صحافة

القمة العربية: "لاءات ثلاث" و"نعم" واحدة

صبحى عسيلة

المشاركة
القمة العربية:

منذ الإعلان عن استضافة المملكة العربية السعودية لقمة عربية بطلب من فلسطين والمملكة لعقد دورة غير عادية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة السبت القادم برئاسة السعودية، التي ترأس الدورة الحالية للقمة العربية لبحث أزمة العدوان الإسرائيلي على غزة، والأسئلة وربما التشكيك لا يتوقف بشأن ما يمكن أن تخرج به تلك القمة.

وفي الواقع فإن تلك الأسئلة تأتي انعكاسا أو تعبيرا عما يعتمل لدى أوساط الرأي العام في الدول من رفض وإدانة لما تقوم به إسرائيل مدفوعا بأقصى درجات الحماس والعاطفية والغضب في الوقت نفسه، ومن ناحية أخرى المواقف الرسمية العربية التي لا يمكنها تجاوز رد الفعل الشعبي، ولكنها تتعامل مع ذلك العدوان بأقصى درجات العقلانية والحكمة حتى لا تنجر المنطقة إلى ما هو أسوأ. وما بين الموقفين الشعبي والرسمي والحسابات الإستراتيجية التي يجب ألا تغيب في مواجهة تلك الأزمة غير المسبوقة يمكن توقع ما يمكن أو ما يجب أن تخرج به القمة العربية. وهنا لا يجب التقليل من أهمية ما ستعبر عنه القمة العربية من موقف عربي موحد وتضييق مساحة الخلافات على بعض التفاصيل على نحو ما كان في مواقف بعض الدول العربية خلال الأسبوعين الأولين من اندلاع العدوان على غزة. وهي الخلافات التي ربما صورت للإسرائيليين والإدارة الأمريكية أنه يمكن استغلال تلك الخلافات لتوسيع الهوة وشق الموقف العربي بما يمكن استخدامه لتمرير ما تقوم به إسرائيل، باعتباره دفاعا شرعيا عن النفس.

وفي الواقع، فإنه على الرغم من أن خبرة القمم العربية، لا سيما تلك الطارئة، تشير بوضوح بالغ الدلالة إلى حدود الفعل العربي الذي يمكن أن يتمخض عن مثل تلك القمم (...) أما اليوم فإن القضية الفلسطينية أصبحت على المحك، إذ تحاول إسرائيل أن تقطع الصلة بين الفلسطينيين وبين ما تبقى لهم من أرض فلسطين التاريخية توافق المجتمع الدولي على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية عليها، ولا توجد خلافات جوهرية بين الدول العربية بشأن القضية الفلسطينية عامة وبشأن العدوان الجاري بصفة خاصة، الأمر الذي اتخذ منه الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام ذكى أثناء إجابته عما إذا كانت ستعقد القمة أم لا عقب الدعوة إليها سببا كافيا لتأكيد أن القمة ستعقد، مؤكدا أنه «في ظل الظروف الحالية من الصعب ألا يوافق ثلثا الأعضاء على عقد قمة عربية طارئة». لذلك من المنتظر ألا تقتصر مناقشات القمة على العدوان الإسرائيلي الجاري، ولكن كما قال السفير جمال رشدى المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية، فإن القمة ستبحث الخطوات الواجب اتخاذها تجاه القضية ككل، محذرا من استباق نتائج القمة، كونها تعبر فى النهاية عن إرادة القادة العرب المشاركين فيها، مؤكدا أنها تعقد في ظل أحداث متحركة ومتصاعدة، ولا بد أن تكون مواكبة للحدث على نحو يلبي تطلعات الرأي العام العربي، وتقدم مساندة قوية للشعب الفلسطيني الذي يراد له أن يكابد نكبة جديدة على غرار نكبة العام 1948.

في هذا السياق، وفي ظل أن موقف الدول العربية بات واضحا تماما، فإن مؤتمر القمة العربية سيزيده وضوحا وتأكيدا ويجعل منه رسالة قوية لكل الأطراف مرتكزة على موقف عربي واحد تتبناه جامعة الدول العربية بما لذلك من تأثير سياسي ودبلوماسي ليشكل ضغطا إضافيا على المجتمع الدولي لتعديل طريقة تعامله مع العدوان الجاري، توطئة للانتقال إلى تسوية القضية من جذورها في ضوء المبادرة العربية للسلام ومقررات الشرعية الدولية التي تتبنى حل الدولتين باعتباره الحل الأمثل للقضية الفلسطينية، ومن ثم تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. هذا الموقف العربي سيتخلص في إعلان ثلاثة لاءات في وجه إسرائيل، وهي لاءات تبلور ما يشبه التوافق الدولي بشأنها في الأسبوعين الأخيرين، وهي: لا للعقاب الجماعي للشعب الفلسطيني، لا لتهجير الشعب الفلسطيني، لا لتصفية القضية الفلسطينية. أما «نعم» الوحيدة التي ستتبناها القمة العربية فهي نعم للسلام الشامل والعادل لإقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فالدول العربية جميعها اختارت السلام خيارا استراتيجيا على الأقل منذ تبنيها على مستوى القمة المبادرة العربية للسلام التي قدمتها السعودية في عام 2002. وإذا كان السلام وحل الدولتين يتعرض لمحنة هي الأكبر والأخطر في ظل توجهات اليمين المتطرف الذي يتحكم في إسرائيل الآن ، ويحاول إعادة عجلة الزمن إلى بدايات القرن الماضي، فإن أيا من الدول العربية خاصة مصر والأردن ليستا مستعدتين ولا راغبتين في تحمل تبعات أو بالأحرى حماقات ذلك اليمين المتطرف ومحاولاته لاستنبات بذور الغضب والكراهية في المنطقة لتحرق الأخضر واليابس بها.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن