هذا يعني أنّ المنح الأمريكية لهذا الكيان ستبلغ 17,8 مليار دولار هذا العام، بواقع 1816 دولارًا للفرد. ولإدراك هول تلك المساعدة فإنّ بلدًا مثل المغرب لو حصل على مساعدات مماثلة مع وضع عدد السكان في الاعتبار، فإنه من المفروض أن يحصل على أكثر من 67 مليار دولار في عام واحد. ووفقًا للمعيار نفسه فإنّ مصر من المفروض أن تحصل على نحو 196 مليار دولار.
المذهل أنّ الكيان الصهيوني يصنّف منذ بداية تسعينيات القرن الماضي على أنه ضمن دول الدخل المرتفع وفقًا للمؤسسات المالية الحكومية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدوليين، حيث تكفّلت جبال المساعدات من مختلف المصادر، وبالأساس من الولايات المتحدة وألمانيا والجباية اليهودية، بتحويله من كيان بائس إلى واحد من أغنى جزر الثراء في العالم بشكل مصنوع وليس بعمل وعلم السكان في هذا الكيان. ورغم ذلك فإنه ما زال أكبر متلقي للمنح في العالم حتى الآن باستثناء عامي 2022 و2023 حيث حصلت أوكرانيا على مساعدات أمريكية وأوروبية هائلة لغرض استنزاف روسيا.
الاقتطاع من حقوق فقراء أمريكا لإعانة كيان فاحش الثراء
والمسخرة الحقيقية أنّ أفقر 10% من السكان في الولايات المتحدة وهُم حوالى 33,5 مليون نسمة يحصلون على 1,9% من الدخل القومي الأمريكي. ومتوسط نصيب الفرد منهم من الدخل حوالى 15285 دولار، أي أقل من 29% من متوسط نصيب الفرد من الدخل في الكيان الصهيوني!!، وأي عاقل سيجد أنّ هؤلاء الفقراء في الولايات المتحدة بالمعايير الأمريكية، هُم الأولى بالمساعدات التي يتم منحها بسخاء للكيان الصهيوني الثرِي بلا مبرّر حاليًا سوى تحويله لغول عسكري يرهب دول الجوار العربي والإقليمي، وجزيرة ثراء خيالي تغري اليهود للهجرة إليها.
وإن كان تنطع الكيان الصهيوني نفسه واستغلاله لأي أزمة لطلب مساعدات وابتزازها من الولايات المتحدة هو سلوك معتاد من ذلك الكيان الغاصب الذي تأسّس بالاغتصاب ويستمر بالعدوان ممولًا بجبل من المساعدات الغربية.
المعونات جعلت الكيان الصهيوني أغنى من أوروبا واليابان!
تشير بيانات صندوق النقد الدولي في تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في أكتوبر 2023، إلى أنّ متوسّط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الكيان الصهيوني بلغ 53196 دولارًا عام 2023، مقارنةً بنحو 52824 دولارًا للفرد في ألمانيا، ونحو 33950 دولارًا للفرد في اليابان، ونحو 46315 دولارًا للفرد في فرنسا، ونحو 37146 دولارًا للفرد في إيطاليا، ونحو 48913 دولارًا للفرد في بريطانيا، أي أنه صار أغنى من كل هؤلاء الأثرياء. ورغم ذلك يتلقى منحًا سنوية ضخمة من الولايات المتحدة ومن ألمانيا ومن صهاينة العالم أيًا كانت دياناتهم!
وكانت تلك المساعدات العسكرية والاقتصادية في السابق قد تكفّلت بتمكين العصابات الصهيونية من اغتصاب فلسطين عام 1948 ومن استيعاب الهجرات الضخمة التي ضاعفت تعداد الكيان المغتصِب بعد حرب الاغتصاب عام 1948، ومن بناء اقتصاد صناعي متقدّم بتمويل خارجي شبه كامل. وقبل تأسيس الكيان الصهيوني مباشرة أي في بداية عام 1948 بلغ تعداد السكان العرب نحو 1,3 مليون نسمة، مقابل 650 ألف يهودي غاليتهم الساحقة من المهاجرين الصهاينة الذين توجهوا لفلسطين بتسهيل ورعاية من الامبراطورية الاستدمارية البريطانية، وتم تمويل هجرتهم وتوطينهم من أثرياء الصهاينة ومن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة. وكان عدد السكان العرب فى المنطقة التى احتلّها الكيان الصهيوني وأعلن دولته فيها عام 1948 يقدّرون بـ700 ألف فلسطيني. ولكن بعد نهاية حرب 1948 كان كل ما تبقى من العرب في حدود فلسطين المحتلة عام 1948 حوالى 156 ألفًا فقط. وكانت العمليات الإرهابية الصهيونية والطرد خلال حرب الاغتصاب قد تكفّلت بإبعاد الغالبية الساحقة أو نحو 544 ألفًا من الفلسطينيين من أراضيهم التي احتلّها الكيان الصهيوني عام 1948.
