صحافة

دعم غزّة.. بين حُسن وسوء النية

عماد الدين حسين

المشاركة
دعم غزّة.. بين حُسن وسوء النية

عصر يوم الأربعاء الماضي أذاع تليفزيون BBC البريطاني الناطق باللغة العربية، تقريرا جاء فيه أن ٤ منظمات حقوقية طالبت الحكومة المصرية العمل بشكل حقيقي واستخدام كل الوسائل الممكنة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وفتح معبر رفح بشكل دائم ومستمر.

من بين المنظمات التي وقعت على البيان «الجبهة المصرية لحقوق الإنسان» و«مركز النديم لمساعدة ضحايا التعذيب» و«مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان» و«منظمة اللاجئين في مصر»، وتم نشره عبر «منصة اللاجئين» في مصر على الفيسبوك.

البيان يطالب الحكومة المصرية بإدخال الوقود والمواد اللازمة لإعادة عمل البنية الأساسية للقطاع، بما يضمن إعادة إنتاج المياه الصالحة للشرب والكهرباء وتدفق الغذاء والدواء وكذلك عبر المنافذ التجارية للقطاع، وأن تسمح الحكومة المصرية لفرق ومعدات الدفاع المدني بالدخول إلى القطاع والعمل على إنقاذ العالقين تحت الأنقاض التي خلفها العدوان الإسرائيلي، والسماح للفرق الطبية وأطقم منظمات الإغاثة المصرية والدولية بالدخول لغزة.

شخصيا أتمنى أن يحدث ذلك، وبالتالي فإنني أفترض حسن النية في كل مصري وعربي وأجنبي يطالب الحكومة المصرية والحكومات العربية والدولية بزيادة دورها وجهدها لقطاع غزة، والضغط بكل ما تستطيع على إسرائيل ومن يعاونها، لوقف العدوان وزيادة المساعدات الواصلة للقطاع لأن هذا العدوان غير مسبوق.

وأغلبية المصريين والعرب يطالبون بذلك لأنهم يرون على شاشات القنوات التليفزيونية المختلفة إخوتهم وأشقاءهم الفلسطينيين يتعرضون لأبشع عدوان شهده التاريخ الحديث، وهؤلاء نعذرهم تماما، لأنهم ربما لا يدركون تعقيدات المشهد في غزة والمنطقة بأكملها.

ربما تكون هناك بعض الأخطاء الفردية في الجانب المصري، وقد يحاول البعض من ذوي النفوس الضعيفة المتاجرة بآلام الفلسطينيين، ومصر أعلنت بوضوح على لسان ضياء رشوان أنها مستعدة للتحقيق في أي من هذه الأخطاء الفردية، لكن من المهم الإدراك أن جوهر المشكلة هو العدوان الإسرائيلي أولا وثانيا وعاشرا!!.

وبالتالي هناك شعرة دقيقة للغاية تفصل ما بين التضامن الطبيعي والإنساني مع غزة وأهلها، وبين الإساءة لمصر بحسن أو سوء نية، وبما لا يخدم إلا العدو الإسرائيلي الذى يحاول بكل الطرق التهرب والتملص من دوره في العدوان والمأساة وإلقاء الكرة على المقاومة الفلسطينية، أو مصر كما حدث أمام محكمة العدل الدولية.

وبالتالي يبدو غريبا ومثيرا للعديد من الشكوك حينما تتزامن مثل هذه التعليقات وأحيانا الاتهامات للحكومة المصرية مع نفس الاتهامات الإسرائيلية الظالمة في محكمة العدل الدولية في لاهاي أو انتقادات وزير الخارجية البريطانية ديفيد كاميرون لما أسماه «البيروقراطية المصرية» التي تعيق تدفق المساعدات إلى قطاع غزة!!.

قد تكون هناك أخطاء فردية هنا أو هناك، لكن اصطفاف منظمات بعينها، خلف الدعاية الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية أمر يدعو للاستغراب وأحيانا للريبة.

هذا أولا، أما المهم فهو أن معظم المطالب التي ترفعها هذه المنظمات تعني ببساطة شديدة أن تعلن مصر الحرب على إسرائيل فورا.

يعلم الذين كتبوا هذه المطالب وغيرهم أن مصر تسعى من اليوم الأول لإدخال أكبر قدر من المساعدات، لكن إسرائيل كانت ترفض، وحينما رضخت للمطالب والضغوط المصرية والعربية والدولية فإنها راوغت وماطلت بل وقصفت المعبر أكثر من مرة، وهناك آلية ثلاثية من مصر وإسرائيل وأمريكا بشأن إدخال المساعدات.

والنقطة التي تكررها هذه المنظمات هي أنه على الحكومة المصرية أن تفتح المعبر فورا أمام المساعدات والبشر والمعدات كي يدخلوا إلى غزة، ليس فقط للمساعدات، ولكن لمساعدة الفلسطينيين.

سوف نفترض أن مصر استجابت لهذا المطلب فورا، فما هي النتيجة المتوقعة؟!

الطبيعي أن الجيش الإسرائيلي سيبادر إلى قصف هذه الشاحنات أو كل الداخلين، فما هو المفترض أن تفعله مصر في هذه الحالة؟! إما أن تصمت وتبدو في أعين هذه المنظمات مترددة وخائفة، أو تدخل الحرب فورا من أجل إرضاء هذه المنظمات وأمثالها فقط!.

نعم الفلسطينيون يتعرضون لأبشع عدوان، وهم يستحقون أكبر قدر من المساعدات والدعم من كل أشقائهم، لكن أيضا فإن قرار دخول الحرب أو حتى قطع العلاقات مع إسرائيل أو حتى سحب السفير، تقرره المصالح المصرية وليس فقط مطالبات بعض المنظمات هنا أو هناك.

أدرك تماما أن كلامي سيغضب كل هؤلاء ومعهم كل البسطاء والمتحمسين حسني النية، لكن من المهم جدا أن ندرك أن القرارات الكبرى ينبغي أن تخضع لنقاشات وحسابات دقيقة جدا تتعلق بمصالح هذا البلد العليا، بعيدا عن ابتزازات وضغوط بعض المنظمات التي لا تجيد إلا الضغط على بلدها فقط.

نحتاج أن ندعم غزة بأقصى ما يمكننا، وفي نفس الوقت نحافظ على بلدنا من أي مكروه.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن