هناك علاقات تاريخية بين دول مجلس التعاون الخليجي وجمهورية روسيا الاتحادية، وهذه العلاقات التي تقررها كل دولة حسب مصالحها العليا، في مجملها قوية، وتقوم على التعاون المشترك والاحترام المتبادل.
وقد أجمعت السياسة الخارجية لدول المجلس على ضرورة إطلاق حوار استراتيجي مع الجمهورية الروسية، وهذا الحوار، في حقيقته، لا غنى عنه لكلا الجانبين، خصوصاً في القضايا التي تمسّ أمن وسلامة كامل منطقة دول مجلس التعاون وروسيا، فهناك قضايا فوق وطنية، مثل: قضايا الطاقة، والأمن بمفهومه العام، وهذه القضايا وغيرها تتطلب تفاهماً جماعياً، خصوصاً أن دول مجلس التعاون متداخلة وقريبة من بعضها بعضاً، وتمثل كتلة واحدة في الجسد العربي، وهي بمجموعها تشكل قوة ذات وزن استراتيجي ليس على مستوى دول غرب آسيا فقط؛ بل على مستوى العالم أجمع.
وقد بدأ الحوار الاستراتيجي بين الجانبين في لقاء جمع بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون، وسيرغي لافروف، وزير خارجية روسيا، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، وتم فيه التوقيع على مذكرة تفاهم تنظم آليات الحوار الاستراتيجي بينهما، شملت: الحوار الاستراتيجي والتنسيق السياسي، والتعاون في مجال الاقتصاد والاستثمار والطاقة والتعليم والبحث العلمي والبيئة والصحة. وتم وضع خطة عمل مشتركة تتضمن التعاون والتشاور في المجالات السياسية والأوضاع الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وتوالى عقد اللقاءات بين الجانبين لمراكمة النتائج، وتثبيت الأسس المشتركة.
وشهد الأسبوع الماضي، انعقاد الحوار الاستراتيجي السادس بين الجانبين في العاصمة الروسية موسكو، بمشاركة وزراء خارجية دول مجلس التعاون ووزير الخارجية الروسي، وبحث الجانبان، سبل دعم وتعزيز التعاون المشترك. ومن دون شك، فإن انعقاد هذا الاجتماع اليوم له دلالات خاصة؛ لأنه تم في خضم الصراع العسكري الدائر بين روسيا وأوكرانيا، وتنامي المواقف المضطربة بين روسيا ودول الغرب، وأيضاً في ظل تشكل عالم جديد تمثله دول مجموعة «بريكس»، والدول الأخرى الباحثة عن الاستقلال الكامل في قراراتها السياسية والاقتصادية، وبما يؤدي إلى انحسار الهيمنة الغربية عن العالم، وهو الشيء الذي تقاومه دول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
غير أن السياقات التاريخية الحادثة تؤكد أن مستقبل العالم سيكون مختلفاً عما كان عليه في السابق، فلم يعد ثمة مجال، بعد اليوم، لهيمنة قطب واحد، بل هناك عالم متعدد الأقطاب، وهذا الأمر يتوافق مع تطلعات وسعي دول مجلس التعاون إلى فتح قنوات تواصل متعددة ومتنوعة، وإقامة علاقات تعاون متعدد الأطراف، وبما يضمن تحقيق الاستقرار الدائم لها في المستقبل. وفي إطار الصراع الروسي الأوكراني تستطيع دول مجلس التعاون أن تلعب دور الوسيط من أجل الوصول إلى سلام يرضي الطرفين، فدول المجلس وقفت على الحياد في ذلك الصراع مع دعواتها المستمرة لإيجاد حل سلمي ينهي الخلاف بين الدولتين. وفي السياق نفسه، قال وزير الخارجية العماني، على هامش الاجتماع الوزاري: «إن الصراع في أوكرانيا يجب حله من خلال حوار قائم على القانون الدولي مع مراعاة وجهات نظر جميع الأطراف».
وتبدو المرحلة القادمة مملوءة بالتطورات، خصوصاً أن الحرب في أوكرانيا باتت تراوح مكانها، وبات هذا الصراع أقرب إلى التسوية من أي وقت مضى، وربما لن ينتهي هذا العام إلا وقد وضعت تلك الحرب أوزارها، خاصة وسط سعي الولايات المتحدة للانتهاء من هذا الصراع في أقرب وقت، خشية أن يؤدي استمرار هذا الصراع إلى زعزعة الاستقرار في العالم، في ظل دعوات بعض الدول لانضمام أوكرانيا أسوة بالسويد إلى حلف الناتو، ومن ثم سيشتعل الصراع بين روسيا والحلف، ما قد يدفع الصين لاستغلال تورط الولايات المتحدة في ذلك الصراع لحسم ملف تايوان واستعادتها مرة أخرى.
إن التعاون الخليجي الروسي، خاصة في هذه الأجواء الملتهبة، قد يشهد قفزات كبيرة، ولا سيما في مجال مفهوم الأمن متعدد الأطراف، ذلك أن روسيا لاعب دولي كبير، وهي لا تبحث عن الهيمنة، بل عن شركاء دوليين حقيقيين، وهو ما يتجلى في سياساتها الخارجية منذ استقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق. ومن هذا المنطلق فإنها تمثل شريكاً موثوقاً لدول مجلس التعاون، كما أن هذه الدول مجتمعة هي أيضا شريك موثوق لروسيا.
(الخليج)