بلغ المجموع الكلّي للمعونات الأمريكية للكيان الصهيوني من عام 1948 حتى عام 2023 نحو 162,4 مليار دولار
وبالرغم من أنّ الكيان الصهيوني قد حقّق في ذلك الوقت التفوّق العددي لليهود في فلسطين المحتلة عام 1948، إلا أنه كانت يرغب في زيادة ذلك التفوّق العددي. وكان يريد رفع العدد المطلق لليهود بشكل كبير كي يكون قادرًا على تجهيز جيش مناسب العدد يخوض به الصراع مع العرب. ولم يكن من طريق لذلك سوى فتح الهجرة وتقديم المغريات المادية للمهاجرين لزيادة عدد من يقبلون الهجرة للكيان الصهيوني، أو تدبير عمليات إرهابية ضد اليهود في البلدان التي تضم أعدادًا كبيرة منهم لإثارة الرعب بينهم ودفعهم للهجرة إليه.
وقد نجحت خطة الكيان الصهيوني في استقطاب المهاجرين اليهود من مختلف بلدان العالم وبخاصة من الدول العربية والنامية وشرق أوروبا ممن ينتمون للطبقة الوسطى والفقراء. ووصل إلى الكيان الصهيوني نحو 687 ألف مهاجر خلال الأعوام الأربعة التي تلت تأسيسه عام 1948. وبلغ رصيد الهجرة الخارجية للكيان الصهيوني منذ عام 1948 حتى عام 2010 نحو 2,94 مليون شخص (World Bank, World Development Indicators 2012, p. 383.). ومن المؤكد أنّ هذا الرصيد للهجرة الصهيونية الداخلة لفلسطين المحتلة ومعدلات النمو الطبيعية لتلك الكتلة السكانية تجعل منها المكوّن الأساسي للغالبية الساحقة من اليهود في فلسطين المحتلة حاليًا.
جبال المساعدات الأمريكية والألمانية صنعت الكيان الصهيوني
بلغ المجموع الكلّي للمعونات الأمريكية للكيان الصهيوني من عام 1948 حتى عام 2023 نحو 162,4 مليار دولار (بدون حساب الـ14 مليارًا التي طلبها بايدن للكيان الصهيوني والتي ستتم الموافقة عليها من الكونجرس على الأرجح)، منها 138,2 مليار دولار منح عسكرية واقتصادية، ونحو 2,1 مليار دولار قروض اقتصادية، ونحو 11,4 مليار دولار قروض عسكرية، ونحو 10,7 مليار دولار منح وضمانات قروض لاستيعاب موجة الهجرة الهائلة من يهود الاتحاد السوفيتي السابق وبلدان شرق أوروبا في تسعينيات القرن الماضي.
وعلى أي حال فإنّ قيمة المساعدات الأمريكية للكيان الصهيوني من عام 1948 حتى عام 2023 تم احتسابها من خلال جمع المعونات بالأسعار الجارية في الأوقات التي تلقاها فيها ذلك الكيان. ولو حسبت تلك المساعدات بدولارات الوقت الراهن فإنّ قيمتها لن تقل عن 650 مليار دولار وفقًا لأدنى التقديرات لسعر الفائدة ومعدل التضخم.
التعويضات والمعونات الألمانية للكيان الصهيوني بلغت نحو 76 مليار دولار منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى عام 2023
أما المصدر الثاني في ترتيب الأهمية لمساعدة الكيان الصهيوني فهي ألمانيا الغربية ثم ألمانيا الموحّدة بعد ذلك، بدايةً من معاهدة بروكسل التي عقدتها حكومة ألمانيا الغربية مع الكيان الصهيوني في 10 سبتمبر من عام 1952. وتعهّدت فيها بدفع 3450 مليون مارك للكيان الصهيوني بالأسعار الثابتة لعام 1953، على أن يُسدّد 80% من تلك الأموال في صورة شحنات من السلع الرأسمالية (الآلات والمعدات). وتكفّلت التدفقات المالية الألمانية بتمويل تكاليف توطين نصف مليون يهودي هاجروا للكيان الصهيوني. كذلك نصّ الاتفاق على تقديم ألمانيا الغربية 60 قطعة بحرية انضمّت للأسطول التجاري للكيان الصهيوني. كما قدّمت مساعدات في مشروعات الري وخطوط المياه وإقامة الطرق وشبكات الاتصالات والبنية الأساسية. وبحلول عام 1965 كان قد تم استيفاء اتفاق بروكسل، وفي العام نفسه أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين ألمانيا الغربية والكيان الصهيوني.
