بعد أن أطلق جملته المشهورة (من العار التفرقة بين ما يحدث في غزة وأوكرانيا) عاد جوزيف بوريل، المنسق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إلى المنطقة ليزور إسرائيل ومستعمراتها، ويقوم بجولة في المنطقة (شملت بعض العواصم العربية) في إطار متابعة الأوضاع المتفجرة بها.
تابعت المؤتمر الصحفي الذى عقده بوريل مع الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس الوزراء- وزير الخارجية القطري، ورصدت حالة «الارتباك» التي بدت واضحة على بوريل وهو يحاول ضبط كلامه خوفا من هجوم اللوبي اليهودي، ومع ذلك، ورغم التراجع الواضح في «لغته»، فقد أطلق على ما يحدث في غزة من قصف للمدارس، والمستشفيات لفظ «المذبحة»، ونطقها بالفرنسية، مؤكدا أنه يجب عدم التفرقة بين الفظائع، وأنه لا بد من تنفيذ قرار مجلس الأمن الأخير المتعلق بـ«الهدن الإنسانية»، لأن قرارات مجلس الأمن ملزمة، وليست حبرا على ورق، مشيرا إلى أنه لا يجب أن نرسل الغذاء للأطفال ثم نقتلهم في اليوم التالي؟!
أعتقد أن تصريحات بوريل شديدة الأهمية، لكنها لا تزال مجرد تصريحات، رغم أنه الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، ورغم أن قرار مجلس الأمن الأخير قدمته مالطا، إحدى دول الاتحاد الأوروبي، ودعمته دول الاتحاد الممثلة في مجلس الأمن، فإن إسرائيل لا تزال تتجاهل هذا القرار حتى الآن، وهو ما يتطلب ضرورة «محاسبتها»، وإيقاف «الدعم الأعمى» لها من أمريكا، والاتحاد الأوروبي.
بوريل أشار إلى تبني الاتحاد الأوروبي مبدأ «حل الدولتين» منذ اتفاقية «أوسلو»، وطالب بتنفيذ ذلك، مشيرا إلى أنه يجب أن يكون السلام حقيقيًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبدوري أتساءل: من عطل ذلك؟.. ومن الذى حاصر ياسر عرفات في عام ٢٠٠٢؟.. ومن الذي اقتحم مقر السلطة الوطنية في رام الله؟.. وأين كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي طوال ذلك الوقت؟.. ولماذا لم تتم محاسبة إسرائيل، ومحاصرتها، ودفعها دفعا إلى السلام إذا كانت هناك رغبة حقيقية فيه؟!
للأسف الشديد، فإن الحقيقة المرة تكمن في أن الحديث عن السلام، وحل الدولتين يتم طرحه كخيار مؤقت لتمرير جريمة إسرائيلية، وبعد أن تُمرر تلك الجريمة يتم تجاهل ذلك الأمر حتى تقع كارثة جديدة.
هذا ما يحدث بالضبط منذ بدء الصراع العربي- الإسرائيلي، ودائما تفلت إسرائيل من العقاب بدعم أمريكي، ومساندة أوروبية، فهل يفهم السيد بوريل ذلك أم أن الإرهاب الإسرائيلي سوف يجبره على مزيد من «التراجع»، و«الارتباك» في لغة خطابه؟!
("الأهرام") المصرية