قضايا العرب

عودة "الملكية" إلى ليبيا.. الدبيبة يوظّف "السنوسية" للبقاء في السلطة!

هل تفكر ليبيا مجددًا في استعادة الملكية التي أطاح بها القذافي؟.. هذا السؤال الأحجية الذي طفا على سطح الأحداث مؤخرًا، بينما تستعد البلاد للاحتفال بمرور 13 عامًا على إسقاط نظام الزعيم الراحل، بات حديث الشارع الليبي والدوائر الإقليمية المعنية.

عودة

وفقًا لما نقلته وكالة نوفا الإيطالية، فإنّ هناك محاولة جارية لتشجيع عودة مثيرة للأمير محمد الرضا السنوسي ولي عهد ليبيا، إلى البلاد في 17 فبراير، ذكرى الثورة الليبية 2011. واستغل الأمير، كلمته الشهر الماضي بمناسبة الذكرى 72 لاستقلال ليبيا، ليعلن أنّ المشاورات والمباحثات التي بدأها مؤخرًا مع جميع الأطراف في الخارج وستستمر لاحقًا بالداخل لا تستهدف عودة لنظام أو استعادة لعرش أو محاصصة بين القليل على حساب الكل. وحدّد هدفه بوضع البلاد تحت "مظلة دستورية ومرجعية مؤسساتية تحترم إرادة الشعب، قبل أن نجد بلادنا وقد تناثرت أطرافها وتلاشت وذهب ريحها".

وبحسب مصادر محلية، فقد أبلغ عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة المؤقتة، المجلس الرئاسي بضرورة إخلاء قصر ولي العهد، تمهيدًا لتسليمه للأمير محمد الرضا السنوسي المتوقع وصوله إلى ليبيا يوم 9 فبراير، للمشاركة في احتفالات 17 فبراير، ضمن خطة الدبيبة المزعومة لعودة الملكية. وصوّرت تقارير إعلامية الأمر كما لو أنّ العودة حدثت بالفعل، لافتةً إلى أنه يجري العمل الآن على صيانة وتجهيز سيارة العاهل الليبي الراحل إدريس السنوسي، ليستقلها الرضا عند قدومه إلى طرابلس. وزعمت أنّ السنوسي سيُطالب طرابلس بتنصيبه ملكًا على الليبيين، وأن يكون مقر حكم المملكة في شرق ليبيا وفق اتفاقه مع الدبيبة، مشيرةً إلى أنّ تيار الإسلام السياسي هو صاحب فكرة إعلان أن يكون مقر الحكم في شرق ليبيا في محاولة لتأجيج الشارع.

دعوات قديمة

عقب الإطاحة بنظام القذافي ومقتله في الانتفاضة الشعبية، التي دعمها حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، ضده عام 2011، بات الحديث عن عودة النظام الملكي مطروحة للنقاش على فترات، في ظل عجز النخبة السياسية الحاكمة عن إيجاد بديل سياسي متفق عليه.

وسعي محمد عبد العزيز وزير الخارجية الليبي الأسبق، الذي طواه النسيان وبات خارج المشهد الحالي، إلى عودة النظام الملكي مجددًا، على أمل أن تشكل هذه العودة مظلة سياسية لوجود نظام يبقى فيه الملك مجرد رمز فقط، دون أن يحكم، كما في بعض الملكيات الأوروبية الكلاسيكية العريقة، مثل إسبانيا وبريطانيا وبلجيكا.

وروّج كثيرون للاستعانة بدستور الاستقلال، بنسخته الأصلية لعام 1951، علمًا بأنّ إقرار النظام الملكي يحتاج أولًا إلى استفتاء عام، يوافق عليه الليبيون.

وقال ديبلوماسي غربي، توقف في القاهرة عدة أيام قادمًا من طرابلس لـ"عروبة 22": "بالنسبة لبلد لا زال عاجزًا عن إجراء انتخابات حقيقة ويعاني غياب جيش وطني وجهاز أمني محترف،  تبدو هذه الدعوات مجرد "بالونات اختبار"، أو في أحسن الأحوال مجرد مسكّن مؤقت لا يمنع بالطبع استمرار حالة التشظي، التي تعاني منها ليبيا في الوقت الراهن".

وتبدو الحركة الملكية في ليبيا، التي تضم مجموعة من الناشطين السياسيين، دون أي تأثير حقيقي على الأرض، فيما يفتقد الرضا إلى حاضنة شعبية قوية تُمكّنه من العودة للشارع الليبي،  كما يفتقر لأي دعم إقليمي أو دولي، ما يجعل الأمر يبدو كمن يستعد للسباحة في حوض خالٍ من المياه.

وطبقًا لمسؤول مقرّب من المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني المتمركز في شرق البلاد، والذي يطمح أيضًا إلى أن يصبح الرئيس المقبل، تبدو مسألة عودة الرضا من عدمها مجرد "بالون اختبار"، تستخدمه حكومة الدبيبة في إطار المناكفات السياسية والإعلامية مع خصومها السياسيين.

رد الاعتبار

وما يجعل الأمر مجرد مناكفة سياسية، هو تجاهل الدبيبة حتى الآن، الاستجابة لمطالب بإصدار قرار يقضي بإعادة جميع ممتلكات عائلة السنوسي إليها. وظلت معظم القرارت الرسمية برد الاعتبار لملك ليبيا الراحل محمد إدريس السنوسي، وإرجاع الجنسية الليبية له ولأسرته، وحصر ممتلكاته التي صادرها نظام القذافي، مجرد حبر على ورق وبدون تنفيذ.

وفي عام 2014 قررت السلطات الليبية إعادة الاعتبار للملك الليبي الراحل محمد إدريس السنوسي وإعادة الجنسية الليبية له ولعائلته، وإحصاء ممتلكاته التي صادرها النظام السابق وإعادتها إلى ورثته.

وعقب الإطاحة بالسنوسي، الذي اعتلى العرش عندما أصبحت ليبيا أول بلد في شمال أفريقيا يحصل على الاستقلال عام 1951، تم حرمان أسرته من الجنسية الليبية وصودرت ممتلكاتها وطُردت خارج  البلاد، بينما لجأ الملك إلى القاهرة وتوفى فيها عام 1983 عن عمر ناهز 94 عاما، وطلب باقي أفراد العائلة اللجوء السياسي إلى بريطانيا.

وقال دبلوماسي عربي متابع للأزمة الليبية، لــ"عروبة 22": "لا أحد يأخذ على محمل الجد احتمال عودة الملكية إلى ليبيا مجددًا، لكن ربما يفعل الدبيبة ذلك بهدف توظيف تاريخ السنوسية سياسيًا لصالحه في مواجهة خصومه، الذين يطالبونه بالتخلي عن السلطة وإفساح الطريق لتشكيل حكومة جديدة، تُشرف على إجراء الانتخابات المنسية".

ومع ذلك تُسرّب حكومة الدبيبة، معلومات عن عودة محتملة لولي العهد السابق، ضمن استعدادتها للاحتفال بالذكرى 13 للإطاحة بنظام القذافي. لكن حكومة الدبيبة، التزمت الصمت وامتنعت عن الرد على أسئلة وجّهتها "عروبة 22" بهذا الخصوص، كما رفض مسؤول باسم المجلس الرئاسي التعليق أيضًا.

وقد يبدو غريبًا رهان بعض الدوائر على هذه العودة، بينما تسيطر الميليشيات المسلحة على المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد على مدى أكثر من عقد كامل.

الدبيبة، الذي دافع مؤخرًا عن دور الميليشيات المسلحة وجادل بشأن تجاوزاتها، كرّر تعهّده بعدم تسليم السلطة إلا لحكومة منتخَبة، لذا فمن المستبعد أن يقبل بعودة الملكية، إلا إذا ضمنت له البقاء علي رأس الحكومة، على اعتبار أنّ صلاحيات الملك محدودة جدًا، وأنّ السلطة التنفيذية ستكون بيد رئيس الحكومة.

وبينما يرفض عبد الله باتيلي رئيس بعثة الأمم المتحدة، الاعتراف بفشل مهمته في إقناع الفرقاء الليبيين بالتوصل إلى قواعد واضحة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة منذ عامين، فإنه في المقابل لا زال يُروّج لفكرة الانتخابات والمصالحة الوطنية، دون أفق سياسي واضح ومحدد.

ومع أنّ فرص الأمير محمد السنوسي، للتربع على عرش البلاد، تبدو ضئيلة، فإنّ هناك محاولات مستميتة على الصعيد الإعلامي، لتقديمه كـ"ساحر لديه قدرات خارقة"، لتوحيد البلاد التي ما زالت تعاني من الانقسام السياسي والعسكري، رغم ما تمتلكه من ثروات نفطية.

ويعتقد بعض المحسوبين على الحركة الملكية أنّ عودة الملكية إلى ليبيا لا تحظى بتأييد واسع في ليبيا. ورغم تنامي الحديث عن نشاط الحركة الملكية الليبية، لكنها لا تزال ضعيفة ما يجعل العودة إلى النظام الملكي لا تزال تبدو غير واقعية.

خبرة محدودة

لا يمتلك من يُمنّي نفسه بعرش ليبيا، أي خبرة سياسية على الإطلاق، وتخلو سيرته الذاتية المنشورة عبر موقعه الإلكتروني الرسمي، من أي إشارة إلى قدرات إدارية أو عملية، باستثناء عمله كموظف بوزارة الزراعة الليبية، وكونه محبًا لرياضة الفروسية والسباحة. قد يحلم الرضا، الذي يحمل الجنسية البريطانية ويتنقل ما بين قطر وتركيا وبريطانيا، بعرش البلاد، وأن يعيد النظام الملكي إلى ليبيا ليصبح الملك العربي التاسع، لكن دون أن يمتلك أي فرصة حقيقية على الإطلاق.

ومع صعوبة الجزم بإمكانية عودة الملكية إلى ليبيا، يتعيّن أولًا على الأمير أن يخوض غمار العمل السياسي من داخل المشهد الليبي، حيث يرى البعض أنه من الأفضل انخراطه الفعلي لحلحلة المشاكل المتراكمة كتيار معارض ومنافس على السلطة. فليبيا لا تحتاج حاليًا لحالمين بالسلطة والعرش، بل إلى قيادة وطنية محترفة، تحظى بالقدرة على استعادة الدولة التي كانت، من دون جدلية الاستمرار في النظام الجمهوري أو عودة الملك الضائع ذات يوم.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن