يوماً بعد يوم، من أيام العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، وتواصل الصمود الفلسطيني المليء بالعزة، تتكشف المؤامرة الكبرى والتي تقودها الولايات المتحدة وتوابعها من دول الاتحاد الأوروبي، لتصفية القضية الفلسطينية، بعد شيطنة المقاومة، ومحاولة محو هويتها، وتشويه صورتها في أوساط الرأي العام الغربي، وإلصاق تهمة «الإرهاب»، بعملياتها النضالية، وأعمالها البطولية.
ولا يحتاج الأمر إلى نظر عميق، وبحث دقيق، أو جدال، أو سجال، لإثبات الاختلال، في الموقف الأمريكي، المؤيد لهذا العدوان على الشعب الفلسطيني.
فالتصريحات الصادرة من الرئيس الأمريكي «بايدن» ووزير خارجيته اليهودي «بلينكن» تؤكد عدم وجود أي انضباط أخلاقي، أو ضبط سياسي، أو ضابط إنساني، ولا أية ضوابط قانونية في موقف الإدارة الأمريكية، تجاه مخطط الإبادة الجماعية التي تنفذها الحكومة الإسرائيلية، لطمس كل ما هو فلسطيني، وكل من له علاقة بالمقاومة.
بالإضافة إلى محاولة فرض واقع إسرائيلي على الأرض، في قطاع غزة، يعمل على تفكيك القضية الفلسطينية، وتصغيرها، وتصفيرها بل وتصفيتها، عبر تهجير الفلسطينيين خارج قطاعهم المحتل، وتشريدهم خارج الوطن الفلسطيني، بعيداً عن القطاع المقطوع الأوصال!
ولم تكن الولايات المتحدة بحاجة لإظهار هذا الكم الهائل من التواطؤ المفضوح، مع الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
فهذه الانتهازية الأمريكية، ليست سراً من أسرار الكون، ولا تعتبر أمراً جديداً، لأن كل الإدارات المتعاقبة، التي حكمت «البيت الأبيض»، أظهرت وقوفها إلى جانب إسرائيل سياسيا، وتأييدها عسكرياً، ودعمها اقتصادياً.
لكن الجديد المتجدد، في الموقف الأمريكي الحالي، هو تحول الرئيس «بايدن» إلى بوق إسرائيلي، عبر تبني الخطاب الصهيوني، وكأنه الناطق الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية!
وتمثل تصريحات الرئيس الأمريكي عن أحداث فلسطين المروعة، حالة مخزية من حالات غياب الضمير، وإنكار القيم الإنسانية، ومبادئ حقوق الإنسان، ومواد القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، ويكفي تصريحه الذي أكد فيه أنه لو لم توجد إسرائيل لأوجدناها.
ويشكل «الرئيس بايدن»، في انحيازه الماجن لإسرائيل، محاولة ممجوجة، لإقصاء الفلسطينيين من الحياة، ومن الوجود، ومن الأرض، ومن الحضور، ومن الحاضر والمستقبل، ومن الوطن الفلسطيني المحتل.
وبدلاً من سعي الولايات المتحدة للظهور كوسيط دولي نزيه، وسعيها لإيجاد حل سياسي شامل ودائم وعادل للقضية الفلسطينية، يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، ويرتكز على القوانين الدولية، نجدها تدعم الإرهاب الصهيوني، وتشجع العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني، الذي أدى خلال الأسبوعين الماضيين إلى سقوط أكثر من (2055) طفلاً شهيداً.
أما الأطفال الذين نجوا من نيران القصف العشوائي، ولهيب الحرائق، فإنهم يعانون من صدمات نفسية وحالات عصبية، بعدما أصبحوا أيتاماً بلا عائل، بعد فقدانهم عائلاتهم التي رحلت عن عالمنا.
ولا أنسى استشهاد أكثر من (5087) شهيداً، بينهم (1119) امرأة، بالإضافة إلى أكثر من (15273) مصاباً.
