لثالث مرة على التوالي منذ بدء الحرب على غزة تسقط الإدارة الأمريكية أمام العالم كله، وكذلك أمام الشعب الأمريكي، وأمام كل الأحرار وذوي الضمائر الحية من كل الأجناس والأعراق والديانات في العالم باستخدامها حق النقض «الفيتو» ضد مشروع القرار الجزائري لوقف الحرب في غزة يوم الثلاثاء الماضي.
حصل مشروع القرار على تأييد ١٣ عضوا من بين أعضاء المجلس الـ ١٥، بينما عارضته أمريكا فقط في حين امتنعت بريطانيا عن التصويت.
بريطانيا هي الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة، ولا تنفصل عنها أبدا، بل إن الشائع أن الإنجليز دائما يخططون والأمريكان ينفذون، ومع ذلك فهذه هي المرة الثانية التي تمتنع فيها بريطانيا عن التصويت، وتترك أمريكا وحدها في مواجهة العالم.
امتناع بريطانيا عن التصويت ليس هو الأمثل، لكنه طريقة ذكية تعني موافقة ضمنية على قرار وقف الحرب ما دامت أغلبية أعضاء مجلس الأمن ترى ذلك، وتعني أيضا رفضا ضمنيا للعدوان الإسرائيلي الغاشم المستمر على قطاع غزة، وليت أمريكا فعلت ذلك أيضا.
للأسف الشديد لا تزال أمريكا تسبح عكس التيار وحدها، وتقوم بتوفير الحماية والدعم لجرائم الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وترفض وقف قتل الأطفال والنساء، بل إنها تقوم بتعطيل إدخال المساعدات إلى غزة، بعد أن أوقفت تمويل منظمة «الأونروا» التي تعمل من أجل مساعدة الفلسطينيين .
المؤكد أن هناك فرقا بين الإدارة الأمريكية التي يتحكم فيها «اللوبي الصهيوني» وبين أغلبية الشعب الأمريكي الذي يرفض العدوان وسفك الدماء ولا يمكن أن يقبل بإبادة جماعية لشعب أعزل دون مبرر.
أعتقد أن الضغط الدولي الحالي، وما يحدث من محاكمات لإسرائيل في محكمة العدل الدولية، والمطالبات بمحاكمتها في الجنائية الدولية، وتصاعد نغمة الانتقاد لأساليبها النازية ــ سوف ينعكس بالضرورة على الراعي الأمريكي المساند بالحق وبالباطل للعدوان الإسرائيلي.
للأسف الشديد نحن الآن في عام الانتخابات الأمريكية وربما يكون هو العام الأسوأ لمتخذ القرار في البيت الأبيض خوفا من «اللوبي اليهودي» المتغلغل في أنفاق السياسة الأمريكية، ودهاليزها عقودا طويلة، لكن هذا لا يمنع من وجود فرصة قوية للصوت العربي، والإفريقي، والمسلم، وأعداد ضخمة من الأصوات العاقلة في الحزبين الديمقراطي والجمهوري للضغط على الإدارة الأمريكية في هذا التوقيت لوقف ممارساتها الخاطئة المساندة للعدوان الإسرائيلي أو اتخاذ موقف حاسم بمعاقبة بايدن وإدارته في الانتخابات المقبلة، وهذا أغلب الظن.
("الأهرام") المصرية