صحافة

كيف سنتعامل مع المتطرّفين الصهاينة؟

عماد الدين حسين

المشاركة
كيف سنتعامل مع المتطرّفين الصهاينة؟

هل يدرك العرب والفلسطينيون وكل إنسان حر في العالم خطورة التيار الصهيوني المتطرف في إسرائيل؟!.

سمعنا وقرأنا ورأينا العديد من علامات ومؤشرات ووقائع التطرف الإسرائيلي منذ زرع هذا الكيان في منطقتنا عام ١٩٤٨، وحتى ٧ أكتوبر الماضي، لكن لم يكن يتصور أكثرنا تشاؤما أن التطرف والعنصرية والفاشية الصهيونية قد وصلت إلى هذه الدرجة وبالتالي فالسؤال الذي يفترض أن يشغل كل المعنيين والمهمومين بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي هو: كيف سيتعاملون مع هذا التيار المتطرف؟.

في الماضى كان بعضنا يخدر نفسه ويخدرنا ويقول إن هذا التيار محدود، ولا تأثير له، وأن التطبيع مع هذا الكيان يمكن أن يجعل تيار السلام في إسرائيل يتقدم ويسيطر ويسود ويهمش هذا التيار المتطرف.

والملفت للنظر أنه منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وبعد توقيع اتفاقيات أوسلو عام ١٩٩٣، ووادي عربة مع الأردن عام ١٩٩٤ نشط تيار من المثقفين العرب يدعو لفكرة التطبيع مع إسرائيل من أجل التأثير فيها من الداخل. لكن المفاجأة أنه منذ هذا التوقيت تحديدا، وفي الوقت الذي كان يفترض أن تبدأ إسرائيل تغيير نظرتها العنصرية تجاه العرب، وتجنح للسلام، قام أحد المتطرفين الصهاينة وهو إيجال عامير بقتل رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين بحجة أنه قدم تنازلات للفلسطينيين!!.

والأكثر غرابة أنه ابتداء من عام ١٩٩٥ بدأ صعود بنيامين نتنياهو رئيس حزب الليكود اليميني المتطرف، حينما فاز في انتخابات ١٩٩٦، على شيمون بيريز رئيس حزب العمل، وظل رئيسا للوزراء حتى هذه اللحظة باستثناء فترات قليلة ليصبح أطول شخص يمكث في رئاسة الحكومة منذ زرع إسرائيل عنوة في المنطقة عام 1948.

والغريب أيضا أنه في الوقت الذي أمعنت فيه كل الحكومات الإسرائيلية سواء كانت يمينية أو يمين الوسط في التنكيل بالفلسطينيين، وارتكاب المذابح المتتالية، وتفريغ اتفاق أوسلو من مضمونه ــ وهو كان أساسا مجحفا بالفلسطينيين ــ وإغراق الضفة الغربية بالمستوطنات وتسميم ياسر عرفات بعد حصاره لسنوات في مقره بالمقاطعة في رام الله، رغم كل ذلك فإن مستوى التقارب العربي الرسمي والشعبي مع إسرائيل قد زاد كثيرا، وظلت الدول العربية تقدم العديد من مبادرات السلام لإقناع إسرائيل بتحقيق سلام عادل ودائم ينتهي بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيه ١٩٦٧، لكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة رفضت كل ذلك، بل ولم تخف نواياها في المزيد من تهويد الضفة الغربية ومهاجمة سوريا بصورة منتظمة وحصار قطاع غزة قبل هذا العدوان الوحشي.

فكرة هذا المقال جاءتني بعد أن قرأت ما قاله وزير التراث الإسرائيلي اميجاي الياهو يوم الجمعة الماضي بأنه يجب إيجاد طرق أكثر إيلاما من الموت للفلسطينيين مثل تدمير البيوت وكسر حلمهم القومي والهجرة الطوعية وهزيمتهم وكسر معنوياتهم كما فعلت الولايات المتحدة مع اليابان.

علينا أن نتذكر أن هذا الوزير المتطرف طالب بإلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة بكل سكانه بعد أيام منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في ٧ أكتوبر الماضي، وحينما يطالب هذا الوزير بأن تفعل بلاده كما فعلت أمريكا مع اليابان فالمعنى الوحيد الذي يريد أن يؤكده هو استخدام القنبلة النووية والذرية مثلما حدث في أغسطس ١٩٤٥، وجعل اليابان تعلن استسلامها.

سيقول البعض إن نتنياهو أدان كلام الياهو عن استخدام القنبلة النووية، وهو ما فعلته الولايات المتحدة، وبعض الدول الأوروبية، لكن حينما يعود الوزير ليستخدم نفس المعنى ويطالب بإيلام الفلسطينيين بطرق أكثر من إيلاما من الموت فالمعنى الأساسي أنه يعبر فعليا عما تفكر فيه كل حكومة إسرائيل، وليس مجرد وزير فقط.

إلياهو ينتمي إلى حزب «القوة أو العظمة اليهودية» الذي يترأسه المتطرف ايتمار بن غفير، وهذا الحزب مع حزب «الصهيونية الدينية» الذي يترأسه بتسلئيل يموتريتش يمثلان عصب الائتلاف الحكومي الذي يترأسه نتنياهو.

ما أقصده أن سقوط نتنياهو غدا ومعه بن غفير وسموتريتش وسائر المتطرفين لن يعني نهاية التطرف، لأن هذا التيار صار متغلغا في إسرائيل، وهو الذي يحصل على الأغلبية في معظم الانتخابات الإسرائيلية، وبالتالي فنحن هنا نتحدث عن ثقافة سياسية إسرائيلية عامة، وليس مجرد أشخاص أو أحزاب أو قوى متطرفة، بل مجتمع متطرف وبالتالي على كل العرب وكل دولة على حدة أن تستخلص الدروس وتفكر بهدوء كيف يمكن التعامل مع هذا الأمر الخطير والوجودي.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن