لم أكن متفائلًا بقدوم أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، إلى المنطقة، وصدق ما توقعت، على عكس ما كان يتوقعه البعض من قدومه للضغط من أجل تمديد «الهدن» الإنسانية، وتحويلها إلى وقف شامل، والانخراط في عملية سياسية شاملة.
بلينكن لم يفعل ذلك بالطبع، وإنما جاء ليحضر «مجلس الحرب» الإسرائيلي، ويعلن رفضه وقف إطلاق النار، مكتفيا بعبارات مبهمة ليس لها أي معنى على أرض الواقع، مثل «الحفاظ على حياة المدنيين»، و«الالتزام بالقانون الدولي الإنساني».
بعد نهاية زيارته إلى المنطقة أشعلت إسرائيل الحرب من جديد بعد أن أخذت الضوء الأخضر من الحامي الرسمي الأمريكي، المساند، والداعم الرئيسي للحرب على غزة ماديا، وعسكريا، ومعنويا.
في اليوم الأول لاستئناف الحرب سقط ما يقرب من ١٥٠ شهيدًا، ومثلهم في كل يوم، وربما أكثر، ليرتفع العدد الإجمالي إلى ما يقرب من ١٦ ألف شهيد (أكثر من ٧٠٪ نساء وأطفال).
بحسبة بسيطة نجد أن هناك ما يقرب من ٣٠٠ قتيل يوميا للمجازر الإسرائيلية، منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر بالإضافة إلى ما يقرب من ٥٠ ألف مصاب حتى الآن نصفهم إصاباتهم خطرة، ومعنى ذلك أن أصحاب الإصابات الخطرة معرضون للوفاة أيضا، إلى جوار حالات الإعاقة، والإصابات الأخرى.
العالم العربي يحتاج إلى «وقفة» مع الصديق الأمريكي لمعرفة هل هو صديق فعلا أم عدو؟.. وإلى متى يستمر في دعمه الكامل للعدوان الإسرائيلي، وتجاهل الحقوق العربية المشروعة، مكتفيا بالكلام الضبابي المبهم حول «حل الدولتين»، و«حقوق المدنيين»؟!
مصلحة أمريكا مع العالم العربي، وليست مع إسرائيل، إلا إذا كانت تعتبر إسرائيل أداة إذلال، وقهر، وابتزاز للعالم العربي، لتنفيذ مخططات الاستيلاء على ثرواته، وإضعافه، كما حدث طوال الـ«٧٥» عاما الماضية.
لا بد أن يصل الصوت العربي «قويًا» إلى الإدارة الأمريكية، فإذا كانت الإدارة الأمريكية راغبة في التعاون، والصداقة فهذا هو المطلوب، وعليها ترجمة ذلك برفع الغطاء عن العدوان الإسرائيلي، وإرغام تل أبيب على قبول السلام العادل، والدائم في الشرق الأوسط، وتنفيذ حل الدولتين بعيدا عن الوعود، والتسويف، والمماطلات.
أما إذا تجاهلت أمريكا كل ذلك، فمن الضروري أن تكون هناك مراجعة شاملة، وخطة طويلة الأمد لفك الارتباط العربي - الأمريكي ما دامت الإدارة الأمريكية مُصرة على مساندة العدوان، وتجاهل نداء السلام لمصلحة كل دول المنطقة، بما فيها دولتا إسرائيل وفلسطين.
("الأهرام") المصرية