هناك خطأ جسيم يقع فيه الآن بعض مروجي التطبيع في عالمنا العربي حين يقدمون صورة عن المجتمع الإسرائيلي على أنه مجتمع ليبرالي يتمتع بثوابت تقوم على الحريات والأحزاب وحقوق الإنسان ، وأنه زرع في العالم العربي ليكون مبشرا بالحضارة الغربية المعاصرة في مجتمعات الشر والتخلف والرجعية ، ومن هنا فإن الحرب على غزة وإبادة شعبها بهذه الوحشية هو في الحقيقة حرب ضد الإرهاب والشر والتخلف العربي.
هذا الطرح الغريب من أنصار التطبيع أحدث شرخا عميقا بين الشعوب والحكومات العربية وقضية فلسطين، وكانت يوما قضية العرب الأولى حربا وسلاما، ولا بد أن نعترف بأن إسرائيل نجحت في سنوات التطبيع في تجنيد أبواق كثيرة لتجميل صورتها، كما أن لغة المصالح لعبت دورا كبيرا في تجنيد أعداد كبيرة من المنتفعين وللأسف الشديد فإن نجاح هؤلاء في نشر الأكاذيب وتضليل الشعوب قد أتى بثماره في حرب عزة حين تخلى عنها الجميع حربا وطعاما، هناك حقائق تاريخية يجب أن نتوقف عندها بكل الصدق والأمانة.
أولاً: إن إسرائيل الوطن والشعب بدأت فكرة وحلم إقامة دولة للشعب اليهودي على أرض فلسطين تحت دعوى أنها كانت يوما الأرض المقدسة التي عاش فيها أنبياء الشعب اليهودي الذي عاد في العصر الحديث بدعم غربي استعماري مشبوه إلى ما أطلقوا عليه أرض الميعاد وأن الحلم اليهودي حلم ديني لا علاقة له بما وصلت إليه الحضارة المعاصرة وإن سعي لاستخدامها في تنفيذ أطماعه التوسعية.
ثانياً: إن إسرائيل دولة يهودية عنصرية وأن المجتمع الإسرائيلي الذي جمع شتات اليهود من دول العالم مجتمع تحكمه ثوابت دينيه أصولية لا تقبل التعايش مع الآخر وتنفرد بطبيعة خاصة في الطقوس والمعاملات والحب والكراهية، وإن هذا الشتات لا بد أن تحكمه ضوابط خاصة رغم التنوع والاختلاف في مقدمتها كراهية كل من يخرج على ثوابت المجتمع اليهودي.
ثالثاً: إن إسرائيل سعت دائما إلى أن يكون اسمها دولة اليهود، وأن القدس كانت هدية الرئيس الأمريكي السابق ترامب حين أعلن أن إسرائيل دولة يهودية عاصمتها القدس مدينة الأقصى التاريخية وأن الدولة اليهودية مشروع كبير تمتد أطماعه إلى النيل والفرات وربما مناطق أخرى عاش فيها اليهود منذ مئات السنين.
رابعاً: إن الدولة اليهودية قامت على معونات وتبرعات يهود العالم وهم أثرياء هذا العصر ولهم جمعيات تنتشر في كل دول العالم وهم يحتكرون تجارة الذهب والإعلام، ومنهم عدد كبير في كل المواقع المؤثرة في سلطات القرار.
خامساً: إن حرب غزة كشفت أفكارا كثيرة لدى أصحاب القرار في إسرائيل حين تحدثوا عن ثوابت كثيرة في التوراة تتحدث عن الأشرار العرب وضرورة التخلص منهم.. ولم يتردد وزير التراث في حكومة إسرائيل بأن يطالب بإلقاء قنبلة نووية على غزة، وأن تكون إبادة أهل غزة أو تهجيرهم هدف هذه الحرب، وهذه الأفكار الوحشية لم تكن بعيدة عن القوى اليهودية التي أنشأت الدولة أمثال جولدامائير وبيجين وشارون، وكان آخرهم نتنياهو ودعواته بإبادة الشعب الفلسطيني.
