قضايا العرب

في الضفّة كما غزّة... تهجير أصحاب الأرض!

يتكرّر مشهد تهجير الفلسطينيين، في كل مرّة يتسنّى فيها للمحتل الإسرائيلي طرد أصحاب الأرض، والإعتداء عليهم وترويعهم بهدف توسيع إستيطانه وإحكام سيطرته على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية.

في الضفّة كما غزّة... تهجير أصحاب الأرض!

مع بدء العدوان على قطاع غزّة انتقامًا من عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي، انطلقت موجة تهجير قسرية ممنهجة للغزّاويين تدفعهم بالنار والمجازر من شمال القطاع إلى جنوبه، ضمن إطار مخطط إسرائيلي مكشوف لترحيل القسم الأكبر من سكان القطاع إلى سيناء المصرية، سرعان ما اصطدم برفض مصري صارم وعربي حازم.

موجة التهجير الجديدة لفلسطينيي غزّة، سبقتها موجات مماثلة على امتداد عقود الاحتلال طالت آباءهم وأجدادهم الذين تمّ تهجيرهم من أراضيهم حتى باتوا لاجئين في القطاع نفسه، حيث تُقدّر "الأونروا" نسبة اللاجئين في غزّة بـ80 في المئة من عدد سكان القطاع البالغ 2.4 مليون نسمة. إذ يوجد في غزة 8 مخيمات، هي، جباليا والشاطئ والنصيرات والبريج والمغازي ودير البلح وخانيونس ورفح، من سماتها المشتركة أنها مكتظة سكانيًا، وكانت تضم قبل الحرب الحالية أكثر من 620 ألف لاجئ على مساحة تقدر بـ6.5 كيلومترات مربعة من القطاع، فيما يعيش اللاجئون الآخرون خارج المخيّمات في مختلف أنحاء القطاع.

وبالتوازي مع اندلاع نيران العدوان على غزّة، امتدّ مخطط التهجير ليشمل أيضًا قرى الضفة الغربية، حيث استغلّ المستوطنون أحداث 7 أكتوبر ليقتحموا منازل الفلسطينيين، على شكل مجموعات مسلحة، بعضهم يرتدي زيًا عسكريًا، ويشنوا عمليات حرق واعتداء وسرقة ضد ممتلكات الفلسطينيين، لاسيّما في التجمعات البدوية في المنطقة (ج)، حسبما يؤكد صحافيون فلسطينيون لـ"عروبة 22".

فطوال الأسابيع الماضية، تعرض العديد من السكان في مناطق مختلفة من الضفة الغربية لمضايقات قوات الإحتلال الإسرائيلية والمستوطنين، فتمّ توثيق العديد من حالات ترحيل عائلات فلسطينية بأكملها عن قراها ومنازلها تحت تهديد المستوطنين المسلحين، كما تم حرق العديد من الممتلكات ومنع المزارعين في بلدة سنجل وكفر الديك من حرث أراضيهم واقتلاع المستوطنين عددًا كبيرًا من شجر الزيتون في أراضي الفلسطينيين.

وأكثر ما استهدف المستوطنون الإسرائيليون في الآونة الأخيرة سكان منطقة "مسافر يطا"، وهي عبارة عن تجمع من 12 قرية فلسطينية، بشتى أنواع الإعتداءات من خلال مداهمة أماكن سكنهم وترويعهم وإطلاق كلاب تهاجم الرعاة والماشية وقطع الأشجار وإضرام النار بالحقول، ومطاردة السكان وتهديدهم بالتهجير.

وتوضح مصادر فلسطينية لـ"عروبة 22" أنّ سكان هذه المنطقة، التي تقع جنوب شرق محافظة الخليل، لطالما عانوا من خطر "التهجير القسري" نتيجة مضايقات المستوطنين والسلطات الإسرائيلية بذريعة إقامة الإحتلال مناطق للتدريب العسكري فيها، ما جعل السكان الفلسطينيين يعيشون حتى اليوم في ظروف معيشية صعبة جدًا، بحيث يقطن بعضهم داخل كهوف تحت الأرض، بسبب عدم حصولهم على تصاريح بناء أو إمكانية صيانة منازلهم، كما يمنع الاحتلال عنهم الماء والكهرباء وجميع أنواع الخدمات الصحية والتعليمية وسواها. كذلك يعاني أهالي وسكان قرى أخرى مثل قرية كفر نعمة غرب مدينة رام الله، إلى تهديدات مشابهة بالتهجير بتهمة دعم غزّة والمقاومة.

ويخضع الفلسطينيون الموجودون في المنطقة المصنّفة (ج) من الضفة الغربية لسيطرة أمنية وإدارية حصرية لدولة الإحتلال، وفق ما جاء في "إتفاق أوسلو" بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبقيت هذه المنطقة محلّ أطماع اليمين الإسرائيلي المتطرف، بينما تقع المنطقة (أ) تحت السيطرة الفلسطينية الحصرية، والمنطقة (ب) تحت الإدارة الفلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية.

وتقول "ريم" وهي شابة فلسطينية في الثلاثين من عمرها، من سكان رام الله لـ"عروبة 22": "إسرائيل لا تميّز بين فلسطيني وآخر وبين منطقة وأخرى، كلنا مهددون في كل المناطق، هم تجاوزوا كل الجغرافيا وأيّ تقسيمات يدخلون إليها ويخرجون منها متى يحلو لهم دون أي رادع"، وتضيف: "نعيش يوميًا، على أطراف القرى والحواجز وليس في المدن فقط، مضايقات المستوطنيين الذين يتعرضون للفلسطينيين، وخاصة في منطقتي دير شرف وحوارة، حيث يقومون بالاعتداء على سياراتنا بحماية الجنود الإسرائيليين، وصولًا إلى ضرب كل من يحمل أي صورة أو أي شيء يتعلّق بمقاومة الاحتلال".

وتشير ريم إلى أنه جرى توزيع منشورات في عدد من القرى الفلسطينية لدفع أهاليها إلى ترك ديارهم، تحت طائل أن يكون مصيرهم "كمصير أهل غزّة" في حال رفضوا الرحيل، وتستدرك بالقول: "لن نترك أراضينا، مهما فعلوا فلا شيء جديدًا على المحتل، هذه هي ممارساته الدائمة "زي كل يوم في عنا اعتقالات" ولكن الأخطر في ما حصل مؤخرًا، أنهم زادوا تسليح المستوطنين أكثر من السابق، بحيث تمّ توزيع ما يقرب من 24 ألف قطعة سلاح عليهم، ما تسبب بارتفاع حوادث الإعتداء والمضايقات أكثر فأكثر، ومنذ أيام قُتل أحد المزارعين في منطقة الساوية في قضاء نابلس برصاص مستوطنين، أثناء عمله في أرضه".

وبالتوازي، تشن سلطات الاحتلال حملات إعتقال واسعة في الآونة الأخيرة طالت المئات من أبناء الضفة وووجهت إليهم اتهامات بأنهم يدعمون "حماس" ويؤيدون ما حصل في السابع من أكتوبر، خصوصًا إذا ما وجدوا أي تدوينة على منصات التواصل الإجتماعي تتعاطف مع أهالي غزة. ولهذه الغاية، صادقت لجنة "القانون والدستور" في الكنيست على مشروع قانون يقضي بفرض عقوبة السجن لسنة على أي شخص "يستهلك بشكل منهجي" مقاطع فيديو تصدر عن حركة "حماس" وفصائل المقاومة الفلسطينية وتشمل مديحًا أو تضامنًا أو تشجيعًا لعملياتها.

في المحصلة، تبقى جميع هذه الممارسات معهودة من قبل المحتل على امتداد عقود الاحتلال، لكن ما جرى ويجري راهنًا هو تسريعٌ لخطوات ومخططات التهجير و"الترانسفير" التي بدأت منذ 75 عامًا.. استكمالًا لطرد أصحاب الحق في الأرض واقتلاعهم من أرضهم لإحلال المستوطنين مكانهم وتصفية القضية الفلسطينية، على مرأى من العالم أجمع.


(خاص "عروبة22" - إعداد حنان حمدان)

يتم التصفح الآن