صحافة

الأمن القومي العربي على المحك

عبدالمنعم المشاط

المشاركة
الأمن القومي العربي على المحك

أكدنا مرارًا أن الأمن القومي العربي كل لا يتجزأ، وأنه حاصل جمع الأمن الوطني للدول العربية أعضاء جامعة الدول العربية والشركاء في النظام الإقليمي العربي، وقد بني نظام الأمن القومي العربي منذ إنشاء الجامعة عام 1945 حيث نصت المادة السادسة من ميثاقها على أنه إذا وقع اعتداء من دولة على دولة من أعضاء الجامعة أو خشي وقوعه فللدولة المعتدى عليها أو المهددة بالاعتداء أن تطلب دعوة مجلس الجامعة للانعقاد لاتخاذ التدابير اللازمة لدفع هذا العدوان.

وقد مثل هذا النص جوهر نظام الضمان الجماعي العربي والذي تطور إلى الدفاع المشترك في معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية عام 1950، حيث نصت المادة الثانية فيها على أن: تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أي دولة أو أكثر منها أو على قداتها اعتداء عليها جميعا، ولذلك وأنه عملا بحق الدفاع الشرعي (الفردي والجماعي) عن كيانها تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أوالدول المعتدى عليها وبأن تتخذ جميع التدابير بما فيها القوة المسلحة لرد الاعتداء، ولهذا تم إنشاء لجنة عسكرية دائمة من ممثلي هيئة أركان جيوش الدول العربية لتنظيم خطط الدفاع المشترك كما تم إنشاء مجلس الدفاع المشترك بين الدول العربية هذا فضلا عن إنشاء المجلس الاقتصادي للدفع بالتعاون الاقتصادي إلى مرحلة الاندماج.. وهكذا كان الآباء المؤسسون على وعي تام بالترابط الوثيق في بناء الأمن القومي بين القدرات العسكرية والتعاون الاقتصادي وأيقنوا منذ البداية بحتمية الحفاظ على الأمن القومي العربي لأنه يضمن وحدة وسلامة أراضي كل دولة عربية، وهو ما تجلى في حرب 1973 ضد إسرائيل.

ومع تطور النظام الدولي بصورة مجحفة للدول العربية والدول النامية بصورة عامة، انتهى الأمر بعدة تطورات تمس صميم الأمن القومى العربي فمن ناحية تعرضت ثلث الدول العربية للفشل أو وقوفها على أعتاب الفشل، ومن ناحية أخرى تزايد النفوذ العسكري الأجنبي وخصوصا الأمريكي إما في شكل احتلال أو قواعد عسكرية بالاتفاق على ثلث الدول العربية، مما أفقدها جزءا من سيادتها الوطنية، وصارت الأراضي السورية والعراقية واليمنية والمياه الإقليمية العربية في بعض المحاور الإستراتيجية مثل باب المندب مستباحة ومعرضة للمخاطر والتهديدات الأجنبية، ومن ناحية ثالثة، وظفت إيران التوسع المذهبي لزيادة نفوذها في عدد غير قليل من الدول العربية بصورة تهدد الاستقرار الداخلي وهو حجر الزاوية في الأمن الوطني، كما بدأت في الظهور مبادرات أمنية تجب الأمن القومي العربي وتدعو إلى ترتيبات إقليمية تضم إليها إسرائيل وبذلك يتغير مفهوم الوطن العربي المستقر من عام 1945 إلى مفهوم غير عربي يهدد بالضرورة أمن واستقرار الأمة العربية، ولقد أظهرت الحرب الإسرائيلية الشرسة وغير العادلة وغير المتكافئة والمدمرة ضد الشعب الفلسطيني في غزة حقيقة عسكرية ربما كانت متوارية ألا وهي حشد الأساطيل وحاملات الطائرات الأمريكية والبريطانية في شرق المتوسط والدعم المالي والعسكري غير المحدود لإسرائيل، هذا الحشد ليس لحماية إسرائيل فقط وإنما لردع أية محاولات عربية لمساندة الشعب الفلسطيني من محاولة تصفيته وتهجيره، واحتلال إضافي لأراضيه، وربما يكون مهماً النظر إلى هذا الحشد والدعم غير المحدود لإسرائيل في حربها ضد حماس وهي لا تعدو أن تكون منظمة شبه عسكرية وليست دولة، هذا الحشد والدعم غير المحدود رسالة جلية إلى الدول العربية بأن أمن إسرائيل مرتبط عضوياً بأمن الولايات المتحدة الأمريكية وأمن أوروبا، وأن هذه القوى على أهبة الاستعداد للتخلي عن أية ترتيبات مع الدول العربية في حالة الاختيار بينها وبين إسرائيل.

الذي نشاهده اليوم في غزة رسالة للدول العربية والقادة العرب بأن الأمن القومي العربي مسؤولية عربية صرفة، وأن مصالح الدول الكبرى المتواجدة في المنطقة تتعارض بشدة مع مصالح الدول العربية وأن تحويل إيران إلى مصدر التهديد الرئيسي للأمن القومي العربي وتحييد التهديد الإسرائيلي لا يخدم المصالح الوطنية أو القومية العربية، فعلى الرغم من أن إيران تهدد الأمن الوطني ومن ثم القومي لدول عربية عديدة إلا أن التهديد الرئيسي ما زال متمثلا في إسرائيل وسياساتها التوسعية المعلنة للجميع، فإسرائيل كيان بلا حدود موثقة سوى حدود 1967 وهي لا ترضى بها، والحدود مع مصر والتي لا يمكن أن تتخطاها، بيد أن حدود التوسع الإسرائيلي لا حدود له.

ترتيباً على ما سبق ودرءًا للمخاطر الراهنة والتهديدات المحتملة للأمن القومي العربي، يصير السؤال الملح هو كيف يمكن للدول العربية والقادة العرب رأب الصدع وتكتيل الهمم من أجل حماية الأمة العربية وصيانة مواردها والحفاظ على أمنها؟.

لا شك أن تفعيل وتطوير معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي يشكل الخطوة الاستباقية الحتمية لمواجهة مصادر التهديد سواء تمثلت في إسرائيل أو دول الجوار غير العربية أو الدول الكبرى الطامعة في الموارد العربية، كما أن تشكيل جيش عربي فى إطار مجلس الدفاع المشترك على شاكلة جيش الناتو يعد خطوة لا غنى عنها في حالة تحول التهديدات إلى عدوان عسكري، فإن أضفنا مبادرات عربية نحو التكامل الاقتصادي لاكتملت منظومة الأمن القومى العربي.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن