صحافة

أزمة السلام العالمي في الصراعات والحروب

عادل القليعي

المشاركة
أزمة السلام العالمي في الصراعات والحروب

من منا لا يحلم بالسلام الذي ينبغي أن يسود العالم، من منا لا يمقت الحروب الطاحنة الدائرة هنا وهناك التى لا تبقي ولا تذر، التي تأتي على الأخضر واليابس والتي لا نجني من ورائها إلا الويلات ، من منا لا يريد أن يعم الخير والعدل الجميع، من منا لا يحلم بأن يأتى يوم يكون العالم كله، قلبه على قلب بعض كالجسد وكالنسيج الواحد إذا اشتكى أحد أعضائه يهتم بشكايته وبأوجاعه سائر الأعضاء. من منا لا يريد الطمأنينة والراحة وهدوء البال. دوما ما نجلس أمام شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعب نرى ونسمع عن حرب هنا وأخرى هناك، أطفال تشرد وتيتم، شيوخ عجائز تهدم بيوتهم فوق رؤوسهم، أمهات ثكلى حزنهن يقطع الأكباد، شباب، صبيان، نساء أرامل، أطفال يبكون ويقولون سنشكوكم إلى الله ونخبر الله عما فعلتم بنا.

بأي ذنب قتلوا هؤلاء. بأي ذنب يقتل أطفال هذه الشعوب ولماذا، ألأنهم يدافعون عن مقدراتهم ويتمسكون بأراضيهم، رأينا والعالم كله شاهد أحشاء الأطفال تفتك بها الآلة العسكرية العجماء التي لا تفرق بين صغير وكبير، رجل وامرأة.

رأينا حروبا طاحنة في السودان، شاهدناها في حرب روسيا وأوكرانيا، والعالم يتفرج، يدين ويشجب حتى هذه يفعلونها على استحياء. مخيمات للاجئين تغرقهم الأمطار لا يجدون ما يدفئهم اللهم إلا بعض الخرق البالية يشعلونها.

السلام اسم من أسماء الله تعالى فدعوة الله السلام وتحية الله السلام، وجميع الأديان السماوية دعوتها السلام، فالسلام طريق للحب والمودة والعطف، فلم لا نلبي دعوة الإله ونعيش وننعم بالسلام؟! لماذا لا نضع أيدينا في أيدي بعضنا البعض لنحقق السلام، هل هذا صعب التحقق؟.

في اعتقادي أنه ليس صعبا، كيف لا يكون صعبا، ننزع الحقد والغل والحسد والضغينة من قلوبنا ونحب بعضنا البعض ويرحم صغيرنا كبيرنا ويعطف كبيرنا على صغيرنا هذا على المستوى الفردي، والفرد بدوره عضو فاعل في مجتمعه، فلماذا لا يحاول أن يطبق هذه المعطيات على واقعه، يطرح الأنانية جانبا ولا يكون ذئبا لأخيه الإنسان ويحيي قيم المواطنة، فالجميع مواطنون من الدرجة الأولى ويترك الطبقية والعنصرية، فالجميع لآدم وآدم من تراب، والجميع متساوون في الحقوق وكذلك في الواجبات فلا داعي لهذه العنصرية البغيضة. أما على مستوى الدول أو على الصعيد الدولي دوما ما نسمع مصطلح السلام الشامل، السلام العادل، مصطلح جميل ونحب أن نسمعه، أفرغته من مضمونه قوى الشر الكارهة للإنسانية، لماذا؟ لأنها تريد بسط هيمنتها وسيادتها وتكون هي القطب الأوحد. لكن السؤال الذي دوما ما يطرح نفسه، هل من الممكن تحقيق السلام الشامل العادل.؟! هل من الممكن تحقيقه أم هي عبارات رنانة تأخذ العقول وتذوب لها الآذان حين سماعها، نريد سلاما حقيقيا لا استسلاما، سلام تكافؤ القوى وتوازنها لا سلاما تفرضه الدول الكبرى على الصغرى.. جلوس على طاولات مفاوضات والكبير يفرض املاءاته على الصغير، قبيح أن نطلق على ذلك سلاما.

أرى أنه استسلام ومن يرعى ذلك فهو يضيع وقته لأنه بالحتمية والضرورة المنطقية سيكون سلاما هشا. إذا أردنا سلاما حقيقيا لا بد أن تطرح الدول أو ما تسمى بالدول العظمى، هيمنتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية تطرح ذلك أرضا وتوظف تلك الطاقات لرعاية وتحقيق السلام للجميع.

منذ بدء الخليقة وصراع مستمر بين الخير والشر هابيل وقابيل، أحدهما يحمل بيده السلام والآخر يحمل بيده الشر، لكن ما استمر شر أبد الآباد، والغلبة في نهاية حلبة الصراعات ستكون لمن يحمل بيده أغصان الزيتون، ويحمل بشارات الأنبياء الذين كانت دعواتهم للسلام فها هو عيسى المسيح عليه السلام دعوته في مواعظه على الجبل وترانيمه تحمل السلام، الله محبة والمحبة سلام، وها هو محمد صلى الله عليه وسلم راياته السلام وبشاراته السلام وتحيته السلام، وها هو موسى حينما يخاطب فرعون يقول له قولا لينا واللين سلام، لين الجانب سلام وليس استسلاما.

وإذا ما تطرقنا إلى هذا المفهوم قديما فدعوة الفلاسفة، منذ الفلاسفة الأوائل إلى كانط فيلسوف العصر الحديث دعواتهم سلام، وأذكر على سبيل المثال الفيلسوف الرواقي زينون الرواقي ودعوته لانشاء المدينة العالمية ودعوته إلى وحدة الجنس البشري لأن الكون كله يخضع لإله واحد ويحكمه قانون واحد هو قانون العقل، الذي بدوره يدعو إلى المحبة لأن المحبة من الإيمان وإذا ما تحققت المحبة فسيتحقق السلام. وكذلك ما ذكره إيمانويل كانط في كتابه مشروع للسلام الدائم ودعوته إلى إقامة مدينة عالمية تسودها الطمأنينة والهدوء، ومن قبله الفيلسوف الإسباني ريموند لول الذي تحدث عن السلام ومن قبلهما الفارابي في المدينة الفاضلة وكذلك ابن رشد، وأيضا مصلحو العصر جميعهم دعواتهم إلى تحقيق السلام الشامل العادل الذي ينعم به الجميع، فهل هذا صعب التحقق، هل هذا صعب المنال. إن الإنسان بفطرته مفطور على الخير وحب السلام وكراهية الشرور.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن