تشهد تكنولوجيا المعلوماتية والذكاء الاصطناعي تطورات متسارعة، بدأت تؤثر بشكل حاسم على القطاعات المدنية والعسكرية على حد سواء، ويؤكد الخبراء أن التطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعي ستعرف قفزة نوعية خلال السنوات المقبلة، وستكون الجيوش في حاجة ماسة إلى توظيف هذا الذكاء في الحروب من أجل تقليص عدد الضحايا في صفوفها من جهة، ولتكبيد الأعداء خسائر مادية وبشرية فادحة من جهة أخرى، وخاصة في هذه المرحلة التاريخية التي يعرف فيها العالم تحولات جيوسياسية كبرى، يكاد يُجمع المتابعون على أنها ستؤدي -لا محالة - إلى ميلاد نظام دولي جديد قائم على التعددية القطبية، يسمح للقوى الإقليمية بلعب دور أكثر تأثيراً في صناعة القرارات على المستوى العالمي.
ويتجلى تدخل الذكاء الاصطناعي في الحروب بشكل واضح من خلال ما يحدث من تطورات على جبهات القتال في غزة وأوكرانيا، حيث يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بهدف الحصول على فاعلية أكبر في ضرب المواقع ومن أجل مساعدة القيادات الميدانية على اتخاذ القرار، كما يمنح الذكاء الاصطناعي إمكانيات لا تستطيع القدرات البشرية توفيرها، وعلى الرغم من ذلك فإن القيادات العسكرية ما زالت تتعامل بحذر مع ما يوفّره هذا الذكاء من خيارات متعددة تحتاج -حتى الآن- إلى تدخل مستمر من قِبل الذكاء البشري.
يشير نيكولاس باروت إلى أن التقدم الحاصل حالياً في مجال الذكاء الاصطناعي العسكري لا سيما في ميدان المعارك البحرية بدأ يقلق بشكل جدي قادة الغواصات الذين كانت معداتهم تتمتع بقدر كبير من الحماية في أعماق البحار، نتيجة لتعقيدات الوسط البحري التي تجعل غواصاتهم عصية على التعقب والمراقبة، الأمر الذي كان يسمح لها بتوفير الردع الملائم في مواجهة تهديدات العدو. أما الآن ومع التطورات الهائلة التي يشهدها الذكاء الاصطناعي في الميدان العسكري، فإن قدرة الغواصات على التخفي والاستفادة من عنصر المفاجأة في الحروب بدأت في التقلص، بسبب التقدم الحاصل في مجال الذكاء الاصطناعي المتعلق بتحديد مصدر الأصوات التي تطلقها الغواصات.
كما يذهب المتابعون لمسار تطور التكنولوجيات الحديثة إلى أن الشركات الغربية وخاصة الأمريكية منها توظف الحرب الروسية الأوكرانية الحالية لصالحها، وتحاول أن تقدم حلولاً مبتكرة لكييف من أجل إحداث نوع من التوازن بين القوة العسكرية للجيشين الروسي والأوكراني، ويتذكر الجميع أن إيلون ماسك قام بتقديم مساعدات تقنية حاسمة لنظام الرئيس زيلينسكي من أجل التصدي للهجوم الروسي. وهناك أيضاً شركات غربية تقدم مساعدات كبيرة للجيش الأوكراني للحصول على دقة أكبر في عمليات القصف التي تستهدف المواقع الروسية، وإضافة إلى ذلك فإن الاستخبارات الأمريكية ما زالت تقدم للجيش الأوكراني كل المعلومات الضرورية المتعلقة بمواقع تمركز الجيش الروسي.
وتعمل روسيا من جانبها على إدخال الذكاء الاصطناعي في طائراتها المسيرة وفي مدافعها الجديدة التي صنعتها مؤخراً من خلال تطوير إمكانيات مختلف الأسلحة الروسية على التوافق بشكل أفضل مع أنظمة التحكم الذاتي، بغرض تقليص حجم الخسائر البشرية في صفوف الجيش الروسي في خطوط المواجهة التي تقوم فيها موسكو بتجريب أسلحة ثقيلة ذاتية القيادة.
ويمكن القول إنه وبموازاة التقريض المبالغ فيه لكفاءة الذكاء الاصطناعي في مجال الحروب، نلاحظ أن هناك خبراء يحذرون من التفاؤل المفرط في قدرات هذا الذكاء في الحروب المصيرية مثل الحرب في غزة وأوكرانيا، لأن العامل البشري ما زال يمثل العنصر الأساسي القادر على حسم المعارك؛ لذلك فقد صرّح حاخام الطائفة اليهودية في فرنسا، غداة أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول، بأن الترسانة التكنولوجية التي كان يقال إنها ستحمي إسرائيل فشلت في توقّع الهجوم على غلاف غزة الذي بات يرمز إلى أكبر هزيمة استخباراتية في تاريخ إسرائيل. وقد فشل في السياق نفسه، كل الدعم التكنولوجي الذي قدمته الدول الغربية لكييف في تغيير موازين القوة في الحرب الروسية الأوكرانية.
("الخليج") الإماراتية