هذا الواقع، كان قد دفع الأردن، في الفترة الماضية، إلى إرسال أكثر من رسالة شديدة اللهجة باتجاه دمشق، خصوصًا أنّ عمّان كانت من أبرز العاملين على إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، مع العلم أنّ المتابعين عن كثب لهذا الملف يؤكدون وجود العديد من المعلومات والمعطيات التي تؤكد أنّ "جهات داخل النظام السوري، إلى جانب الميلشيات المتحالفة معه، تقف وراء تجارة المخدرات العابرة للحدود".
في شهر أيار الماضي، تعهّد الملك الأردني عبد الله الثاني بمواجهة "عصابات المخدرات المحلية والإقليمية" بقوة، مهددًا باتخاذ إجراءات صارمة لحماية أمن المملكة والاستقرار الإقليمي. بينما كان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية سفيان القضاة قد طالب دمشق بخطوات عملية، لافتًا إلى أنّ الأردن زود الحكومة السورية بأسماء المهربين والجهات التي تقف وراءهم، وبأماكن تصنيع المخدرات وتخزينها وخطوط تهريبها التي تقع ضمن سيطرة الحكومة، إلا أنّ أيّ إجراء حقيقي لتحييد هذا الخطر لم يُتخذ.
"خلية اتصال مشتركة"
يوم السبت الماضي، جرى الإعلان عن إتفاق وزراء داخلية الأردن والعراق وسوريا ولبنان، في ختام إجتماع لهم في عمّان، على تأسيس "خلية اتصال مشتركة" لمكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود بين الدول الأربع. وبحسب ما أعلن وزير الداخلية الأردنية مازن الفراية، ستُعنى هذه الخلية بـ"تبادل الخبرات والتدريب والقدرات ومتابعة المعلومات، سواء السابقة أو اللاحقة، والتسليم المراقب، ومتابعة الشحنات الخارجة من الدول إلى وجهتها النهائية". بينما كانت وزارة الخارجية السورية قد اعتبرت أن "لا مبرر" لضربات يشنها، بين الحين والآخر، الطيران الأردني في جنوب سوريا، في إطار مكافحته لعميات تهريب المخدرات".
لكن في اليوم التالي لهذا الإجتماع، أعلنت عمّان مقتل عدد من مهربي المخدرات في اشتباكات على الحدود السورية الأردنية، خلال محاولة تهريب كميات كبيرة من المخدرات من سوريا نحو الأراضي الأردنية. وبعد ذلك، أعلنت وزارة الدفاع السورية مصادرة ما قالت إنها "كميات كبيرة" من الحشيش المخدّر وحبوب "كبتاغون" في جنوب البلاد، الأمر الذي وضعه المراقبون في إطار سياسة "الرسائل المزدوجة" التي تنتهجها دمشق، فمن جهة تؤكد إستمرار الواقع على ما هو عليه لناحية استمرار خطر تهريب المخدرات، ومن ناحية أخرى توحي بأنها تقوم بما عليها من واجبات بموجب التزاماتها تجاه الأردن والدول العربية المهدّدة بهذا الخطر!.
"لا ثقة" بجدّية دمشق
وانطلاقاً من سلوكها المعهود، لا يبدو أنّ هناك ثقة كبيرة بأنّ دمشق ستعمد إلى إتخاذ أي إجراءات جدية، حيال هذا الملف، وهو ما يؤكد عليه الكاتب والمحلل السياسي الأردني عادل محمود، في حديث لـ"عروبة 22"، حيث يشير إلى أنه غير متفائل كثيرًا بالنتائج التي ستتمخض عن الاتفاق الرباعي الأخير الذي جرى الإعلان عنه "بالرغم من الحاجة الحقيقية إليه، نظرًا إلى أنّ تنفيذ الإتفاقات يحتاج إلى دول قوية بحدودها وبقواتها المتواجدة على الحدود، الأمر الذي لا ينطبق على سوريا، بسبب تدخل المليشيات وسيطرتها والإنقاسامات فيها"، ويستطرد مضيفًا: "لو كان الاتفاق مع روسيا لكان أفضل لأن السيطرة لها" في سوريا.
بناءً على ذلك، يشدد محمود على أنّ "الأردن قادر على ضبط حدوده، لكن المشكلة في البلاد الأخرى ومدى سيطرتها على المليشيات المعتاشة أصلًا من إيرادات تجارة المخدرات"، وعليه، فإنه يعتبر أنّ "إحتمالية الفشل أكبر من النجاح بكثير"، بالرغم من الأمل بأن لا يحصل الفشل "لأنّ ذلك سيكون له عواقب، نظرًا إلى أن إجتماع عمّان قد يكون بمثابة التنبيه الأخير لخطورة الوضع".
وإذ يلفت إلى أنّ "الأمر نفسه ينطبق على العراق، حيث هناك مليشيات تتحكم بالكثير من الأمور فيه، وكذلك بالنسبة إلى لبنان حيث لـ"حزب الله" سيطرة كبرى وله معابر خاصة مع سوريا"، يختم محمود بالتشديد على أنّ "النوايا لا تكفي وحدها، والحكومة السورية لا تملك القرار الكامل لتنفيذ الإتفاق الرباعي على الأرض"، موضحًا أنّ "هناك أجنحة داخل النظام السوري مستفيدة من التهريب على صعيد جني الأموال"، ليخلص إلى القول: "للأسف سبق أن أعطيت فرصة ذهبية لبشار الأسد للتقارب العربي مع نظامه على قاعدة تطبيق سياسة "خطوة مقابل خطوة"، لكنه لم يلتزم ولم يقدّم شيئًا ملموسًا بعد عودة مقعد سوريا للجامعة العربية".
(خاص "عروبة 22")