عداء الغرب.. المعضلة والحل

يتعرّض العرب والمسلمون في العالم الغربي للتهميش أكثر من أي مجموعة عرقية أخرى، وينظر لهم بنظرة سلبية بحتة. تأتي هذه السلبية أساسا من الصورة النمطية التي تجسِّدها هوليوود للعربي والمسلم: الرجال أشرار إرهاربيون أو بسطاء الفهم أو أثرياء يقودون سيارات فاحشة الثمن ويستخدمون المال لإغواء النساء، والنساء إما حريما للسلاطين أو سلبيات مكبوتات. هذه التجسيدات يتقبلها الغربي ويُبرمج عليها، الأمر الذي يبرر التحيُّز ويشرِّع التمييز.

في عام ١٩٢١ صور العربي في فيلم الصامت الشيخ على أنه مُغوٍ عنيف ومخادع، فوضع نمطًا ثابتًا عبر السنين. أمثلة عديدة قدمت لهذا النمط، ففي فيلم ليس بدون ابنتي فى التسعينيات تهرب الأم الأمريكية مع ابنتها من براثن الأب المسلم المسيء، وفي أفلام المومياء يروِّع المصريون الأشرار الغربيين الأبطال. واليوم، لا تزال عشرات الأفلام الغربية، مثل قواعد الاشتباك وسقطت لندن وبيروت وعلاء الدين، تصوِّر العرب بشكل متحيز. والأهم من ذلك في جميع هذه الأفلام يكون العربي هو الشرير والغربي هو من يحبط مخططات العربي الملتوية أو ينقذ البطلة أو البلدة أو العربي نفسه.

جميع الشخصيات العربية مظهرها مبالغ فيها عمدا، فعادة ما تكون بشرتهم السمراء لافتة وملامحهم قبيحة وضحكتهم شرسة، ولهجتهم الإنجليزية ركيكة وأيضا يعادون المعايير الغربية.

فماذا يستطيع العرب والمسلمون أن يفعلوه لنشر صورتهم الحقيقية وثقافتهم الأصلية؟ وكيف يحوِّلون الصورة الدونية إلى تصور أكثر واقعية؟

أولاً، أفضل سفراء القضية العربية هم المغتربون الذين هاجروا إلى الغرب، لذا فإن الاستفادة من هذه المجموعة تُعدُّ طريقاً حيوياً لتمثيل أفضل للعرب والمسلمين. بكل إنصاف، إن العرب الأكفاء ذوو أعداد وفيرة وخبرتهم متنوعة ومتميزة. لقد لعب العديد من المصريين والعرب أدوارًا استثنائية في الغرب. على سبيل المثال لا الحصر، لدينا الجرّاح مجدي يعقوب، والعالم فاروق الباز، والسياسية رشيدة طليب، والاقتصادي محمد العريان، والنجم السينمائي رامى مالك، والمعمارية زها حديد، والأكاديمية مينوش شفيق.

في الرياضة، صنع محمد صلاح صورة مثالية للعرب المسلمين. فإلى جانب براعته المذهلة وأسلوبه المثالي، ترى جماهير ليفربول في صلاح مسلما مؤمنا يتلو القرآن ويرفع يديه إلى السماء يطلب العون من الله ومتمنيا النصر. ويرونه صائما رغم ضغط المباريات، كما يرونه مؤمنا يسجد لله شكرا بعد تسجيله الأهداف. وبينما يحافظ على عقيدته الإسلامية القريبة من قلبه ويتبرع للعديد من القضايا الإنسانية، فإنه يحترم تقاليد البلد الذي يعيش فيه ومنحه بركاته.

ستقام بطولة كأس العالم لكرة القدم ٢٠٢٦ في دول أمريكا الشمالية الثلاث: الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، في حين نجحت قطر، على الرغم من صغر حجمها، في إقامة بطولة تاريخية في عام ٢٠٢٢. بعض ملاعب البطولة سيتم إعادة استخدامها في مشاريع في بلدان أقل نمواً ونصف مقاعد الملاعب قُدِّمت هدية لدول نامية تحتاج الى بنية تحتية رياضية. استمتع العالم ببطولة استثنائية ثم استفاد فيما بعد من عطاء قطر.

وهذا ينطبق أيضًا على المغتربين العاديين الذين يحسِّنون من صورة العرب ويوفرون للغرب نبذة صحيحة عن ثقافتهم وأسلوب حياتهم وأطعمتهم. احترام كبار السن، وتقدير التقاليد العائلية، وكرم الضيافة، كلها سمات عربية، تظهر من خلال سلوكهم، وبالطبع، فالطعمية والحمص أطباق عربية وليست إسرائيلية كما يدعي الإسرائيليون اليوم. وعلى نفس المنوال، فإنهم يتبعون المبادئ التوجيهية للبلدان التي يعيشون فيها، ويحترمون قوانينها، ويقدرون ثقافاتها، وكل هذه الصفات موضع تقدير.

ثانياً، يجب أن يكون للعرب صوت قوي يصل إلى العالم عبر وسائل إعلام قوية، بأكثر من لغة. ويمكن لهذه الوسائل أن تُكذِّب القصص الإسرائيلية الوهمية وتزيل الصورة العربية المشوّهة وتنوه عن قضايا العرب بصورة سليمة. فقط من خلال مصدر إعلامي مقروء ومرئي في جميع أنحاء العالم يمكننا من فضح الأكاذيب المختلقة.

والغرب ينظر إلى الأمور من وجهة نظره، ولهذا يجب أن يكون العرب والمسلمون هم الذين يقومون بأبحاثهم الخاصة سواء أجريت في الجامعات الغربية أو العربية. العراقيون هم من يجب عليهم دراسة حرب العراق، والفلسطينيون هم الأكثر إلمامًا بغزو غزة، والمصريون هم من يجب عليهم تعزيز نصر أكتوبر.

يمكن لصناعة السفر أن تخدم العالم العربي بشكل جيد. يتمتع العرب بأفضل الشواطئ، وأفضل الأطعمة، وأهم وأجمل المواقع الأثرية. مع ازدياد عدد السياح الذين يزورون العالم العربي، يجب معاملتهم باحترام من خلال توفير التدريب على الحساسية الثقافية للعاملين في هذا المجال وجعلهم يقبلون التنوع والأعراق الأخرى. يعود السائحون ليخبروا ذويهم بحفاوة العرب وكرمهم وحسن ضيافتهم.

علينا أن نبقى ثابتين على قناعاتنا جادين في كشف الحقيقة وآملين أن يأتي اليوم الذي تتغير فيه الأمور.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن