"الكاميرا".. نقلت استعراض حماس لقوتها في شمال غزة، مما دفع بالإعلام الاسرائيلي وكبار المحللين إلى القول إنّ قوتها مترجمة بالكاميرا إلى قوة مساومة مع الوسطاء، وإسرائيل، تفرض وصول المساعدات إلى الشمال والجنوب معًا.
الكاميرا.. حرب أقوى من كل شيء، فالصورة للملثم ابو عبيدة وحركات عينية ويدية ونبرة صوته شكّلتا صورة أخرى للحرب، بمشاهدة تدمير الآليات الإسرائيلية، فقد استعطف كثيرون صورة الشاب الحافي وممن يلبس بنطلون رياضة، وأحيانا يضع برجبيله شبشب، ويحمل مقذوفات "الياسين" ويوجهها بضرب آليات العدو، صورة مذهلة توقف عندها كبار المحللين الصهاينة وفي العالم لسبر غور هذه المشاهد النادرة وغير المتوقعة، كما أن السياسيين وقيادات وازنة بالعالم رأت الصورة وأبدت دهشتها من شباب محاصرين يخرجون من الإنفاق أو من تحت الركام ويضربون بشجاعة قل نظيرها ومن مسافة صفر آليات العدو بكل جرأة، كما أن الكاميرا نقلت صورة الشاب الذي يحمل عبوة "شواظ" ويضعها بيديه على آليات العدو الاسرائيلي، في مشهد خيالي لم يكن أحد يتوقعه، وبافتراض أنه لا يوجد كاميرا تنقل هذا العمل البطولي.. فكم شخص سوف يقبل فكرة إقدام شاب بنفسه ليضع مقذوفًا يعطل فيه آليات العدو الاسرائيلي؟!، إنها الكاميرا لا تكذب، وتنقل بثقة إلى العالم جسارة رجال المقاومة الفلسطينية.
"الكاميرا".. على الطرف الاسرائيلي عرّتها بصورة موثقة، وما تتابع المذابح والمجازر في مدرسة الفاخورة وفي مدارس ومستشفيات غزة وفي مقدمتها الشفاء والاندونيسي وو... إلخ، والكاميرا نقلت صورة الضحايا المدنيين الفلسطينين في شوارع غزة، ونقلت وحشية وهمجية الجيش الاسرائيلي.. كل هذا وغيره نقلته الكاميرا وعرّت فيه صورة إسرائيل أمام العالم.
الكاميرا... وليس غيرها انتصرت للأطفال والنساء ممن كان الإعلام الغربي ينكرهم، كما أن ساسة أمريكا وأوروبا لم يكونوا على قناعة بأن إسرائيل تحتجز أطفالًا ونساء فجاءت صفقة تبادل الأسرى لتعري صورة الديمقراطية الإسرائيلية وتفضح قادتها وسياسييها وعنصريتها الفجة، فالكاميرا كانت حاضرة في ايقاظ شعوب أمريكا وأوروبا بتصرفات إسرائيل وجيشها ووجهها القبيح باعتقالها الأطفال ووسمتها بالارهاب الأسوأ في التاريخ، فلا يوجد دولة في العالم تتحدث عن نفسها بالديمقراطية وتعتقل أطفالًا ونساء، إنها الكاميرا التي عرت إسرائيل وأظهرت للعالم أنّ فلسطين وأهلها أصحاب الأرض وأصحاب الحق وأن لا استقرار ولا أمان إلا بزوال الاحتلال الاسرائيلي.
الكاميرا.. هي الناقل الحقيقي للحدث، وهي الأصدق في الرواية والأكثر تعبيرًا، فقد أجادت "حماس" حربها بالكاميرا وأجادت في تغيير صورة الواقع الذي رسمته إسرائيل لفلسطين "أرض بلا شعب"، وأجادت في ترسيخ صورة متدنية لما يسمى أخلاق الجيش الاسرائيلي، وصبغت ساسة إسرائيل وجنرالاتها بالعنجهية والمرض النفسي، وبات الصهيوني في أمريكا وأوروبا بصورته القاتمة إرهابيًا وبلا أخلاق، فكانت المظاهرات العالمية في عواصم الغرب إحدى تجليات حرب الصورة (الكاميرا) التي شاهدها العالم، وبدأ ينظر إلى ساسته وقادته بأنهم منحازون ويشاركون إسرائيل جرائمها بل ويغطون أفعالها ويزوّرون الحقائق، وما بعد حرب غزة قطعًا لن يكون العالم كما قبلها.
إسرائيل فشلت في حرب الكاميرا، فيما انتصرت "حماس" وأرخت بصورتها في قلوب ملايين البشر في العالم وأضحت فلسطين صورة أخرى بعيدة عن الرواية الصهيونية وإعلامها، وبكل الأحوال فإنّ الكاميرا (الصورة) لا تكذب ولا تنافق، فهي الحقيقة التي شاهدها العالم وانتفض لبشاعة إسرائيل وجيشها وسقوط روايتهما عن فلسطين وأهلها.
("الدستور") الأردنية