قضايا العرب

استهداف الصحافيين... لتغييب "الرواية الفلسطينية"

تونس - فاطمة البدري

المشاركة

تتعمّد قوات الاحتلال الصهيوني استهداف الصحافيين والمؤسسات الإعلامية في قطاع غزة وقطع خطوط الانترنت والاتصالات للتعتيم على الجرائم الإسرائيلية اليومية ضدّ المدنيين في القطاع وطمس الرواية الفلسطينية لما يجري مقابل تمرير الرواية و"البروباغندا" الإسرائيلية. وهو توجّه أسفر حتى الآن عن استشهاد عدد من الصحافيين وجرح آخرين وتدمير عدة منشآت إعلامية منذ بدء عملية "طوفان الأقصى"، في الوقت الذي يحاول فيه الإعلام الغربي تمرير أنباء مغلوطة لتبرير الجرائم الإسرائيلية ووضعها في خانة "الدفاع عن النفس".

استهداف الصحافيين... لتغييب

لا تتوقف الأمور عند التقتيل والتدمير، إذ تشنّ عدة صفحات عبرية حملات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد عدد من الصحافيين الفلسطينيين تتراوح بين التهديد والتحريض ضدهم. ومن بين هؤلاء الصحافيين مثنى النجار الذي حرّضت بعض الصحف العبرية على تصفيته وتصويره على أنه "إرهابي". كما استهدفت غارة جوية إسرائيلية، منزل أسرته في بلدة بني سهيلا قرب مدينة خان يونس، جنوب شرقي قطاع غزة، ونجوا منها بأعجوبة.

كذلك تعرّضت مقار المؤسسات الإعلامية العاملة في قطاع غزة للقصف، سواء كانت صحفًا أو مواقع إلكترونية ووكالات أنباء أو قنوات تلفزة وإذاعات، إذ تُضاعف إسرائيل من عمليات استهداف الصحافيين من أجل تغييب "الرواية الفلسطينية" لما يجري من جرائم حرب إسرائيلية. وفي المقابل تمرّر روايتها الخاصة للأحداث مستفيدةً من حالة التعاطف الغربي الكبير معها وحالة الجنون التي أصابت إعلام الغرب الذي بلغ حد تمرير معلومات مفبركة اعتذر بعضهم عنها لاحقًا، على غرار صحافية الـ"سي ان ان" الأمريكية، ونشرهم صورًا للدمار والضحايا والأطفال المصابين في غزّة على أنها من المآسي التي حدثت في إسرائيل!

هذا المخطّط الإسرائيلي يسير بخطى حثيثة على الأرض، أمام اضطرار بعض المؤسسات الإعلامية في غزّة للتوقف عن العمل، في ظلّ نفاد الوقود لتشغيل مولّدات الكهرباء والانقطاع الطويل لشبكة الإنترنت عن القطاع، الأمر الذي يجعل حتى الفضائيات العربية والدولية الموجودة في غزّة مهدّدة هي الأخرى بالتوقف عن العمل بسبب خطورة الوضع الأمني وانقطاع الكهرباء والانترنت حسب تصريحات نقابة الصحافيين الفلسطيننين (الخميس 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري).

الصحافية الفلسطينية "هداية" العاملة في وكالة "سند" للأنباء في غزّة تقول لـ"عروبة 22": "التغطية صعبة جدًا... هذا أكثر عدوان يجد فيه الصحافيون صعوبة كبيرة للوصول للمعلومة بسبب ظروف التغطية الصعبة في ظل قطع الكهرباء وانقطاع شبكة الانترنت في بعض المناطق، بالإضافة إلى الخوف الأمني لأنك قد تأتي لتنقل خبرًا فتصبح أنت الخبر، وهذا ما حدث مع أكثر من عشرة زملاء سقطوا شهداء، إذ لا تحول البزّة الصحافية ولا أي شيء يدل عن كونك صحافيًا دون إمكانية أن تُستهدف. فهناك عشرات الجرحى من الصحافيين فضلًا عن استهداف للمؤسسات الصحفية، على غرار مقرّ عملي بغزة الذي تضرّر، فالوضع صعب بالفعل، حتى أنني اضررت إلى قطع التغطية من أجل أن أبقي على جهازي مشحونًا ليوم إضافي بفعل انقطاع الكهرباء".

غير أنها تشدد في المقابل على أنّ "صمود الصحافة في قطاع غزة ونجاحها في إبراز أشكال الاستهداف الإسرائيلي، يُعتبر في حد ذاته إنجازًا هامًا من شأنه أن يحافظ على وجود الرواية الفلسطينية للأحداث ووصولها للعالم"، وتضيف: "نحن سنواصل جهدنا لإيصال رسالتنا حتى آخر رمق. والواقع الراهن لن يغيّر من حقيقة أنّ رواية الاحتلال كاذبة وإن كان للأسف ينجح في نشر "بروباغاندا" إعلامية عبر شبكات إعلامية دولية أمريكية وبريطانية وغيرها، ولذلك علينا كصحافيين ومؤثّرين أن ننشر الرواية المضادة لما يروجّه الاحتلال عبر قنوات ومنصات دولية وبلغات أخرى أيضًا لإيصال حقيقة ما يجري إلى العالم".