سادساً: إن الشيء المؤكد أن إسرائيل مجتمع ديني متوحش وما حدث في غزة كان تأكيدا لهذه الحقيقة أن هذا الكائن الغريب الذي زرعه الغرب في بلادنا، ليكون يدا للقتل والموت والدمار مجتمع يرتدي ثياب الحضارة والمدنية، ولكنه مجتمع خارج الزمن جاء يمارس عقده النفسية نيابة عن الاستعمار البغيض، ويقتل الأطفال والنساء بلا رحمة، وحشدت لديه قوى الغرب كل أسلحة الدمار الشامل لكي يهدد دائما أمن الشعوب واستقرارها.
سابعاً: إن محاولات أبواق التطبيع تجميل وجه إسرائيل الدولة الوديعة والشعب المسالم بلد الأحزاب والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيلة رخيصة في تضليل الشعوب ونشر الأكاذيب لأننا أمام عدو متوحش وهمجي وما شاهدناه في حرب غزة من القتل والدمار يكشف الوجه الحقيقي لإسرائيل.. أنها مجتمع عنصري يعيش خارج الزمن حتى لو ملك كل أسلحة الموت.
ثامناً: إن الشيء الغريب هو اتهام المقاومة الفلسطينية بأنها جماعات إرهابية رغم أنها تدافع عن أرضها وحقها في الحياة، وهي تمثل مجتمعا مسالما اغتصبت أرضه وقتل أطفاله وحرمه العالم من الطعام والماء والدواء وإذا كان البعض من أبواق التطبيع يحاول أن يغالط الحقيقة، فإن غزة الأرض المحتلة تدافع عن وجودها أمام عدو مغتصب يحاول أن يغير ثوابت الأرض والتاريخ.. وينبغي أن تكون بعض الحكومات العربية على وعي بحقيقة الصراع فليست المقاومة هي الإرهاب ولكن أطماع إسرائيل هي الإرهاب الحقيقي، وإلا علينا أن ندين حركات التحرير والمعارك ضد الاستعمار الغربي وإسرائيل إحدى أدواته، لأن العالم العربي يواجه الاستعمار دفاعا عن الأرض والدين والإنسان.. وإذا كان البعض يتصور أن تشويه الحقائق أمر يسير إلا أن وعي الشعوب العربية يدرك التاريخ الحقيقي لإسرائيل، وأن الغرب زرعها في فلسطين لكي تكون أداة للقتل والدمار وتخويف الشعوب العربية من ترسانتها النووية.. إن إسرائيل دولة عنصرية لا تعترف بحقوق الإنسان ولا قدسية الأرض ولا التعاون بين الشعوب.. إن حركات التحرير في عالمنا العربي كان الدين أحد حقوقها الوطنية وما زلنا نذكر رموز الوطنية التي خاضت المعارك ضد الاستعمار عن إيمان ويقين.
إننا لسنا ضد اليهودية الدين والرسالة، وفي قرآننا الكريم كل قصص اليهود مع أنبيائهم وحكايتهم مع فرعون مصر، ووضع القرآن الكريم سيدنا موسى عليه السلام في مرتبة رفيعة، ولكن قلب الحقائق وتشويهها يتعارض تماما مع موضوعية الأحكام ونزاهة الضمير .. وهنا تتكشف أمامنا حقيقة إسرائيل أنها دولة دينية إرهابية، وليس غريبا أن تدعم كل تيارات وجماعات الإرهاب في العالم لأنها تخدم أهدافها وتحقق مصالحها والكيان الصهيوني يحقق أهدافه من خلال أموال اليهود وسلطات القرار من يهود العالم، ولهذا قامت دولة إسرائيل علي الكذب والتضليل.
("الأهرام") المصرية