وهكذا، ونحن نتابع «المصاب الفلسطيني» الجلل الذي أصابنا بكثير من العلل، تواصل إسرائيل حملات التدمير وعمليات التهجير والتشريد في قطاع غزة، استناداً إلى «الضوء الأخضر» الساطع من البيت الأبيض في واشنطن.
وها هي تفعل كل ما تريد في مخططها الشيطاني ضد الشعب الفلسطيني، وتواصل عدوانها الوحشي، وانتقامها الهمجي على الفلسطينيين، دون أن نسمع من الإدارة الأمريكية كلمة انتقاد واحدة، أو إدانة انتهاكاتها للقانون الدولي!
والمعيب، أن الدعم الأمريكي المريب لإسرائيل وصل إلى درجة أن وزير خارجية الولايات المتحدة «أنتوني بلينكن» يتباهى بأصله، ويتفاخر بنسبه، ويؤكد يهوديته، ويعلن في «تل أبيب»، خلال زيارته «التضامنية» أنه أتى إليها بصفته مواطنا «يهوديا»، وليس كوزير خارجية دولة عظمى، يفترض أن يقوم بدبلوماسية نشطة لوقف الحرب والقصف العشوائي، وعمليات العنف الدموي.
ووصلت به الحالة اليهودية المتورمة، والنرجسية المتضخمة، لدرجة أن تدمير غزة على رؤوس ساكنيها الأعزاء، وقتل سكانها الأبرياء، وتشريد أهلها الأوفياء، لم يحرك ساكناً في كيانه، ولم يوقظ ذلك الشيء «الظلامي» في داخله، الذي يسمونه الضمير الإنساني!
ولأن الطبع اليهودي يغلب على التطبع، ولا أقصد «التطبيع»، نجد وزير الخارجية الأمريكي يدعم الغطرسة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، ويشجع العربدة الإسرائيلية في قطاع غزة، دون أن يسعى لتجنيب المدنيين الفلسطينيين تبعات القصف العشوائي الإسرائيلي، ودون أن يعمل من أجل خفض التصعيد العسكري الذي يستهدفهم، وهو ما أثار حفيظة الكثير من موظفي خارجيته الذين أبدوا استياءهم من تعامله مع هذا الملف، ومن التعامل الهمجي مع الفلسطينيين بوجه عام، ووصل الأمر إلى أن يعد الموظفون رسالة ينتقدون فيها تجاهل وزارتهم التام لمعاناة المدنيين الفلسطينيين، وقد أقر بلينكن بالفعل بالأثر العاطفي الذي تركته هذه الحرب على موظفيه، ولم يقف الأمر عند وزارة الخارجية، حيث يشهد الكونجرس حاليا تزايدا في الاستياء، وقد قام حوالي 400 موظف بالتوقيع على خطاب يدعو لدعم وقف إطلاق النار.
ولعل ما يثير الامتعاض هو دخول «ريشي سوناك»، بصفته رئيس وزراء بريطانيا على خط الأزمة، ومشاركته في حفلة الانتهازية الغربية، واتهامه للمقاومة الفلسطينية بأعمال «الإرهاب»!
وما دام مهتماً ـ ولن أقول متهماً ـ بفتح ملف الأعمال «الإرهابية» المروعة في الشرق الأوسط، من الضروري أن يحدثنا عن الفظاعات، والانتهاكات الحقوقية التي ارتكبها الجيش البريطاني خلال غزو العراق.
هناك في «بلد الرشيد»، خلال غزو الإنجليز بلاد الرافدين، انتهكوا الحقوق، وقتلوا الأبرياء، واعتدوا على النساء، وعذَّبوا المعتقلين، وأرهبوا كل العراقيين!
ولا أعتقد أن «ريشي سوناك»، يملك «ذاكرة نملة» ليتجاهل تورط القوات البريطانية، في جرائم الحرب واسعة النطاق، والانتهاكات الجسيمة، التي ارتكبها جنودها خلال احتلال العراق، من مارس 2003، حتى مايو 2009، وتمثلت في الاعتداءات على العراقيين، واعتقالهم قسرياً، واحتجازهم بشكل غير قانوني، وإساءة معاملتهم، وتعذيبهم في سجن «أبو غريب»!
والغريب أنه رغم كل هذه الحقائق الموثقة، لم تبادر الحكومة البريطانية بفتح تحقيق جنائي محلي لمساءلة المتورطين.
بل على العكس، تدخلت بشكل سافر في مسار العدالة، وضغطت لإغلاق التحقيق الجنائي المفتوح في المحكمة الجنائية الدولية!
وأريد إبلاغ «ريشي سوناك»، وأنا أهز رأسي يميناً ويساراً، على طريقة «أميتاب باتشان» وزميله «شاروخان»، أن بريطانيا استندت على «كذبة كبرى» لغزو العراق، روَّجها الرئيس الأمريكي الأسبق «بوش».
وقام جنود الدولتين بأعمال إرهابية مروعة ضد العراقيين، وانتهاكات بشعة بحق المدنيين، دون أي اعتذار، أو اعتبار لمنظومة «حقوق الإنسان» التي يتبجحون بها!
بل على العكس من ذلك، كانوا يرسخون خلال غزوهم غير الشرعي وغير القانوني للعراق، منهجهم الاستعماري، القائم على إثارة المصائب وكثرة المصاعب للشعوب.
ولا أنسى قيام «الأمير هاري»، نجل الملك تشارلز، حفيد الملكة اليزابيث، بأبشع «عمل إرهابي» فردي، عندما اعترف في مذكراته، التي نشرها بعنوان «سبير» أي «الاحتياطي»، أنه قتل (25 أفغانياً) بدم بارد، خلال خدمته العسكرية في أفغانستان، مشبهاً ذلك بإزالة «قطع شطرنج من فوق اللوح»!
وفي إطار «لعبة الشطرنج» القذرة التي تمارسها بريطانيا «العظمى»، وكشفت خلالها ادعاءاتها الكاذبة عن حقوق الإنسان، ودورها في إشعال الحروب، وسرقة ثروات الشعوب، وتأجيج الصراعات في المنطقة، أتوقف عند ذلك الوعد المشؤوم الذي أطلقه «أرثر بلفور» وزير الخارجية البريطاني في رسالته الموثقة بتاريخ الثاني من نوفمبر 1917، بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين!
لقد شَكَّلت تلك الرسالة أبشع دعم بريطاني رسمي لانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني الذي كان يشكل الأغلبية العظمى من السكان المحليين في فلسطين المنكوبة.
وأريد أن أسأل «ريشي سوناك» رئيس وزراء بريطانيا، باللغة «السنسكريتية» التي يفهمها، وأنا أهز رأسي يميناً ويساراً مجدداً:
ألا يعتبر ذلك الوعد شكلاً من أشكال «الإرهاب الدبلوماسي»، الذي تسبب في اندلاع الصراع العربي الإسرائيلي؟!
ومشكلة هذا «البريم منستر»، الذي وصلت شعبيته إلى أدنى مستوياتها منذ توليه رئاسة الحكومة البريطانية قبل عام تقريباً أنه يريد أن يثبت للعالم أنه إنجليزي أكثر من الإنجليز!
ولهذا فهو يزايد عليهم في كل التوجهات والاتجاهات والملفات، وآخرها موقفه المعلن، ولا أقول الملعون، سيراً على خطى بلفور، عندما أعلن خلال زيارته «التضامنية» إلى «تل أبيب»، أنه فخور بالوقوف مع نتنياهو في أحلك أوقات إسرائيل كصديق لليهود.
.. وأنه سيقف متضامناً معهم، ومع شعبهم، وأنه يريدهم أن ينتصروا، دون أي احترام للقانون الإنساني، ودون أي التزام بمواد القانون الدولي، التي تنص على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.
("الشرق") القطرية