وكان وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو كرعي قد أعلن مساء الجمعة الـ13 من تشرين الأول/أكتوبر، عن اتخاذ قرار بوقف تقديم خدمات الانترنت للشركات في قطاع غزة وحظر كافة أنواع الخدمات التي يقدّمها مزوّدو خدمة الإنترنت الإسرائيليون لغزة. كما سبق وأعلن وزير الطاقة الإسرائيلي عن قطع خطوط الكهرباء المغذية للقطاع، من الجانب الإسرائيلي المتمثلة في 120 ميغاوات رغم أن القطاع يحتاج إلى 500 ميغاوات من الكهرباء يوميًا.

وقال نقيب الصحافيين الفلسطينيين، ناصر أبو بكر، إن "الاستهداف الإسرائيلي المتواصل للصحافيين وقطع شبكة الإنترنت ووسائل الاتصالات، هو مخطط مدروس بهدف عزل قطاع غزة وتغييب الأصوات التي تروي وتنقل تفاصيل الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين".

وحسب بيان نقابة الصحافيين الفلسطينيين فقد تم تدمير 50 مقرًا ومركزًا لمؤسسات إعلامية وحوالى 20 منزلًا للصحفيين بشكل كامل أو جزئي، نتيجة القصف على غرار "شبكة الاقصى" الاعلامية وكالة "معًا" الاخبارية ووكالة "سوا" وكالة "شهاب" و"صحيفة القدس" وإذاعة "بلدنا" وإذاعة "زمن" ووكالة "الوطنية" ووكالة "خبر" وصحيفة "الأيام" وشركة "إيفينت" للخدمات الإعلامية ومؤسسة "فضل شناعة" و"إذاعة القرآن الكريم" ووكالة "شمس نيوز" ومكتب وكالة "APA" ومكتب شبكة "الجزيرة" وتلفزيون "فلسطين" ومكتب "الوكالة الفرنسية".

وتجدر الإشارة إلى أنّ مجمل شركات الاتصالات والإنترنت الفلسطينية مرتبطة بشكل مباشر بالبنية التحتية لشبكة الاتصالات الإسرائيلية المركزية في يافا وحيفا المحتلّتين، في ظل عدم امتلاك شركات الاتصالات الفلسطينية نقاط تزويد من الكابلات البحرية، فلا سلطة لها على الساحل البحري الفلسطيني المحتل، باستثناء غزّة، التي تفتقر هي الأخرى لسلطتها على مياهها الإقليمية. علمًا أنّ "الاتفاق الانتقالي بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة" الذي يُعرف باسم "اتفاق اوسلو 2" الموقّع في سبتمبر/أيلول 1995 يمنح الفلسطينيين صلاحية امتلاك قطاع الاتصالات والانترنت وشبكات بثّ أخرى. إذ ورد في نص الاتفاق: "تعتبر إسرائيل أنّ الجانب الفلسطيني يملك الحق في بناء وتشغيل أنظمة اتصالات منفصلة ومستقلة وبنية تحتية بما في ذلك شبكات الاتصالات وشبكة التلفزيون وشبكة الإذاعة". لكن كل هذا بقي حبرًا على ورق.

ولا تتوقف خطط وممارسات الاحتلال عند التضييق والتحكّم بشبكة الاتصالات والانترنت فحسب، بل تعمد على مدار العمليات العسكرية التي شنّتها ضد قطاع غزة خلال السنوات الماضية إلى إتلاف العديد من أجزاء البنية التحتية ومقاسم توزيع خدمات الاتصالات والانترنت في غزة.

ففي أغسطس/آب 2011 قامت جرافات اسرائيلية بقطع مجموعة أسلاك على عمق  8 أمتار – 20 مترًا تحت الأرض قرب منطقة "ناحل عوز" تعمل على تزويد أبراج البثّ في قطاع غزّة. وفي عدوان 2008 قصفت قوات الاحتلال أبراج الاتصالات وتوزيع الانترنت في القطاع، كما حال الحصار دون استقدام معدات وأجهزة لغزّة بقصد تشغيل خدمة الجيل الثالث في 2013، وفي العام 2022 اقترحت الإدارة الأمريكية، بعد زيارة الرئيس الأمريكي لبيت لحم، أن يتمّ منح الفلسطينيين صلاحيات إدخال وتشغيل شبكتي الجيل الرابع والخامس في الضفة الغربية وغزة، إلا أنّ هذه المساعي ظلت كلها معطّلة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن