاء باعتباره يهوديا لدعم إسرائيل في محنتها.
ونفس المنطق ينطبق إلى حد كبير على أوروبا، إذا قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل إن الاتحاد الأوروبي يقف متضامنا مع إسرائيل في هذه اللحظة «المروعة».
وبدوره قال جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد: «ندين بشكل لا لبس فيه هجمات حماس، ويجب أن يتوقف هنا العنف المروع». ولا أعرف لماذا لم يدر في خلد كل من ميشيل وبوريل اللحظات المروعة التي يعيش فيها الفلسطينيون منذ عام ١٩٤٨ حتى عام ١٩٦٧، ولماذا لا يطالبون إسرائيل بوقف العنف المروع ضد الفلسطينيين؟!
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال: «نتضامن تماما مع الضحايا وعائلاتهم، ونتمسك بأمن إسرائيل!».
ولا أعرف لماذا لا يتضامن ماكرون مع ضحايا العدوان الإسرائيلي المستمر على الفلسطينيين، رغم أنه يحاضرنا كل يوم عن حقوق الإنسان؟
وزير الخارجية البريطانية جيمس كليفرلي قال إن بلاده ستساند على الدوام حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وسافر فورا إلى الأرض المحتلة للتضامن بشكل عملي. وموقف بريطانيا منطقي وطبيعي فهي التي زرعت إسرائيل في المنطقة ودعمتها طوال الوقت.
ونفس المنطق كررته الحكومة الإيطالية مُدينة ما أسمته «الترهيب والعنف ضد المدنيين الأبرياء وأن هذا الترهيب لن ينتصر أبدا». ولا نعرف أيضا لماذا لا تدين إيطاليا الترهيب الإسرائيلي المستمر كل يوم بحق المدنيين الفلسطينيين؟!
وزيرة الخارجية الألمانية أنالنيا بيربوك قالت إن بلادها تتضامن تماما مع إسرائيل وتؤكد على الذى يضمنه القانون الدولي في الدفاع عن نفسها».
وطالبت وزارة الخارجية الهولندية بتوقف العدوان فورا.
أما أغرب إدانة فقد جاءت من أوكرانيا حيث استنكرت وزارة خارجيتها الهجمات المستمرة على إسرائيل، وأعربت عن دعمها لإسرائيل في حقها في الدفاع عن نفسها وشعبها. ولا أستطيع أن أصف مدى الحماقة في هذا البيان، فإذا كانت أوكرانيا تشكو من غزو واحتلال لأراضيها، فكيف تدافع عن إسرائيل وهي تحتل معظم أراضي فلسطين منذ عام ١٩٦٧؟!
وفي كندا قال رئيس الوزراء جاستين ترودو: «إلى أصدقائنا الإسرائيليين: الكنديون معكم. إن حكومتنا جاهزة لدعمكم». وأضاف أنه تخليدا لذكرى اليهود القتلى، فقد أمر بتنكيس الأعلام الوطنية لكندا على مباني البرلمان في أوتاوا، وإضاءة البرج الرئيسي لهذا المجمع بأضواء زرقاء وبيضاء ترمز إلى ألوان العلم الإسرائيلي!!!».
أما حلف الناتو فقال إن الإرهاب الفلسطيني تهديد جوهري للمجتمعات الحرة ومن حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها.
ومن الغريب أن الحلف يتناسى أن القانون الدولي أدان الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة منذ يونيو ١٩٦٧، لكن قانون الغاب هو الذي يمنع تنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
من يتأمل تفاصيل المواقف الغربية من الانحياز الفج لإسرائيل سيدرك بوضوح لماذا تشعر غالبية الشعوب العربية والإسلامية بمشاعر عدائية تجاه السياسات الغربية، وربما يفسر ذلك أيضا الموقف الشعبي العربي غير المتعاطف مع الموقف الغربي في أوكرانيا، بل وربما سر التعاطف مع روسيا.
ما قاله المسئولون الغربيون طوال الأيام الماضية جدير بالتسجيل حتى يدرك الجميع مدى الانحياز الأعمى لإسرائيل على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
ختاما لا تلوم أوروبا والولايات المتحدة إلا نفسها حينما تتفاجأ بأجيال فلسطينية وعربية ومسلمة يائسة تماما، وهي تلجأ لكل الوسائل من أجل تحرير أرضها خصوصا أن القوانين الدولية التي وضعتها الدول الغربية تعطي كل شخص أو دولة احتلت أراضيها الحق في الدفاع عن نفسها.
("الشروق") المصرية