عقد في الأسبوع الماضي المؤتمر الدولي لأوبك في قصر هوفبرغ التاريخي بالعاصمة النمساوية، فيينا. وهذا هو المنتدى الثامن الذي تعقده أوبك، منذ انطلاق مؤتمرها الأول عام 2001، والذي يعد امتداداً للندوة التي عقدت في فيينا عام 1969. وكما هي العادة في اجتماعات أوبك، فقد تألق وزير الطاقة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، الذي أشار إلى نقطتين مهمتين: الأولى هي أن أوبك+، التي تضخ نصف الإنتاج العالمي من النفط، قد أصبحت تلعب دور «المنتج المرجح» وليس المملكة - كما كان في السابق-. كما أكد سموه أن التخفيضات الجديدة المشتركة في إنتاج النفط التي أعلنتها المملكة وروسيا في الأسبوع الماضي أثبتت مرة أخرى أن المشككين في شأن علاقات الطاقة السعودية الروسية على خطأ، وأن التنسيق السعودي الروسي ضمن إطار تحالف أوبك+ سوف يؤدي إلى دعم السوق واستقرارها. أما النقطة الثانية فهو تأكيد سموه مرة أخرى على أن «بيانات وكالة الطاقة الدولية... تؤدي إلى اختلال في السوق».
وهكذا، فنحن أمام عدة حقائق، فالمملكة في ظل المرحلة الانتقالية التي يعيشها النظام العالمي بدأت ترسم علاقتها مع أقطاب هذا النظام ثلاثي الأضلاع: الولايات المتحدة والصين وروسيا. فلدى المملكة مع هذه الأضلاع الثلاثة أجندة متعددة تتفق في بعضها مع هذه الدول وتختلف معها في بعضها الأخر، وفقاً لمصالحها. وهذا يعطي المملكة «الدولة النفطية العظمى» دور المرجح ليس في النفط وحده فقط، وإنما أيضاً، فيما يخص الشرق الأوسط، باعتبارها قوة إقليمية عظمى.
ولذلك، فليس مصادفة رغم الاختلاف بين المملكة وروسيا في العديد من الملفات، أن يتفق البلدان حول إنتاج النفط، اللذان يلعبان فيه دور المرجح، الذي يؤدي إلى استقرار أسواق النفط. وهذا الاستقرار، الذي يعود بالفائدة على البلدين وبقية أعضاء أوبك+ مبني على قاعدتين رئيستين: الأولى، سعر عادل للنفط، بحيث تؤدي عائداته إلى توفير الموارد المالية اللازمة لخطط التنمية في البلدان المنتجة له. والقاعدة الثانية عدم ارتفاع أسعار النفط إلى المستوى الذي يعوق نمو الاقتصاد العالمي، ويحد من الطلب على النفط بالتالي.
إن تخفيض إنتاج النفط، يستهدف رفع أسعاره إلى مستوى يتراوح بين 80-90 دولاراً للبرميل، وذلك للحيلولة دون حدوث عجز كبير في الإنفاق على التنمية. فأسعار النفط، رغم التخفيضات السابقة، لم ترتفع إلى المستويات المطلوبة، وهذا عائد في جزء منه لإبقاء بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لسعر الفائدة الأساسية مرتفع. الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار وانخفاض أسعار البضائع المقيمة به ومن ضمنها النفط. ولذلك، فرغم الاتفاق بين المملكة والولايات المتحدة على العديد من الملفات، فإن المملكة، في الاختلاف من حليفتها، ترى إن أسعار النفط، لا تزال دون المستوى العادل.
(الرياض)