الجواب المباشر عن هذا السؤال نقرأه في الاعلام الاسرائيلي نفسه، وليس أدلّ على ما نقول وأبلغه من العناوين التي تصدرت الصحف الاسرائيلية الكبرى يومي أمس وأمس الأول والمقالات العديدة التي اعتبرت أن «الصفقة خاسرة.. وأن الهدنة انتصار لحماس».
وفي البعد التحليلي أقول بأن «صفقة تبادل الأسرى» يجب قراءتها من زوايا متعددة بعيدا عن الأرقام.. «واحد مقابل ثلاثة».. أو« 50 مقابل 150».. فليس هذا هو المهم، خصوصا في الجولة الأولى من جولات تبادل الأسرى والرهائن المرتقبة والقادمة والتي ستختلف معطيات كل واحدة منها عمّا سبقتها لأن لكل صفقة ظروفها ومعطياتها التي تفرضها من حيث:
- الحرب العسكرية وحسابات الربح والخسارة على أرض المعركة.
- الحسابات السياسية (الداخلية) والضغوط الكبيرة على الحكومة الاسرائيلية من قبل أهالي الرهائن.
- والحسابات السياسية (الخارجية) خصوصا الضغوط الامريكية على اسرائيل.. كلما طال أمد الحرب دون نتائج.
نشير إلى النقاط الثلاث السابقة ونحن في اليوم الـ ( 50 ) لبدء العدوان على غزة العزّة ولم تتمكن اسرائيل المعتدية وبعد كل الجرائم التي ارتكبتها ضد الانسانية أن تحقق أهدافها المعلنة بهذه الحرب وهي: (القضاء على حماس - وتحرير الرهائن والأسرى بالقوة) وها هي بالأمس ترغم ومرّة أخرى على كسر إرادتها والرضوخ لمنطق الميدان والضغوط الداخلية والخارجية وتضطر لتنفيذ صفقة لتبادل الاسرى ( 50 مقابل 150) وهدنة 4 أيام.
أقول وأكرّر: إن العدد ليس هو الأهم لأن اسرائيل دولة احتلال، والشعب الفلسطيني كله أسير ومعتقل لديها ومعتدى عليه في الاراضي المحتلة، وفي غزة بكل من فيها 2.3 مليون غزّي محاصرون في أكبر سجن طبيعي على وجه الارض منذ نحو 17 عاما، فاسرائيل وان كانت اليوم ترضخ للافراج عن 150 امراة وطفلا فقد احتجزت منذ 7 اكتوبر الماضي نحو 3000 آلاف فلسطيني، ولديها في السجون - بحسب نادي الاسير الفلسطيني - نحو 7000 أسير بينهم 200 طفل و78 سيدة ومئات المرضى والجرحى.. واسرائيل وان أفرجت عن أسرى فهي قادرة على اعتقال المزيد من الفلسطينيين على مدار الساعة و»دون تهم».. ولكن ورغم كل الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني عموما والغزيّين خصوصا فان مقاييس ومعايير الربح والخسارة في صفقة تبادل الأسرى والرهائن بين حماس واسرائيل وبجهود ووساطة قطرية ومصرية تشير إلى ما يلي:
1 - «الصفقة »جاءت كنتيجة حتمية لعدم تمكن اسرائيل من تحرير الرهائن بالقوة بعد 50 يوما من عدوانها على غزة كما زعمت وراهنت بل واشبعت مواطنيها وعودا لم تتمكن من تحقيقها.
2 - اسرائيل حتى لم تتمكن من تحقيق هدفها الاول وهو القضاء على حماس وقوتها، فصواريخ المقاومة لا زالت تصل لأقصى شمال وأدنى جنوب الأراضي المحتلة.
3 - لم تضع اسرائيل ملف الرهائن والأسرى في مقدمة أولوياتها هذه المرّة لان حجم انتكاستها في 7 اكتوبر كان أكبر وأهمّ من الالتفات الى هذا الملف، لكن المقاومة وبإعلامها العسكري المحترف نجحت بتأجيج الشارع الاسرائيلي الذي ضغط على الحكومة اليمينية المتطرفة وجعلها ترضخ للقبول بالصفقة.
4 - عدم تمكن اسرائيل من تحقيق انتصار عسكري على الأرض (عدا قتل وجرح عشرات الآلاف من المدنيين معظمهم من الأطفال والنساء، وتدمير عشرات الآلاف من المباني وأكثر من 26 مستشفى ومساجد ومدارس وكنائس) أحرج الولايات المتحدة الامريكية وتراجعت شعبية الرئيس بايدن وتزايد عدد الشباب الأمريكي المطالب بوقف الحرب، وبدلا من أن يسهم الدعم الأمريكي للعدوان الاسرائيلي على غزّة بزيادة نسب ترجيح فوز الديمقراطيين بالانتخابات المقبلة 2024 حدث العكس تماما بحسب استطلاعات الرأي الأمريكية.
5 - قبول اسرائيل بالهدنة الأولى وتبادل الأسرى سوف ينعكس على باقي أهالي الأسرى ممن لم تشملهم الصفقة الأولى وسيضغطون على الحكومة الاسرائيلية وستكون هناك هدن أخرى.. لأنّ دولا لها أسرى - ومنها أمريكا - ستضغط أيضا للافراج عن مواطنيها.
باختصار: من المهم جدًا تكريس«نصر الصفقة» فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا من خلال:
- فلسطينيًا: نحو مزيد من تحرير الأسرى في السجون الاسرائيلية، وأن يكون ثمن دماء الشهداء وآلام الجرحى نتيجة العدوان على غزة، ليس فصل شمالها عن جنوبها أو تنفيذ مؤامرات التهجير.. بل أن يشكل الصمود بداية معركة التحرير وانتهاء الاحتلال الغاشم.
- عربيًا: هي فرصة لتفعيل العلاقات العربية والضغط دوليا من أجل قيام الدولة الفلسطينية في ظل الرفض الاسرائيلي لحل الدولتين.
- دوليًا: رهان كبير بأن تسفر ضغوط الشعوب الحرّة عن إعادة الروح للقضية الفلسطينية وحلّها بعد أن انكشف للعالم كذب اسرائيل لدرجة لن تقدر أقرب الدول الداعمة لها على مواصلة التغطية على كذبها وعدوانها.
("الدستور") الأردنية