صحافة

غزّّة ونمط التعامل الدولي

محمد خلفان الصوافي

المشاركة
غزّّة ونمط التعامل الدولي

الموقف الدولي المخجل تجاه ما يحصل مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة خلال هذه الأيام، يدعو إلى الاستغراب والاستفهام بل إلى أهمية إعادة التفكير حول نمط التعامل الدولي في القضايا التي تتداخل فيها: القضايا الإنسانية مع المغامرات السياسية التي تقوم بها بعض الحكومات والحركات السياسية.

وإلا فإن ما يحصل حالياً من التضحية بالمدنيين أمر علينا أن نتوقعه وبأنه سيتكرر لاحقاً لأنه هو «الحلقة الأضعف» في مثل هذا النوع من الصراعات، وبالتالي سيستمر المجتمع الدولي في هذه الدوامة دون معرفة نهاية للجرائم ضد الإنسانية.

الدول الكبرى في النظام الدولي هي المسؤولة عما يحدث من تجاوز الحكومة الإسرائيلية، فطريقة مواقفهم أقرب إلى أنها تدعم الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد مدنيي قطاع غزة والتي شارفت على الدخول في أسبوعها الرابع.

وتزداد هذه المسؤولية عندما نتذكر أن القيم الإنسانية وأهمية الحفاظ عليها هي من صناعة المجتمعات الغربية التي تتبع هذه الدول لكن في صمتها الحالي عما تفعله الآلة العسكرية الإسرائيلية لا تقل في خطئها عن جريمة اختراق حركة «حماس» للقانون الدولي وعبورها الحدود الإسرائيلية واختطافها المدنيين الإسرائيليين وترويع الآمنين منهم.

هناك محاولات يمكن وصفها بالمشرفة على مستوى شعوب العالم، ومعها مساعٍ سياسية ودبلوماسية قامت بها بعض حكومات العالم وعلى رأسها الدول العربية التي حضرت قمة السلام التي استضافتها مصر يوم السبت الماضي.

لكن يبقى المؤثر الأول في النظام الدولي من حيث إيجاد مخرج عملي وحلحلة الأزمة الممتدة، هم من يطرحون أنفسهم من واقع مجلس الأمن الدولي السلطة الدولية العليا، مسؤولية الحفاظ على الأمن والسلام العالميين وإلا فإن شعور بعض الشعوب بالغبن وفقدان الأمل سيعيد عالمنا إلى مرحلة ما قبل قيام الأمم المتحدة، من قرابة ثمانية العقود.

إن وجود القانون الدولي كمنظم للعلاقات بين الفاعلين في النظام الدولي أمر مهم، كما لا يمكن التقليل من أهمية وجوده وإلا سيعاني الجميع من الفوضى الأمنية، وحتى لا نكون «مثاليين».

فالقانون الدولي ليس منصفاً في كل الأوقات ولكن وجوده مهم. بالإضافة إلى أن وجود القانون الدولي الإنساني الذي تم إقراره من أجل حماية المدنيين أثناء الحروب والصراعات ووقف الانتهاكات والجرائم التي يقوم بها المعتدي تستوجب من الدول الكبرى عدم التساهل مع المعتدي وفي حالتنا المقصود هو إسرائيل تحت مبرر «حق الدفاع عن النفس» خاصة أن الحملة العسكرية الإسرائيلية لم تستثنِ حتى المستشفيات أو المؤسسات المدنية.

ما يحدث مع الشعب الفلسطيني عموماً ومع مدنيي قطاع غزة تحديداً هو نتيجة لقصور تطبيق القانون الدولي بمعاهداته واتفاقياته وأعرافه في جانب واضح ومحدد وهو من شقين. الشق الأول: حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس الشرقية. أما الشق الثاني هو: إلزام الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في تنفيذ الشق الأول وإلا كان الأمر البقاء للأقوى.

فالتعنت الإسرائيلي في منح الفلسطينيين حقهم الذي أقره القانون الدولي وإغلاق أملهم المنشود هو ما يعطي مبرراً لكل مغامر سياسي على الاستفادة من الوضع لإثارة مشاعر السكان والعاطفة الدينية والقومية التي تعقد أي محاولة للوصول إلى تفاهم سياسي.

قصص ازدواجية المعايير في النظام الدولي لتحديد من هو المجرم أو الإرهابي معروفة لدى الجميع لكن أن تصل مشاعر السياسيين الغربيين إلى حالة الجمود في الجرائم الإنسانية المرتكبة بحق المدنيين العزل والأطفال تحت مبرر الدفاع عن النفس وهي عبارة فضفاضة أمر يدعو إلى القلق على: مساعي التسامح الإنساني والتعايش السلمي بين الشعوب.

("البيان") الإماراتية

يتم التصفح الآن