بينما راجت معلومات غير رسمية عن احتمال إبرام اتفاق مؤقت لتبادل محدود للأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى "حماس" مقابل عدد من السجناء الفلسطينيين في سجون الاحتلال، قالت مصادر مصرية مطّلعة على الملف إنّ نتنياهو أفسد - حتى الآن - كل الوساطات.
ورغم دخول الحرب الاسرائيلية الممنهجة على قطاع غزّة أسبوعها السادس، فإنه لا مؤشرات بعد على قدرة الاحتلال على تحقيق أهدافه المعلنة وفى صدارتها "اقتلاع حماس وإنهاء مستقبلها السياسي والعسكري"، وتحرير الأسرى المحتجزين لديها.
شروط أبو عبيدة
وحدّد أبو عبيدة، المتحدث باسم "كتائب القسّام" الجناح العسكري لحركة "حماس"، شروط الصفقة التي تسعى إليها الحركة في الإفراج عن نحو 70 امرأة وطفلًا محتجزين في غزّة مقابل الإفراج عن 200 طفل و75 أمرأة فلسطينية، فضلًا عن هدنة مدّتها خمسة أيام تتضمّن وقفًا لإطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإغاثية والإنسانية لجميع أنحاء قطاع غزّة، بحسب ما كشفه في تسجيل صوتي أذيع مساء الاثنين 13 نوفمبر/تشرين الثاني، أشار فيه بشكل واضح إلى الدور القطري في إتمام تلك الصفقة.
هذه هي الفاتورة المؤقتة، أو بنص تعبير أبو عبيدة "الثمن الذي يتعيّن على إسرائيل أن تدفعه في نهاية المطاف"، محذّرًا من أنّ حياة الأسرى عُرضة لخطر كبير كل ساعة بسبب استمرار العدوان الجوّي والبرّي.
وفقًا لمصادر مصرية مطلعة، فإنّ المفاوضات الراهنة تختلف بشكل كامل عن بقية المفاوضات السابقة التى جرت بشكل غير مباشر بين "حماس" وإسرائيل عبر وساطة مصرية، "تتصرّف حماس من منطلق الحفاظ على ما تعتبره غنيمة حرب فريدة من نوعها، متمثّلة فى عدد الأسرى الذين تحتفظ بهم وهو الأكبر من نوعه فى تاريخ المواجهات بين الطرفين منذ سيطرة الحركة على قطاع غزّة عام 2007".
تعنّت نتنياهو
ومع تعاظم القيمة النوعية والعددية للأسرى "من بينهم ضباط كبار وعشرات الجنود، تتصوّر حماس أنّ بإمكانها فرض شروط الصفقة وتحقيق مكاسب سياسية إضافية لما حققته بالفعل حتى الآن، رغم مستوى الخراب والدمار الناتج عن ممارسات الآلة العسكرية الإسرائيلية".
لكن نتنياهو وكبار مساعديه العسكريين والأمنيين يرفضون باستمرار منح "حماس" انتصارًا إضافيًا، سواء على المستوى السياسي أو العسكري، خاصة بعد تعهّدهم بالقضاء على الحركة، رغم الثمن الباهظ الذي تدفعه الدولة العبرية بشريًا وماديًا.
وبعدما كان ثمة توازن في الحديث عن جهود وساطة مصرية قطرية، لضمان إبرام الصفقة، بدا أنّ ثمّة دورًا قطريًا آخذًا فى التصاعد وبشكل منفرد، كوسيط وحيد لإتمام الصفقة التي ما زالت تصطدم باستراتجيات المفاوضات المعاكسة التي تتبناها كل من "حماس" ودولة الاحتلال.
تعاظم الدور القطري
تبرز هنا عدة مؤشرات على تعاظم الدور القطري، من بينها إعلان البيت الأبيض، مناقشة الرئيس الأمريكى جو بايدن مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد "الجهود المستمرة لحماية المدنيين الأبرياء وزيادة تدفق المساعدة الإنسانية المُلحّة إلى غزّة".
