صحافة

إثيوبيا الحبيسة ومنفذ بحري سيادي

صلاح حليمة

المشاركة
إثيوبيا الحبيسة ومنفذ بحري سيادي

تم في أول يناير 2024 بأديس أبابا التوقيع على مذكرة تفاهم شراكة وتعاون بين رئيس إقليم أرض الصومال، موسى بيهي عبدي، وبين رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية آبي أحمد، لتحصل إثيوبيا بموجب المذكرة على ملكية حق الانتفاع LEASE نحو 20 كيلومترا لمدة 50 عاما من أرض الاقليم كميناء ـ منفذ بحري ـ بغرض إقامة قاعدة عسكرية وأنشطة تجارية، مقابل حصول أرض الصومال على 30 % من شركة الطيران الإثيوبية، والاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة. وقد أثارت المذكرة قدرا كبيرا من القلق البالغ والتوتر الشديد بين الصومال وإثيوبيا بل وفي الإطارين العربي والإفريقي خاصة منطقة القرن الإفريقي/شرق إفريقيا، والبحر الأحمر التي تشهد قضايا ساخنة عديدة ذات أبعاد أمنية متصادمة وسياسية متأزمة وإنسانية متدهورة وإقتصادية متراجعة. ومرد ذلك أن أحد طرفي المذكرة ليس من اشخاص القانون الدولي الذي يتمتع بحق السيادة والاهلية لمباشرة هذا الحق وفي مجالات ذات طبيعة أمنية سياسية اقتصادية، بل إنها بين دولة تتمتع بهذا الحق وإقليم في دولة لا يتمتع بهذا الحق، مما يمثل انتهاكا للقوانين والمواثيق والاتفاقات الدولية ويفرز تداعيات تؤثر سلبيا وبقوة على الامن والاستقرار الاقليمي والدولي.

جاء رد فعل جمهورية الصومال الفيدرالية رسميا وشعبيا قويا وحاسما وفوريا. فقد أصدر الرئيس الصومالي قرارا بقانون بعد موافقة البرلمان الصومالي بغرفتيه على رفض المذكرة واعتبارها كأن لم تكن NULL & VOID، وأنها غير مشروعة ولا تتفق وأحكام القانون الدولي، والقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، بما تمثله من انتهاك صارخ لسيادة الصومال وسلامته الإقليمية ومن مخالفة للمبدأ المستقر بالاتحاد الإفريقي على احترام قدسية الحدود المتوارثة عن الاستعمار. أما على المستوى الشعبي فقد شهدت العديد من المدن الصومالية مظاهرات وهتافات مناوئه لإثيوبيا تندد بالأطماع الإثيوبية وتتمسك بسيادة الصومال على أراضيه وأنها ليست للبيع، متضامنة مع موقف الحكومة وداعمة لها. وقد أعربت الجامعة العربية عن تضامنها مع الصومال في رفض وإدانة المذكرة المتضمنة حصول الدولة الحبيسة على منفذ بحري على أرض الاقليم باعتبارها انتهاكا لسيادة الدولة الصومالية وسلامة أراضيها. وهو موقف يؤكد أن مذكرة الشراكة والتعاون باطلة وغير مقبولة، مشيرة الى ان هذه الخطوة تدفع في اتجاه نشر الأفكار المتطرفة في وقت تقوم فيه الدولة الصومالية بجهود ضخمة لمواجهة الارهاب.

أما الاتحاد الإفريقي فقد أكد رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي ضرورة احترام الوحدة والسلامة الأقليمية والسيادة التامة لكل الدول الأعضاء بالاتحاد الإفريقي مطالبا الصومال وإثيوبيا الدخول في عملية تفاوضية دون تأخير لتسوية خلافاتهما وحثهما على الامتناع عن أى إجراء قد يؤدي عن غير قصد الى تدهور العلاقات الجيدة بينهما كجارتين في شرق إفريقيا.

واقع الامر أن إثيوبيا منذ أضحت دولة حبيسة عقب استقلال أريتريا عام 1993 ظلت تتطلع وتطمح في أن يكون لها منفذ بحري على البحر الأحمر، خاصة أنها منذ سنوات ليست قليلة مضت قد حدثت من أسطولها البحرى في البحر الأحمر. كان يمكن ولم يزل ممكنا أن يتحقق هذا الهدف على نحو مشروع حال أن يكون في إطار تعاون ثنائي على أساس من الاحترام المتبادل لسيادة الدول والمصالح المشتركة بينهم وفي اتساق مع القوانين والمواثيق والاتفاقات الدولية ذات الصلة مع دول متشاطئة على البحر الاحمر، ولكن يبدو أن هذا النهج لا يشفي المطامع الإثيوبية الى الحد الذي صرح معه ابي أحمد أمام البرلمان منذ أشهر قليلة بأن إثيوبيا ــــ وهي دولة حبيسة بحكم الجغرافيا ــــ تتطلع الى منفذ بحري سيادي على البحر الأحمر، ووجدت ضالتها في إقليم أرض الصومال ـــ الذي يتمتع بموقع إستراتيجي حيوي على مدخل البحر الأحمر وخليج عدن ـــ والذي كان قد أعلن في عام 1991 استقلاله بالانفصال عن الصومال الدولة الأم ولم يعترف به كدولة مستقله حتى تاريخه أي دولة في العالم، وظل جزءا لا يتجزأ من الصومال في ظل مباحثات تجرى بين حكومة دولة الصومال الفيدرالية وحكومة الأقليم للحفاظ على تواصل وحدة الدولة وسلامتها الاقليمية دون حدوث أي انفصال، وهو موقف يحظى بدعم إقليمي ودولي. ويجيء هذا النهج الإثيوبي الاحادي المقترن بفرض الامر الواقع ليرتكب هذا الانتهاك الصارخ لسيادة دولة وسلامتها الاقليمية ومخالفا للاجماع الدولي، ويثير قلقا وتوترا في منطقتي القرن الافريقي والبحر الأحمر وكلاهما يعانيان توترات حالية لاسباب عدة من ابرزها ما تشهده منطقة البحر الاحمر من توترات بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، وما تشهدة منطقة القرن الافريقي/شرق افريقيا من توترات بسبب الأزمة السودانية بل والاوضاع في الصومال الذي يواجه نشاط حركة الشباب الصومالية.

هذا ومن المرجح أن موقف مجلس الدول العربية والإفريقية المتشاطئة على البحر الأحمر والذي يضم في عضويته الدول العربية والإفريقية الثماني المتشاطئة عليه سيتخذ موقف الصومال وكل من الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي.

إن النهج الإثيوبي في التعامل مع الصومال على النحو المتقدم سيبعث مجددا في ذاكرة الشعب الصومالي ما تعرضت له بلاده من قبل من ضم أجزاء من أراضيه لدول بالجوار خاصة لإثيوبيا التي يحفل تاريخ البلدين بينهما بحروب شرسة خلفت رواسب عدائية وضم منطقة أوجادين الصومالية بأبنائها الصوماليين لإثيوبيا والتى تشهد حاليا بجانب إثنيات أخرى في الأقاليم الإثيوبية اضطرابات وقلاقل تقودها حركات تحرر ذات نزعات وتوجهات انفصالية أو استقلالية.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن