منذ أن اندلعت الثورات العربية، وأهمها تحديداً تونس ومصر، في نهاية 2010، وبداية 2011، وما تلاهما من أحداث إقليمية ودولية، والنظام الدولي في حالة مخاض شديد على مدار (12) عاماً، حيث قامت روسيا بالتدخل العسكري في أوكرانيا في 24 فبراير 2022، ولم تستقر قوى النظام الدولي على شخصية النظام الجديد، وهيكل قوته للدفع بالعالم نحو ترتيب الأوضاع وفقاً لما حدث من قبل في وقائع تاريخية، يطول فيها الحديث، وسبق أن تحدثنا وكتبنا عنها.
فالمشهد ينحصر في إصرار أمريكي على عدم مزاحمة أو منافسة أي قوى دولية لها في النظام الدولي، وتصر على الانفراد بهذا النظام مهما كانت كلفة ذلك، حتى لو وصل الأمر إلى أجندة الحروب!! وتركز في سبيل ذلك، على المواجهة مع روسيا والصين على وجه التحديد. إلا أن الواقع يشهد أن روسيا والصين أظهرتا أنهما قادرتان على مزاحمة ومنافسة أمريكا، وقد تبين ذلك في واقعة أوكرانيا الثانية. حيث تمخضت الواقعة الأولى في عام 2014م، عن السيطرة الروسية على شيه جزيرة القرم، وكان ذلك كفيلاً لإثبات المنافسة الروسية مع أمريكا. إلا أن أمريكا رفضت الاعتراف بذلك، وأصرت على ضم أوكرانيا، وبدء إجراءات ذلك، إلى حلف الناتو لتعبيد الطريق نحو موسكو، التي تصبح أسيرة الهيمنة الأمريكية، وتتأكد هذه السيطرة، فما كان من روسيا إلا أن تدخلت عسكرياً في أوكرانيا، وضمت ما يقرب من 20% من مساحتها للأراضي الروسية! ولا تزال رُحى المعركة دائرة بين روسيا المدعومة من الصين، ومعهما نصف العالم، وبين أمريكا وأوروبا. وكالعادة كان مجلس الأمن غير قادر على إصدار قرار تجاه فك هذه الأزمة، للتوظيف السياسي لحق الفيتو!.
واستمر هذا الوضع لمدة عام ونصف العام وأكثر، إلى أن كان المسرح يُعد لمعركة المشروع الصهيوني الأمريكي الاستعماري، بإزالة غزة من الوجود، والاتجاه نحو تنفيذ خطة ترامب للسلام. إلا أن قوى المقاومة الفلسطينية أدركوا ذلك، فكان طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر ضربة قاصمة لهذا المخطط الاستعماري الصهيوني الأمريكي، حيث كشفت أوراقه، وفي اليوم التالي كانت الحرب الصهيوأمريكية المباشرة على غزة، والتهديد للقوى المقاومة ومحورها، بتحريك البوارج الأمريكية للمتوسط، لحماية الكيان الصهيوني، وردع أي قوة أو طرف إقليمي أو دولي من التعدي أو المشاركة في دعم غزة ضد هذه الحرب العلنية التي لم تخف أهدافها، في إزالة غزة من الوجود، تحت هدف القضاء على حماس والمقاومة الفلسطينية نهائياً! دون رادع للكيان الصهيوني ولأمريكا، بالتوقف عن الإبادة الجماعية للسكان المدنيين، وبيوتهم ومؤسسات الخدمة (صحة – تعليم – عبادة – الخ).
هنا فإن السؤال المنطقي: أين القوى الدولية الطامحة في مزاحمة ومنافسة أمريكا والغرب الاستعماري على قيادة النظام الدولي، مما يحدث في الإقليم العربي؟!.
اللافت للنظر أن هناك دورا لكل من روسيا والصين (كل على انفراد، أو بالتنسيق معاً)، سواء اتخذ شكلاً علنيا (كما يحدث في مجلس الأمن بعدم تمكين الولايات المتحدة ودول أوروبا من استصدار قرار يدين المقاومة الفلسطينية خصوصاً حماس)، مع تقديم مبادرات بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة، أو اتخذ هذا الدور شكلاً أو أشكالاً غير علنية بتقديم المساعدات العسكرية بطريقة أو بأخرى لدول المحور من خلال الوجود في سوريا.
وعلى مستوى الخطاب السياسي، هناك تصريحات جيدة وداعمة للطرف الفلسطيني من بوتين ومن الرئيس الصيني، لكنها تبقى تصريحات نظرية، لا تتحرك إلى واقع عملي فعلي. فماذا تعني التصريحات أمام دعم عسكري ومالي مباشر من أمريكا للكيان الصهيوني إصرارا على إنقاذه من الانهيار، على خلفية وظيفته الاستعمارية في الحيلولة دون وحدة العرب وتقدمهم؟! فقد ثبت أن عدد الطائرات الأمريكية التي وصلت محملة عن آخرها بالسلاح الحديث (230) طائرة من الثامن من أكتوبر، وحتى اليوم الثمانين، وأيضاً (20) باخرة أمريكية محملة بالأسلحة أيضاً لتعويض الكيان عن خسائره الضخمة التي اقتربت من الألف مركبة ودبابة!! فضلاً عن الخسائر البشرية الكبيرة التي تجاوزت الـ(10) آلاف بين قتيل وجريح!.
هنا وجب التساؤل: أين روسيا والصين، من خطاب سياسي أقوى، وإدانة الكيان الصهيوني بحسم، والمسارعة لتقديم مساعدات عسكرية عاجلة للفلسطينيين. ولذلك مناشدة روسيا والصين ودعوتهما إلى الانخراط في هذه الحرب لدعم الطرف الفلسطيني ومحور المقاومة، هو مطلب عادل لإقرار العدالة والتوازن في الإقليم العربي والشرق أوسطي، وإلا فإن المزاحمة والمنافسة مع أمريكا وأوروبا تصبح فكرة نظرية لا أكثر. كما يعني القبول الروسي - الصيني، باستمرار هذه الحرب، يعني القبول بالهيمنة الأمريكية - الأوروبية على إقليمنا العربي، واستمرار الكيان الصهيوني في أداء وظيفته الاستعمارية في المنطقة.
("الأهرام") المصرية