وحرص بايدن على تسجيل شكره لقطر وحاكمها بشكل شخصي على جهوده السابقة لتأمين الإفراج عن رهائن من "حماس"، بما في ذلك مواطنان أمريكيان، والجهود العاجلة المستمرّة لتحقيق المزيد من الإفراجات، مشيرًا إلى اتفاقهما على ضرورة الإفراج الفوري عن جميع الرهائن.
واستمرارًا لهذا الزخم، ناقش وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الجهود المستمرة لإجلاء المصابين وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية.. إلخ.
أما مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان فكشف لوسائل إعلام عما وصفه بـ"مفاوضات حساسة ودقيقة"، لضمان عودة جميع الرهائن الأمريكيين وغيرهم، مشيرًا إلى انخراط الإدارة الأمريكية بشكل فاعل إلى جانب إسرائيل وقطر في المفاوضات الجارية، لكن وفى مؤشر على أنّ الوساطة لا زالت ترواح مكانها، اكتفت الرئاسة المصرية بالإشارة في بيان صدر عقب المحادثات التي أجراها أمير قطر مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل القمة العربية الإسلامية التي عُقدت مؤخرا بالسعودية، إلى استمرار التشاور من أجل وقف التصعيد الراهن، دون التطرّق إلى مصير أي مفاوضات.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فقد رفضت إسرائيل أي وقف لإطلاق نار بدون الإفراج عن رهائن تحتجزهم "حماس"، ونقلت عن مسؤول مطلع عقب اجتماع مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" وليام بيرنز ومدير الموساد ديفيد بارنياع في الدوحة مع مسؤولين قطريين، أنه نوقشت تفاصيل وقف إنساني محتمل للقتال من شأنه أن يؤدي لإطلاق سراح رهائن وإدخال المزيد من المساعدات إلى غزة.
ومع أنه تحدث عن تقدّم المحادثات بشكل جيّد مؤخرًا نحو التوصل إلى اتفاق، فقد كشف مصدر مقرّب من "حماس" أنّ السقف الأدنى للمفاوضات يتعلّق بهدنة مؤقتة لمدة 3 أيام مقابل إطلاق سراح 12 رهينة، نصفهم رعايا أمريكيون.
ومثّلت الزيارة المفاجئة والمقتضبة التي أجراها وفد من "حماس" ضمّ رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية والقياديين خالد مشعل وخليل الحية، واجتماعهم مع اللواء عباس كامل رئيس المخابرات المصرية بارقة أمل على إمكانية حلحلة المفاوضات.
"حماس" في القاهرة
رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، سمير غطاس، يقول فى المقابل إنه لا صفقة تلوح حتى الآن في الأفق، وإنه لا تأثير لقيادات "حماس" في الخارج على قياداتها في الداخل. وأضاف غطاس لـ"عروبة 22": "عدم بقاء وفد حماس بالقاهرة ومغادرته بعد ساعات من وصوله دليل على انعدام تأثير مسؤولي الحركة بالخارج على قيادات الداخل"، متابعًا: "الدولتان الأكثر تأثيرًا على حماس هما مصر وقطر، باعتبار أنّ الأولى هي الممر البري الوحيد والوسيط الحصري الذي شارك في إتمام صفقات سابقة، بينما الثانية هي المموّل الأساسي ومقر سبعة من كبار قادة الحركة".
غطاس، الذي اعتبر أنّ الحديث عن صفقة بحثها رئيسى "سي آي إيه" و"الموساد" في الدوحة لإطلاق سراح الأطفال والنساء الفلسطينيات في سجون إسرائيل مقابل 100 من المحتجزات لدى "حماس"، هي مجرد تقارير وتكهّنات، أوضح أنّ إسرائيل تدّعي أنها أعطت فرصة للجهود الدبلوماسية، التي لم تسفر عن شيء، وهي الآن تمارس مفاوضات بالضغط العسكري، معتقدةً بإمكانية تحرير الأسرى جميعًا عبر ذلك المسار.
تنافس أم تكامل؟
اللواء محمد عبد الواحد الخبير الاستراتيجى والأمني المصري يختلف بالرأي مع غطاس، لكنه يتفق معه في نقطة أنّ مصر وقطر هما مفتاح الحل لحسم أي صفقة بين الطرفين، فوفقًا لمعلوماته، لا تزال الصفقة قائمة، لكن هناك عقبات، أخطرها إصرار إسرائيل وأمريكا على القضاء نهائيًا على "حماس".
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو؛ "هل الدور القطري يأتي على حساب المصري في هذه الوساطة؟"، يجيب عبد الواحد قائلًا: "هناك بالطبع نوع من التنسيق، لا زال قائمًا بين القاهرة والدوحة بهذا الخصوص"، مذكّرًا بأنه "كان هناك تنسيق قبل شهور فى وساطة سابقة للتوصل إلى هدنة مؤقتة والإفراج عن الأسرى لدى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي".
ويرى عبد الواحد أنّ "لقطر دورًا قوي، بفضل ما تمتلكه من أدوات، أبرزها تسهيل حصول حماس على مساعدات مالية منتظمة"، مضيفًا: "وفي السابق كان الملف مصريًا خالصًا، لكن جرت محاولات لتعريبه، لم تكلّل بالنجاح في عدة عواصم عربية، آخرها الجزائر العام الماضي، بينما بعض الأطراف العربية الأخرى تريد اختفاء حماس والقضاء عليها، كونها أكثر وآخر البؤر الإخوانية تأثيرًا في المنطقة".
وتحدث حمد بن جاسم بن جبر المسؤول القطرى البارز سابقًا، بأسف عن جهات من دول قريبة تحاول التحريض على بلاده في السر والعلن، وقال عبر "منصة اكس": "للأسف هناك من يحاول النيل من بلادنا، بدلًا من التركيز على محاولة وقف ما يجري في غزة من فظائع وعدم استغلاله لتكتيكات آنية". ولعل هذا ما دفع رئيس وزراء قطر إلى التلويح بأن المفاوضات معرّضة لخطر الفشل بسبب هجمات إسرائيل ونشر معلومات خاطئة حول المحادثات التي وصفها مسؤولون أمريكيون بأنها صعبة، بعدما واجهت الدوحة انتقادات علنية من لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب الأمريكي.
وتطلب ذلك ردًا للسفارة القطرية في واشنطن، كُشف فيه النقاب عن أنّ المكتب السياسي لـ"حماس" في قطر تم افتتاحه بناء على طلب أمريكي لإنشاء خطوط اتصال غير مباشرة مع الحركة.
الدوحة متهمة بإيواء قادة "حماس"
ودافع السفير القطري لدى الولايات المتحدة مشعل بن حمد آل ثاني فى مقال بصحيفة "وول ستريت جورنال"، عن موقف بلاده، التي أوضح أنها بنت على مدى عقدين سمعة في التوسّط في حلّ النزاعات المعقّدة، مشيرًا إلى أنّ جميع الأموال التي تم تحويلها من قطر إلى غزة على مدار سنوات تم تسليمها بـ"التنسيق الكامل مع إسرائيل والولايات المتحدة ووكالات الأمم المتحدة والمنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط".
ولخّص مبرّرات الوساطة القطرية قائلًا: "نجاحنا يكمن في قدرتنا على التفاوض مع جميع الأطراف"، مقدّما قطر باعتبارها "الوسيط المخلص في الشرق الأوسط".
وكان زعماء "حماس" قد غادروا مقرّهم السابق بالعاصمة السورية دمشق، مع اندلاع الحرب الأهلية عام 2011, واتّجهوا في العالم التالي إلى الدوحة التي سمحت لهم بإنشاء مكتب سياسي ما يزال يواصل نشاطه حتى اليوم... وكانت هذه المدة الوجيزة كفيلة بدفع هذه الدولة الخليجية الغنية بالغاز، إلى دائرة الأضواء باعتبارها "الوسيط الرئيسي بين إسرائيل وحماس".
(خاص "عروبة 22")