وإضافة للتعويضات التي قدّمتها ألمانيا للكيان الصهيوني عن تعرّض اليهود عمومًا للاضطهاد، تلقى اليهود الذين تعرّضوا هم أو ذووهم للاضطهاد تعويضات فردية كبيرة لا تزال ألمانيا تدفع في بقاياها حتى الآن. وقد نجح الكيان الصهيوني في التحايل للحصول على أكبر قدر من التعويضات بتقديم أسماء وهمية لأشخاص بزعم أنهم ماتوا فى معسكرات الاعتقال النازية. كما دفعت العديد من الشركات الألمانية تعويضات عن قيامها بتشغيل اليهود المعتقلين فى مشروعاتها الخاصة مثل شركات كروب وسيمنس وبرجيش.
وفي خطابه أمام المؤتمر اليهودي في مايو 1996 أشار وزير الخارجية الألماني آنذاك كلاوس كينكل إلى أنّ ألمانيا قدّمت للكيان الصهيوني نحو 97 مليار مارك ألماني، أي ما يوازي نحو 60 مليار دولار أمريكي منذ بدء تقديم التعويضات الألمانية للكيان الصهيوني وحتى منتصف عام 1996. وأشار الوزير الألماني إلى أنّ بلاده سوف تستمر في تقديم التعويضات للكيان الصهيوني حتى عام 2030. وعندها ستكون قد دفعت للكيان الصهيوني نحو 124 مليار مارك أي ما يعادل 80 مليار دولار وكلّها منح لا تُرد. وهذا يعني أنّ متوسط القيمة السنوية للتعويضات والمنح الألمانية من عام 1996 حتى عام 2030 يبلغ نحو 590 مليون دولار سنويًا. ولو ضربنا هذا المتوسط في عدد سنوات الفترة من 1997 حتى عام 2023 يصبح المجموع نحو 16 مليار دولار. وهذا يعني أنّ قيمة التعويضات والمعونات الألمانية للكيان الصهيوني قد بلغت نحو 76 مليار دولار منذ بداية تقديمها في خمسينيات القرن الماضي وحتى عام 2023. وتلك المعونات تعادل ما لا يقل عن 425 مليار دولار من دولارات الوقت الراهن وفقًا لأدنى سعر للفائدة.
لا سبيل لمجابهة خطر تغول هذا الكيان عسكريًا سوى باستعادة روح المقاومة
وإجمالًا بلغ مجموع المساعدات الخارجية التي تلقاها الكيان الصهيوني من المصادر الرئيسية الثلاث لمساعدته (الولايات المتحدة، وألمانيا، والجباية اليهودية) نحو 280 مليار دولار بالأسعار الجارية خلال الفترة من عام 1948 حتى عام 2023. وهي تعادل على الأقل نحو 1200 مليار دولار من دولارات عام 2023. ولو تلقىت دولة مثل المغرب ما يعادلها وفقًا لحجمها السكاني فإنها كان يجب أن تتلقى نحو 4530 مليار دولار من دولارات الوقت الراهن.
إنه في النهاية كيان مصنوع صنعًا، وثراؤه وتغوله عسكريًا مموّل من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، وما زال يتلقى مساعدات هائلة، ولا سبيل لمجابهة خطر تغوله سوى باستعادة روح المقاومة ضد مشروع استدماري إحلالي معادي للإنسانية في مجمله ولا يكف عن التمدّد. وإذا كانت الحكومات العربية التابعة في غالبيتها للغرب لا تملك تلك الروح فعلى الأقل يمكن استنهاضها لدى الشعوب العربية التي تقدّم الأمل في التغيير من خلال ما تجلّى من تضامنها مع المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني الغاصب الذي يخوض حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزّة حاليًا.
(خاص "عروبة 22")