وجهات نظر

"حماس" ليست "داعش"

الخطاب الإسرائيلي الذي وصف حركة "حماس" بأنها أسوأ من "داعش" هو بالتأكيد خطاب تحريضي لا علاقة له بالحقيقة، وهو جزء من الأكاذيب الإسرائيلية التي ملأت العالم حتى أصبحت تزكم الأنوف برائحتها الكريهة.

ولأنّ هناك كثيرين في منظومة الحكم في الغرب روّجوا بصيغ مختلفة مقولة إنّ "حماس" و"داعش" وجهان لعملة واحدة، فأصبح من المهم تفنيد هذه المقولات التي تنم أحيانًا عن جهل مطبق وعدم دراية بالفروقات الجوهرية التي تميّز بينهما وكأنها فوارق بين المشرق والمغرب، والمسافة بين الأرض والسماء، حتى لو حملا معًا لقبَ "إسلامي".

"حماس" لم تقُم بعملية إرهابية واحدة في مواجهة أي دولة أو نظام يختلف معها أو يصنّفها كحركة إرهابية

المؤكد؛ أنّ خبرة تنظيم "داعش" هي بالأساس خبرة إرهابية، حتى لو كان جانب كبير من دوافعه انتقاميًا فقد استهدف كل الأديان والمذاهب وقتل من المسلمين أكثر مما قتل ممن يسميهم الكفار والمرتدين، كما أنه انتعش في بلاد عانت من حروب أهلية وانقسامات مجتمعية ولم يطرح بديلًا واحدًا قابلًا للتحقيق فقد تحدث عن دولة الخلافة دون أن يمتلك القدرة على الوصول إليها ولم يبنِ حتى خطة عمل ولو بعيدة المدى لتحقيقها.

والحقيقة؛ إنه حتى الجانب العقائدي والفكري لحركة "حماس" هو مليء بأفكار - لم تسعَ لتطبقها لأنّ هدفها الأساسي كان مقاومة الاحتلال - تتحدث عن الدولة النموذج التي تطبّق شرع الله وتلتزم بتعاليم الإسلام، وهي دولة الرسول في مكة والمدينة، ودولة الخلفاء الراشدين الأربعة، في حين أنّ تجربة "داعش" انتقلت من الحديث عن دولة الرسول والخلفاء الراشدين إلى الحديث عن "دولة داعش" في سوريا والعراق باعتبارهما "النموذج"، أو منبع التسويق الدعائي لجذب مئات الشباب من أجل الانضمام للتنظيم المتطرّف، بحيث انتقل مشروعه "الإسلامي" من مشروع تأسيس أو استعاده دولة الخلافة الضاربة في التاريخ إلى صور "خلافة داعش" التي قدّمت كنموذج عبر وسائل التواصل الاجتماعي وليس عبر الكتب الفقهية وفيها مشاهد أقرب للإثارة السينمائية "Action" وإغراء الشباب المستهدف بتحقيق الذات من خلال أداور قتال وعنف وانتقام من "الظلم والظالمين" والزواج اليسير في الدنيا وبحور العين في الآخرة.

والمؤكد؛ أنّ بنية "داعش" التكفيرية والانتقامية تختلف جذريًا عن بنية "حماس" التي تنطلق من فكرة المقاومة ورفض الاحتلال، فهي لا تتعامل مع إسرائيل باعتبارها دولة كافرة ولا تعتبر أنّ مشكلتها مع اليهود لأنهم يهود إنما لأنهم محتلون.

كما أنّ "حماس" اختلفت مع نُظُم عربية كثيرة واختلفت معها قوى وتيارات سياسية فلسطينية وعربية كما صنّفتها الدول الغربية جماعة إرهابية، ومع ذلك لم تقُم بعملية إرهابية واحدة في مواجهة أي دولة أو نظام يختلف معها أو يصنّفها كحركة إرهابية وكان يمكن أن تقول "بما أنهم يصنفوننا في كل الأحوال كإرهابين فلا يوجد ما يمنع من استهداف اليهود في فرنسا أو أمريكا أو داعمي الاحتلال" وهو ما لم يحدث، ولم تقُم "حماس" بأي عملية خارج الأراضي المحتلة أو في فلسطين التاريخية.

لم يُضبط "داعش" لمرّة واحدة متلبّسًا بمحاربة إسرائيل إنما كان خنجرًا في وجه كثير من القوى التي حاربتها

أما "داعش" فقد استهدف جيوش النظُم العربية التي وصفها بالمرتدة، وحارب المسلمين والمسيحيين والسنّة والشيعة ووصفهم تارةً بالطواغيت وتارةً أخرى بأوصاف طائفية، ولم يُضبط تنظيم "داعش" لمرّة واحدة متلبّسًا بمحاربة إسرائيل في أي مكان إنما كان خنجرًا حقيقيًا في وجه كثير من القوى التي حاربتها.

بنية "حماس" العقائدية ليست بنية تكفيرية وهذا لا يعني الاتفاق مع مشروعها الفكري والسياسي، إنما يعني التأكيد على إنه حين نكون أمام حركة مقاومة في مواجهه دولة احتلال، فإنّ النقاش يجب أن يكون حول صحة أدواتها وأساليبها المقاومة من عدمه، وحول ما إذا كان النموذج الذي قدّمته في إدارة قطاع غزّة منذ سيطرتها عليه في ٢٠٠٧ نموذجًا نجاحًا. كل هذه الأسئلة مشروعة، ومطلوب النقاش حولها، أما القول إنها حركة إرهابية مثل "داعش" فهذا خارج أي فهم علمي لظواهر جماعات الإسلام السياسي، والأهم إنه يعطي غطاء لإسرائيل لكي ترتكب ما تشاء من جرائم، وأن تعتبر قتالها في غزّة هو "حرب ضد الإرهاب".

"حماس" تحرص على أن يكون لديها بيئة حاضنة داعمة لها وتعتبر الجمهور الفلسطيني والعربي أحد مصادر قوّتها، ولذا يفرق معها أن تخسره أو على الأقل تخسر جانبًا منه، وهي تتمسّك بصورتها كنموذج للصمود والمقاومة، أما "داعش" فقد سيطر على حوالى ثلث أراضي العراق واستقبله كثيرون بالترحاب نكاية في التنظيمات الشيعية المتطرّفة، ولكنه سرعان ما فقد هذا الدعم في أشهر قليلة بسبب الجرائم التي ارتكبها وفشله الكامل في إدارة هذه المناطق، وانتظر سنّة هذه المناطق الجيش العراقي لكي يخلّصهم من سيطرته.

يقينًا، رغم أخطاء "حماس" الكثيرة في إدارة قطاع غزّة ورغم قمعها لأطراف فلسطينية في الداخل، إلا أنه ظل لديها بيئة شعبية حاضنة تدعمها رغم التضحيات الكبيرة التي قدّمتها لأن معركتها الأساسية ضد سلطة الاحتلال.

لا يوجد باحث غربي أو عربي يمتلك حد أدنى من النزاهة العلمية يمكن أن يعتبر "داعش" مثل "حماس" حتى لو اختلف معها تمامًا مثلما لا يمكن اعتبار "حزب الله" هو "داعش" حتى لو اختلف معه، لأنّ الفروقات الفكرية والعقائدية والممارسة العملية واضحة تمامًا، فاختلف مع "حماس" كما تشاء لكن وضعها مع "داعش" في سلة واحدة فيه تدليس وعدم نزاهة ومحاولة لإخفاء جرائم الاحتلال.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن