وجهات نظر

الإسرائيليون ونظام الأسد: تكرار المشهد وتطابُق الصور

يتذكّر كثير من متابعي تطوّرات الصراع في سوريا، صورة نُشرت وشاعت في الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، والصورة مأخوذة من مخيّم اليرموك في جنوب دمشق يوم سقوطه بيد نظام الأسد عام 2014، وظهر في خلفيّتها دمار هائل في معالم العمران والطبيعة في المخيّم، وركّز المصوّر في الشقّ الرئيسي منها على آلاف البشر البائسين الخارجين من عمق مخيّم مدمّر بعد حصار طويل، وهي واحدة من آلاف صور، وثّقت جرائم نظام الأسد في حربه على السوريين الذين شاركوا الفلسطينيين السكن في مخيّم اليرموك وأنحاء أخرى في سوريا.

الإسرائيليون ونظام الأسد: تكرار المشهد وتطابُق الصور

تذكّرتُ صورة اليرموك وكثيرًا من صور معاناة وآلام الحرب، التي تركتها ممارسات نظام الأسد في الذاكرة، وكثير منها تُماثل وتُكرّر مشاهد الدمار والمعاناة الإنسانية الهائلة التي ألحقها الاحتلال الإسرائيلي في حربه على الفلسطينيين في قطاع غزّة، بل إنّ ثمّة صورًا تطابق فيها معاناة الضحايا ودمار العمران والطبيعة في مدينة غزّة، مثيلاتها من صور مخيّم اليرموك، ونشر بعضها متلاصقًا في وسائل التواصل الاجتماعي في خلال الأيام الأخيرة.

يقودنا تماثل وتطابق صور الحرب والمعاناة للدخول في تدقيق نقاط في حربين كان السوريون والفلسطينيون هدفين فيها على يد طرفين مختلفين في الانتماء والأصول والمعلن في السياسات، غير أنهما متفقان في السياسات العملية، التي تقوم على الإرهاب والعنف والإكراه، وارتكاب الجرائم بما فيها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وما يصنّف تحتها من جرائم قتل وتعذيب المدنيين، وتهجيرهم في إطار عمليات التغيير الديمغرافي، وكلّه يُضاف إلى سمة أساسية في سياسات الطرفين على اختلافاتهم، تظهر في تحدي القانون والأعراف الدولية، ورفض الحلول والتسويات ولو جاءت في قرارات صادرة عن الهيئات والمؤسسات الدولية.

جوهر المشتركات ضد السوريين والفلسطينيين اتهام الخصم بارتكاب أفظع الجرائم مما يبرّر استخدام أقصى العنف ضده

جوهر المشتركات في السياسة ضد السوريين، وضد الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، تقوم على شيطنة الخصم في هويته وتوجهاته وتضخيم قوّته بصورة مصطنعة، واتهامه بارتكاب أفظع الجرائم، وكلّها كانت في أوّل سلوكيات نظام الأسد في مواجهة السوريين، والتي بدأت باتهام المتظاهرين والمحتجين بأنهم "إرهابيون وأصوليون ومسلّحون" هدفهم الاستيلاء على السلطة، مما يبرّر العنف ضدهم قتلًا واعتقالًا وسجنًا إلى آخر القائمة، واتّهم النظام الثائرين عليه بارتكاب جرائم الاعتداء على النساء، كما في اتهام حمزة الخطيب، وكان عمره ثلاثة عشر عامًا، وإشاعة أساطير عن قتل جنود النظام في جسر الشغور، وترتيب تفجير قسم شرطة الميدان.

لقد مضى الإسرائيليون على الطريق ذاته، وأضافوا إليه جهودهم في تضخيم ما قام به عناصر "القسّام" من أعمال في محيط غزّة بعد اجتيازهم السياج الحدودي، ودفعوا الإعلام وأوساطًا في الرأي العام للتركيز على هذا الجانب لدرجة أوحت بأنه شكّل تحديًا استراتيجيًا لإسرائيل ومستقبلها، وأشاعوا أنّ القائمين بعملية "طوفان الاقصى" ارتكبوا جرائم مشينة بينها الاعتداء على النساء وقتل أطفال الإسرائيليين، ووصفوا القائمين بالعملية وصولًا إلى معارضي الاحتلال بالإرهاب، وتقريبهم إلى "داعش" زيادةً في شيطنتهم، واستعداء العالم عليهم مستغلّين وضع العديد من الدول حركة "حماس" على قوائم الإرهاب.

والنقطة الثانية في مشتركات السياسة ضد السوريين، وضد الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، استخدام العنف إلى أقصى الدرجات، وكما في الحالة السورية، فقد ذهب الإسرائيليون إلى دفع الجيش بمختلف صنوفه البرية والجوية والبحرية للانخراط في الحرب، وقاموا باستدعاء مئات آلاف من جنود الاحتياط للمشاركة فيها، ونظّموا إدارتها بدءًا من إعادة السيطرة على محيط غزّة، وإطلاق عمليات قصف جوي وبري وبحري متواصلة وكثيفة، وسط تشديد الحصار على القطاع المحاصر منذ حرب عام 2008، وقطع الإمدادات الضرورية عنه من ماء وغذاء ودواء وكهرباء واتصالات، مما جعل الحصار مضاعفًا يصعب خرقه وسط محدودية الموارد المحلية في القطاع.

لقد مهّدت الإجراءات التمهيدية في الحرب للانتقال إلى المرحلة التالية. ووسط تأييد ودعم دولي كبير لإسرائيل كانت الولايات المتحدة وأبرز الدول الغربية في طليعته، حصلت إسرائيل على مساعدات سياسية ومادية وعسكرية غير مسبوقة، دفعتها إلى توسيع وتطوير حربها وشن عمليات عسكرية ذات طابع تدميري هدفها إيقاع أكبر خسائر بشرية ومادية، تشمل قتل وإصابة أكبر عدد ممكن من المدنيين، ودفع الباقين إلى ترحال وتهجير بالتزامن مع تدمير المساكن والممتلكات ومصادر العيش وخدمات الصحة لخفض فرص الحياة إلى أقصى الحدود، تمهيدًا لاجتياح القطاع واحتلاله، وتصفية معارضي الاحتلال أيًا كانوا من المسلحين إلى المعارضين السلميين، وهو الهدف الثاني للحرب البرية، التي تتابعها إسرائيل.

يتوافق الهدف النهائي الإسرائيلي للحرب على غزّة مع الهدف النهائي لحرب نظام الأسد على السوريين 

ويتجاوز الهدف النهائي والأخير للحرب كل ما تقدّم. إذ تهدف إسرائيل إلى السيطرة على القطاع عبر تهجير سكانه أو بقاء قليل منهم، وضمّه إلى إسرائيل، وكان الهدف ظاهرًا في السعي إلى ترحيل سكانه إلى شمال سيناء وإحلال المستوطنين لاحقًا مكانهم، وهو ما ستعمل إسرائيل لتحقيقه في المرحلة القريبة المقبلة.

ويتوافق الهدف النهائي الإسرائيلي في مضمونه مع الهدف النهائي لحرب نظام الأسد على السوريين المتواصلة منذ اثني عشر عامًا، تم فيها قتل وإعطاب ملايين السوريين، وتهجير نصف السكان لإقامة "مجتمع متجانس" كم قال بشار الأسد واصفًا خلاصة الحرب بما فيها من تغيير ديمغرافي، يبدأ من ترحيل السكان وإحلال وافدين مكانهم، وهي الفكرة التي قام عليها وجود إسرائيل أساسًا، واشتغل عليها نظام الأسد، قبل أن يعيد نتنياهو وحكومته تكرارها على طريقة الأسد هذه المرّة.

إنّ المقارنة بين نظام الأسد وإسرائيل أمر سيّء، بل غير مقبول، لأنه يوحي بقبول بعض ما في هذا أو ذاك، في وقت كشف تاريخ وسياسات وجرائم كل منهما، ضد السوريين لدى الأول وضد الفلسطينيين عند الثاني، أنه مستمر ويتوغل في جرائمه، دون أن يفكّر بأي مسارات أو حلول أخرى تخفّف أو توقف مسارات الدم والمعاناة في منطقة يمتد عمر إسرائيل فيها إلى خمسة وسبعين عامًا، ويمتد عمر نظام الأسد فيها إلى ثلاثة وخمسين، خاضا فيها أكثر الحروب دموية ودمارًا، وسعى كل منهما إلى تكرار الآخر على نحو ما ظهر من سلوك إسرائيل في حربها على غزّة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن