قضايا العرب

"عاصمة الجهاد" الأمريكية.. هل تُحدّد مصير بايدن؟

القاهرة - أحمد شوقي العطار

المشاركة

عندما وصل الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى ولاية ميشيغان، مطلع فبراير/شباط الجاري، في أول جولة له ضمن حملته الانتخابية الحالية، لم يجد في انتظاره كالمعتاد القادة الديمقراطيون والمواطنون المؤيدون له فحسب، بل كان هناك أيضًا ما يقرب من 200 متظاهر، يرفعون علم فلسطين بجوار لافتات مكتوب عليها "التخلي عن بايدن"، مع هتافات لم تتردد في البلاد منذ حرب فيتنام: "كم طفلًا قتلت اليوم يا جو؟".

تُعد ميشيغان أكثر ولاية أمريكية تحتضن السكان الأمريكيين المسلمين من أصول عربية في البلاد، يعيش بها حوالى 300 ألف شخص، أتوا إلى الولايات المتحدة من دول عدة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تُمثّل الحرب في غزّة قضية محورية ومهمّة لهذه الجالية، وفق ما رصده القادة الديمقراطيون بالولاية، التي انقلب الكثير من أبنائها على الرئيس الديمقراطي، بعدما كانوا من أهم داعميه في الانتخابات السابقة، وذلك نتيجة دعمه غير المحدود لإسرائيل في جرائمها ضد الفلسطينيين، منذ أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

تعبيرًا عن غضبهم من بايدن، أطلق بعض العرب والمسلمين في ميشيغان حملة أطلقوا عليها اسم "التخلي عن بايدن"، وهي جزء من جهد وطني أوسع لتشجيع الأمريكيين على عدم التصويت لصالح الرئيس الحالي في انتخابات الرئاسة المقبلة.

بدأت حملة #AbandonBiden رسميًا في شهر ديسمبر/كانون الأول 2023، بقيادة القادة المسلمين في الولايات المتأرجحة، مثل ميشيغان ومينيسوتا وأريزونا، ردًا على دعم بايدن لجرائم إسرائيل في غزّة، التي أدت لاستشهاد نحو 30 ألف فلسطيني منذ بدء الحرب، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

يعتزم التحالف توسيع حملة الضغط لتشمل جميع الولايات الخمسين، وليس الولايات المتأرجحة فقط، وقال جيلاني حسين، كبير منظمي الانتخابات، في بيان تدشين الحملة: "سننقذ أمريكا من نفسها بمعاقبة بايدن في صناديق الاقتراع".

حسين قال لشبكة CNBC إنّ الحملة تعتزم تأييد مرشح رئاسي مستقل، ولن تدعم الرئيس السابق دونالد ترامب، المرشح الجمهوري الحالي، رغم أنها تدرك مخاطر استنزاف قاعدة ناخبي بايدن.

وأضاف: "هناك احتمال أن تؤدي أصواتنا إلى إضعاف الديمقراطيين بما يصب في صالح الجمهوريين، نحن لسنا حمقى وندرك ذلك جيدًا، لكننا مستعدون لتحمل المخاطرة بأربع سنوات من حكم ترامب، لمعاقبة بايدن".

معضلة ميشيغان

في نظرة متفحصة للمشهد الانتخابي الأمريكي، يحتاج المرشحون النهائيون عن الحزبين الكبار، الديمقراطي والجمهوري، إلى جذب الناخبين في 6 ولايات حاسمة، هي: بنسلفانيا، وويسكونسن، وميشيغان، ونورث كارولينا، وأريزونا، وجورجيا.

في السياسة الأمريكية، يطلق على هذه الولايات الست مسمى الولايات المتأرجحة، وعادة ما تكون هذه الولايات حاسمة بشكل كبير في تحديد المرشح الفائز، لذا تُستهدف من قبل حملات الحزبين الرئيسة، في وقت مبكر قبل إجراء الانتخابات.

في المقابل، تُعرف الولايات التي تميل بانتظام إلى حزب واحد باسم "الولايات الآمنة"، أو بشكل أكثر تحديدًا باسم "الولايات الحمراء أو الزرقاء" اعتمادًا على الميول الحزبية، حيث يُفترض أن بها قواعد حزبية تسهّل الفوز دون جهد كبير من قبل الحملة.

في انتخابات 2016، فاز دونالد ترامب بالولايات الست المتأرجحة، وكانت عاملًا رئيسًا في فوزه بالرئاسة. أما في انتخابات 2020، خسر ترامب خمسًا منها، وفاز بها بايدن ومعها رئاسة البلاد لمدة 4 سنوات.

يتركز عدد كبير من عرب الولايات المتحدة، وهم نحو 3.5 مليون أمريكي وفقًا للتعداد السكاني لعام 2020، في ولايات ميشيغان وجورجيا وبنسلفانيا وأريزونا، وهي من أبرز الولايات المتأرجحة، بالإضافة إلى ولاية فرجينيا.

ستلعب ميشيغان بالتحديد دورًا محوريًا في تحديد الفائز بـثلاث ولايات من الست المتأرجحة في الانتخابات الأمريكية المقبلة، وهي ما تسمى بولايات الجدار الأزرق: ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا.

تصوّت ولايات "الجدار الأزرق" الثلاث في انسجام تام منذ عام 1992، ويكفي أن يخسر المرشح أو الحزب ولاية واحدة منها لتتأكد خسارته للبقية، على حد وصف صحيفة "ذا هيل".

يبلغ إجمالي أصوات الولايات الثلاث 44 صوتًا من أصوات المجمع الانتخابي، أي نصف أصوات الولايات الست المتأرجحة، التي تبلغ وفق آخر التقديرات 87 صوتًا.

تشير التقديرات أيضًا إلى أنّ الجمهوريين يمتلكون 219 صوتًا انتخابيًا من الولايات الحمراء، فيما يمتلك الديمقراطيون 232 صوتًا من الولايات الزرقاء.

ومن ثم، ومع إجمالي 538 صوتًا انتخابيًا يمثلون المجمع الانتخابي، ستكون أصوات الولايات المتأرجحة حاسمة بشكل كبير في تحديد الرئيس الأمريكي القادم.

فاز ترامب بولاية ميشيغان في عام 2016، متغلّبًا على هيلاري كلينتون، ليصبح أول جمهوري يفوز بالولاية منذ عام 1988. وفي عام 2020، استعاد بايدن الولاية من الجمهوريين.

يتوقع الديمقراطيون والجمهوريون في الولاية أن يكون الهامش قريبًا مرة أخرى هذا العام، وللفوز بولاية ميشيغان، ربما يحتاج بايدن إلى إقبال قوي من الناخبين الأمريكيين السود والعرب.

في الشهر الماضي، أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "ديترويت نيوز" وقناة "WDIV-TV" أنّ بايدن يتخلّف عن ترامب بثماني نقاط مئوية في ميشيغان، وقال 17% فقط من الناخبين المحتملين إن بايدن يستحق فترة ولاية ثانية.

فيما أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" و"سيينا" في أواخر أكتوبر أنّ 22% من الناخبين السود في ست ولايات حاسمة، بما في ذلك ميشيغان، سيؤيدون ترامب إذا أجريت الانتخابات العامة اليوم.

بالتوازي، يقول المعهد العربي الأمريكي إنّ دعم العرب في البلاد للحزب الديمقراطي انخفض من 59% في عام 2020 إلى 17% فقط منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزّة.

إنقاذ ما يمكن إنقاذه

يُقرّ الديمقراطيون بأنّ سبل الفوز بإعادة الانتخاب دون أصوات المجمع الانتخابي الـ15 لولاية ميشيغان، محدودة للغاية. وأصبحوا قلقين بشكل متزايد من أنّ الصراع في الشرق الأوسط يمكن أن يعرّض مسار بايدن الانتخابي للخطر في هذه الولاية، لأنّ موقفه لا يحظى بغضب من الأمريكيين العرب والمسلمين فقط، بل أيضًا من العديد من الناخبين الشباب والأشخاص الملوّنين.

وفي محاولة لاستمالة الناخبين العرب والمسلمين، ندد بايدن بالخطاب المعادي للعرب بعد مقال نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية اعتبر مدينة ديربورن في ولاية ميشيغان أنها "عاصمة الجهاد في أمريكا".

وقال بايدن، في منشور على حسابه بمنصة "إكس"، إنه "كان من الخطأ إلقاء اللوم على مجموعة من الأشخاص بناءً على كلام قلّة قليلة منهم"، مضيفًا: "هذا بالضبط ما يمكن أن يؤدي إلى كراهية الإسلام والكراهية ضد العرب، ولا ينبغي أن يحدث ذلك لسكان ديربورن أو أي مدينة أمريكية".

ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية مطلع الشهر الجاري مقالًا لستيفن ستالنسكي المدير التنفيذي لمعهد بحوث إعلام الشرق الأوسط، تحت عنوان "مرحبا بكم في ديربورن، عاصمة الجهاد الأمريكية"، في إشارة إلى أنّ سكان المدينة، بما في ذلك زعماؤها الدينيون والسياسيون، يدعمون التطرّف.

وقبل زيارة بايدن، سافرت مديرة حملته، جولي شافيز رودريغيز، إلى ميشيغان، وخططت للقاء مسؤولين منتخبين من العرب الأمريكيين وقادة الجالية، لكن بعضهم رفض مقابلتها، مستشهدًا بموقف بايدن الرافض لوقف إطلاق النار في غزّة.

في 10 فبراير/شباط، سافر مسؤولو إدارة بايدن إلى ديربورن بولاية ميشيغان، لعقد اجتماعات خاصة مع قادة الجالية العربية والمسلمة، في محاولة جديدة لإصلاح العلاقات معهم.

ووفق ما ذكرت قناة "إن بي سي نيوز"، أقرّ المسؤولون بأنّ هناك أخطاء فيما يتعلق بإدارة بايدن للأزمة، منها بيانه بعد مرور 100 يوم على الحرب، والذي تجاهل فيه الإشارة إلى الضحايا الفلسطينيين.

قالت ليلى العبد، إحدى قيادات الجالية العربية بالولاية، إنّ اعتراف مسؤولي إدارة بايدن بالأخطاء يتناقض مع تقاعس الرئيس العلني فيما يتعلق بوقف العنف في غزّة، مضيفةً: "إخبارنا سرًا بأنهم ارتكبوا أخطاء، مع استمرار فشلهم في محاسبة نتنياهو وحكومته اليمينية، هو إفلاس أخلاقي".

طلبت القيادات العربية بشكل واضح من مسؤولي إدارة بايدن أن يدعو البيت الأبيض إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزّة، مقابل التفاوض معهم على الانتخابات المقبلة، لكنّ المسؤولين أكدوا أنهم لا يستطيعون الالتزام بذلك.

وقالت مصادر مطلعة لـ"إن بي سي" إنّ البيت الأبيض يتوقع عقد اجتماعات إضافية مع قادة الجالية الأمريكية العربية والمسلمة في المستقبل لاسترضائهم.

"صفعة افتراضية"

لكن حتى الآن، لا يبدو أنّ الدعوة لوقف إطلاق النار في غزّة، هي أحد الخيارات المتاحة أمام إدارة بايدن، ويؤكد ذلك ما ذكرته "واشنطن بوست" عن جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الأخيرة في الشرق الأوسط، حيث استمرت الجولة، وهي الخامسة منذ بدء الحرب على غزّة، من الرابع حتى الثامن من شباط/فبراير الجاري، وشملت 4 دول بالمنطقة، السعودية ومصر وقطر وإسرائيل والضفة الغربية.

وقالت الصحيفة الأمريكية إنّ البيت الأبيض سعى لتحقيق 3 أهداف من هذه الجولة، أولها منع توسّع الصراع وتوسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية إلى غزّة.

وفيما يتعلق بالعمل على تخطيط طويل المدى لما بعد الحرب، تسعى واشنطن من خلاله إلى صياغة اتفاق بين القادة العرب والإسرائيليين حول هيئة حكم موحّدة بقيادة فلسطينية للضفة الغربية وقطاع غزّة.

أما الهدف الثالث، غير المعلن، فهو الضغط على إسرائيل من أجل الحد من عدد الضحايا المدنيين في غزّة، وذلك لتهدئة ثورة الأمريكيين العرب في الولايات المتأرجحة الرئيسة مثل ميشيغان، بعد ما تسبب دعم بايدن القوي لإسرائيل في غضب أجزاء من قاعدته الديمقراطية، وفق الصحيفة.

لكن ما أسفرت عنه الجولة، يشير إلى أنّ الثورة لن تهدأ، حيث غادر بلينكن الشرق الأوسط بخفي حنين، وعلّقت وكالة "أسوشيتد برس" على نتائج الجولة قائلةً إنّ بلينكن تلقى "صفعة افتراضية" على وجهه من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قال إنّ "الحرب ستستمر حتى تنتصر إسرائيل تمامًا".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن